كل يوم من السابعة مساءً حتى العاشرة، يتابع فلسطينيّو المخيم المسلسل التركي «وادي الذئاب». الدافع الرئيسي لهذا الشغف هو الأزمة الدبلوماسية الأخيرة التي سبّبها المسلسل مع إسرائيل
قاسم س. قاسم
تشير عقارب الساعة إلى السابعة إلا عشر دقائق. يدير محمود الجشي تلفزيون المقهى على قناة تبثّ داخلياً في مخيم برج البراجنة. يتخذ مكانا بعيداً عن رفاقه لئلّا يشوّش عليه أحد: «بيحكوا كتير» يقول. توضع اللمسات الأخيرة للجلسة، الأراكيل أصبحت جاهزة، والقهوة دارت على الحضور. لحظات ويبدأ مسلسل «وادي الذئاب» التركي، يصمت الجميع مع بدء موسيقى الجنريك. يحذّر الجشي «ما حدا يفتح تمّو، اليوم مراد (علمدار بطل المسلسل، نيجاتي شاشماز) فايت على السفارة الإسرائيلية». هكذا، انتظر الجميع الحلقة التي سبّبت الأزمة الدبلوماسية بين تركيا والكيان الإسرائيلي. لكن ما هو هدف مراد ليدخل إلى السفارة الإسرائيلية تسأل؟ ببساطة لأنه «جرى خطف ابن ميمات، الموكل بتهريب السلاح إلى المقاومة اللبنانية، والإسرائيليّون عرفوا أنه يعمل بتهريب السلاح فخطفوا ابنه الرضيع، ليوجّهوا إليه رسالة بأنّ الطريق الذي يسلكه خطأ» يقول الجشي. تبدأ الحلقة، يتابع الجميع بصمت. تلاحظ أنه لا ترجمة أو دبلجة! فكيف يتابعون؟ يقول علي: «هيدا الجزء الرابع مش مدبلج بس اللي قبلو كان مدبلج. مفهوم يعني ..عالصورة»! يدخل مراد السفارة، يتوتّر الحضور، لا تكسر صمتهم سوى قرقعة مياه الأراكيل. يقف مراد أمام مرافق السفير الإسرائيلي ويطلب منه ترك الطفل، يرفض المرافق ذلك. يطلق مراد النار على رأس الإسرائيلي، «الله أكبر»، يصرخ الجميع. تنتشر الدماء على علم الدولة العبرية، يبتسم الحضور بارتياح. أعاد مراد الاعتبار إلى كرامتهم. لم يكن المسلسل التركي غريباً عن أبناء المخيم، فقد دفعهم إلى متابعته منذ الجزء الأول في عام 2006، فيلم «وادي الذئاب ـــــ شمال العراق»، الذي جسّد ما سبّبته أميركا من دمار للعراق، ثم جاء الجزء الثاني الذي تمحورت قصته حول المافيا التركية. أما الجزء الثالث، فتناول الماسونية العالمية و«دخول الإسرائيليّين والأميركيّين تركيا لتدميرها» كما تقول عايدة، إحدى متابعات المسلسل، التي تعرّفت على المجتمع التركي من خلاله، وكيف أن «المافيات كانت تتحكم في الأتراك»، تضيف «بس هنّي أشطر مننا إحنا العرب لأنهم عرفوا كيف يطلعوا من هادي الإشيا وإحنا لا». هكذا، يُعرض المسلسل التركي في المخيم بكل أجزائه، حتى الجزء الرابع منه الذي لم تجرِ دبلجته بعد إلى العربية. كما أن نسبة المشاهدين «تفوق90 بالمئة في المخيم، حتى الجزء يللي بيحكوا فيه تركي، عم تحضروا العالم»، يقول أبو يوسف روبين، «موزّع المسلسل» في المخيم. يذكر الرجل أنه «ما في يوم بيمرق من دون ما نحكي بالمسلسل، يعني شو صار بحلقة امبارح، وشو رح يصير اليوم». يشرح روبين كيف «زادت نسبة مشاهدة المسلسل، وخصوصاً بعد الاعتراض الإسرائيلي على الحلقة، التي يقتل فيها مراد الضابط، فبفعلتهم هذه صبّ الإسرائيليون الزيت على النار». هكذا، جسّد المسلسل بالنسبة إلى أبناء المخيم «تركيا الإسلامية، التي تقف لمناصرة المقاومة في لبنان» كما يقول روبين. أخيراً انتشر في المخيم فيلم «غلاديو» التركي الموجّه إلى العرب، الذي يعدّ «من نفس فصيلة وادي الذئاب» كما يقول روبين. هكذا، تتوجّه هذه المسلسلات التركية إلى العالم العربي، لمواجهة إسرائيل، كما يقول إسكندر بطل فيلم غلاديو «هل يمكن العرب أن يتبعونا؟ نعم العرب دمية متحركة، إذا وجدوا مصلحتهم معنا فبالإمكان أن يلحقوا بنا».


لا الأول ولا الأخير

لن يكون «وادي الذئاب» الأول أو الأخير الذي اعترضت عليه إسرائيل. إذ يقول بطل المسلسل نيجاتي شاشماز، في مقابلة مع تلفزيون ستار، إنه جرى الإعداد لفيلم اسمه «وادي الذئاب ـــــ فلسطين»، الذي يتحدث عن انتهاكات إسرائيل في فلسطين. يذكر أن الدولة الصهيونية اعتادت الاعتراض على المسلسلات والأفلام التي تتطرق للكيان الصهيوني مثل: رأفت الهجان، الذي مثل دور البطولة فيه محمود عبد العزيز، فارس بلا جواد، من بطولة محمد صبحي، المسلسل السوري «الشتات»، و أخيراً الفيلم المصري «أولاد العم» بطولة كريم عبد العزيز ومنى زكي.