h1>الاحتلال ينتهك حرمة الأقصى... مجدداًسجلت قوات الاحتلال اقتحامها الثاني لباحة المسجد الأقصى خلال أقل من أسبوع، ليشتعل المشهد مجدداً في القدس المحتلة. مواجهات وجرحى، عادت بعدها الأمور إلى طبيعتها غير الطبيعية، ليُطرح سؤال بقوة الرصاص: هل تستعد مدينة الأسوار لانتفاضة ثالثة؟

فراس خطيب
نُفّذ أمس في البلدة القديمة يوم «أمني» بامتياز. قوات معزّزة تنتشر في الأزقة. السوق يشهد حراكاً قوياً. يحاول استعادة رونقه المفقود. فرغم عزل الضفة الغربية عن المدينة المقدسة، وعزل أهل المدينة عن مركزها، وفقر المشهد الحالي، إلا أن الجمعة يظل الأكثر اكتظاظاً بين الأسوار. إنه يوم الأمل.
لكن الاكتظاظ يعني تكثيفاً أمنياً إسرائيلياً: انتشرت القوات الخاصة المعززة على أبواب المسجد الأقصى ومراكز البلدة القديمة، تحسباً من وقوع مواجهات متوقعة. وتعتقد المؤسسة الإسرائيلية أن «الوجود الأمني» ضروري، إلا أنه «يعني تهديداً للفلسطينيين».
دخل المصلون الفلسطينيون المسجد الأقصى. ومع نهاية صلاة الجمعة، بدأ الحدث. كانت القوات الإسرائيلية تتجمع عند باب المغاربة، لتقتحم المسجد زاعمة أن فلسطينيين ألقوا الحجارة على قوات الشرطة ومصلين في حائط البراق (المبكى بحسب الإسرائيليين). هكذا، سجل الإسرائيليون الاقتحام الثاني لباحة المسجد خلال أقل من أسبوع، الأمر الذي أشعل غضباً أشد وطأة في الباحة.
كانت المواجهات عنيفة جداً. قوات الاحتلال استخدمت الغاز المسيل للدموع وألقت القنابل الصوتية والرصاص المطاطي على الموجودين. ردّ الفلسطينيون بإلقاء الحجارة على القوات المعتدية. وخلال اقتحام القوات ساحات المسجد، أغلقت البوابات الداخلية والخارجية للأقصى. وقال شهود عيان لـ«الأخبار» إنه «كان من الصعب على سيارات الإسعاف دخول المسجد لنقل المصابين». وقد أدت المواجهات إلى جرح أكثر من 50 فلسطينياً جراء استنشاق الغاز، بينهم إصابة خطرة واحدة بالرصاص المطاطي.
في المقابل، أصيب نحو عشرين شرطياً إسرائيلياً بجروح طفيفة، نقل 5 منهم إلى المستشفى لتلقي العلاج. ومع نهاية المواجهات، انسحبت القوات الإسرائيلية باتجاه باب المغاربة. وعاد الهدوء المشوب بالحذر إلى أزقة البلدة القديمة.
ولأن الحال واحدة في القدس المحتلة، امتدت المواجهات إلى عدة أبواب من المسجد الأقصى وحيّ رأس العمود، كذلك ألقى عدد من الشبّان الحجارة على قوات من شرطة الاحتلال في العيسوية شرقي القدس.
بعد المواجهات، وصل وزير الأمن الداخلي يتسحاك أهرونوفيتش، من حزب «إسرائيل بيتنا»، وصمّم على اتهام الفلسطينيين بتفجير الأوضاع في القدس. وقال: «أوجه إصبع الاتهام إلى الفلسطينيين، وبينهم جهات من حماس التي تشعل الوضع طوال الوقت، وتسعى إلى إشعال جبل الهيكل (أي الحرم القدسي)، وشرطة إسرائيل ستستمر بالاستعداد وتأخذ بالحسبان إمكان وقوع أحداث مشابهة اليوم وغداً والأسبوع المقبل».
وأضاف أهرونوفيتش أن «إلقاء الحجارة على باحة الحائط المبكى هو عمل خطر للغاية، ولم تُلقَ حجارة باتجاه مصلين (يهود) في الحائط منذ سنوات. الشرطة سترد بقوة من دون مساومة».
ما حدث في القدس يُبيّن أن الأجواء قابلة للانفجار في أي يوم وفي أي لحظة. فالتوتر الأزلي الذي يخيّم على أزقتها القديمة، صار أشدّ حدة في الفترة الأخيرة، ولا أحد يعرف أين ستكون نهاية المطاف. هل تنفجر انتفاضة ثالثة من بين أسوار البلدة القديمة كما بدأت الثانية؟ أم أن الهدوء المشحون سيهيمن على المشهد المقدسي، لتحتقن الأجواء بمزيد من التوتر نحو مستقبل مجهول؟ حتى الآن لا أحد يعرف. لكن الجميع يدركون أن المشهد الفلسطيني على أعتاب مرحلة انتقالية.
وفي ردود الفعل الفلسطينية، أعلن رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر، رائد صلاح، أنه «رغم خطورة ما نراه وما يحدث الآن في المسجد الأقصى، إلا أنه يبدو أن الاحتلال يستعدّ لمشهد أخطر منه، حيث بدأوا يُعدون عدة عالمية لنشاط عالمي، ثم نشاط على مستوى القدس المحتلة، بهدف بداية فعلية كما هم يقولون لبناء ما يسمونه الهيكل الثالث المزعوم».
وأكد صلاح أن ما نشاهده الآن «سلوك متوحش من الاحتلال الإسرائيلي، وهو تأكيد لكل العالم الإسلامي والعربي، أن الاحتلال مصمم على اعتبار عام 2010 عاماً مصيرياً للقدس والمسجد الأقصى المحتلّين».
أما الرئاسة الفلسطينية فبدا همها على المفاوضات غير المباشرة، وقالت في بيان إن «قوات الاحتلال الإسرائيلي تخترق كل الخطوط الحمراء في محاولة منها للحيلولة دون استئناف مفاوضات السلام، وخاصة بعد تبني لجنة المتابعة العربية لاستئناف محادثات التقريب». وأضافت أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس «يتابع شخصياً مجريات الأحداث وتطوراتها في المسجد الأقصى، ويجري اتصالاته لوضع حد لهذه الاستفزازات».
وطالبت الرئاسة الإدارة الأميركية بوقف هذه «المغامرة» الإسرائيلية، محذرة من أنها «قد تشعل حرباً دينية في المنطقة». كذلك حثّت المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته في «وقف التهور الإسرائيلي».
وفي السياق، دعت الحكومة الفلسطينية المقالة إلى الوحدة الوطنية العاجلة في «الدفاع عن المقدسات»، محذرة من اقتراف إسرائيل مجزرة في القدس والخليل. وطالب الناطق باسمها طاهر النونو، في بيان، بـ«نبذ الخلافات جانباً وتغليب المصلحة العليا في مواجهة الاحتلال بكل الوسائل والسبل»، مشدداً على ضرورة «رفع اليد عن المقاومة في الضفة المحتلة وإطلاق سراح المعتقلين وتحقيق المصالحة الوطنية بما يؤسس لشراكة حقيقية».
وقال النونو إن حكومته «تتابع عن كثب ما يجري من عدوان صهيوني على مقدساتنا الإسلامية وشعبنا الفلسطيني المنتفض في مواجهة محاولات التهويد المتصاعدة، وخصوصاً الهجوم البربري على المصلين في الحرم القدسي والحرم الإبراهيمي، وسقوط عشرات المصابين برصاص الاحتلال الغادر وترويع الأطفال والنساء وكبار السن». ورأى ما يجري «مقدمة لمجزرة تخطط قوات الاحتلال لارتكباها أسوة بما قام به باروخ غولدشتاين عام 1994 في الخليل أو مجازر الأقصى المتتالية».