مرّت الساعات العشر للانتخابات العراقية التي طال انتظارها وتأجيلها، من دون مفاجآت كبرى. اهتزّ الأمن بالحدود التي أبقته «مقبولاً». كلّ مال إلى اعتبار نفسه فائزاً، وارتفعت نسبة مشاركة الناخبين العرب السنّة، ما يرفع من رصيد أياد علاوي

العراقيّون يجتازون تحدّي 7 آذار



بغداد ــ الأخبار
مرّ اليوم العراقي الموعود بالنسبة إلى العراقيين والعالم، كما كان مرسوماً له أن يمرّ. جرت الانتخابات الثالثة لعهد ما بعد نظام صدام حسين، بأقل خسائر ممكنة. لم يكن أحد يتوقّع أن تكون انتخابات معاييرها «أوروبية»، لا في المجال الأمني، ولا في ما عدّه البعض تزويراً علنياً. ففي النهاية، هذا العراق، حيث وصلت حال البؤس فيه إلى اعتبار أن سقوط 38 قتيلاً وعشرات الجرحى في يوم واحد، رقم «مقبول» في الأيام العادية، و«جيد جداً» في يوم انتخابي.
وكما كان متوقعاً، توجّه ملايين الناخبين، منذ السابعة صباحاً إلى الخامسة من بعد الظهر (من الساعة الثامنة إلى الخامسة بتوقيت بيروت)، إلى ثمانية آلاف و960 مركزاً، ليختاروا 325 نائباً في البرلمان المقبل، من بين 6 آلاف و292 مرشحاً، بينهم 1813 امرأة، يضمّهم 165 كياناً سياسياً ينتمون إلى 12 ائتلافاً، وسط إجراءات أمنية مشددة اتخذها مئات آلاف العناصر الأمنيين في محيط مراكز التصويت وداخلها (200 ألف في بغداد وحدها)، تاركين المجال واسعاً أمام حركة تفجيرات وصواريخ أودت بحياة أكثر من 38 شخصاً وجرح 110 آخرين.
انتخابات كان من الطبيعي أن يعلن أركانها، كل من جهته، أنه فاز بنتائجها الأولية، إلا أن وجهها الحقيقي لن يُعرَف قبل 18 آذار الجاري للنتائج الرسمية الأولية، و31 من الجاري للنتائج الرسمية النهائية.
إنها انتخابات يجمع معظم المراقبين والسياسيين على أنها ستكون مفصلية، لأسباب عديدة: أولها أنها ستكون آخر الانتخابات في ظل الاحتلال الأميركي المباشر. ثانيها أنها ستحدد ملمحاً من ملامح وجوه المنطقة، بما أنها ستحكم مصير دولة تتقاطع فيها مصالح دول الجوار والغرب والشرق، من إيران إلى سوريا وتركيا ودول الخليج، ومن خلفها الولايات المتحدة طبعاً. وثالثها أنّ الانسحاب الأميركي النهائي المقرر من العراق في أواخر 2011، سيُحسَم من ناحية الشريك العراقي الذي سيؤلف الحكومة المقبلة، بما أنّ فوز العرب السنّة، المحسوبين على «القائمة العراقية» التي يرأسها المرشح البارز لتولي الوزارة المقبلة أياد علاوي، قد يؤدّي إلى انحسار نسبة الشعور بـ«الغبن» لدى أبناء هذه الطائفة، وبالتالي إلى خفض وتيرة العنف الطائفي الذي عاد ليسجّل ارتفاعاً ملحوظاً في الأشهر الماضية.
أمام واقع كهذا، أمكن إيراد جملة من الملاحظات عن العملية الانتخابية التي جرت أمس.
أولاً، أجمعت التقارير على مشاركة عربية سنية فاقت بأشواط ما حصل في انتخابات عام 2005، حيث لم تتعدَّ مشاركة هذه الطائفة نسبة الخمسة في المئة في عدد كبير من المحافظات في حينها، أبرزها في الأنبار.
مشاركة حلا للبعض اعتبار أنّ التفجيرات التي استهدفت مدينة الفلوجة خصوصاً، حفّزتها أكثر، كون أعمال العنف تلك كانت تعني، برأي البعض، أن هناك من لا يريد للعرب السنة أن يكونوا موجودين في السياسة العراقية للسنوات الأربع المقبلة. ثمّ جاءت قرارات هيئة «المساءلة والعدالة»، التي أقصت عدداً من رموز العرب السنة، يتقدّمهم صالح المطلك وظافر العاني، لتمثّل حافزاً إضافياً لمشاركة هؤلاء لمصلحة أكثر القوائم العابرة للطوائف، «العراقية».
ولم يعد خفياً أنّ نسبة مشاركة عربية سنية مرتفعة هي لمصلحة علاوي أساساً، وعلى حساب رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي كان يراهن على الصوت السني والتحسن الأمني لتعزيز حظوظه بالفوز.
ثانياً، استبق عدد من المسؤولين والمنافسين في الانتخابات، إقفال صناديق الاقتراع ليعلنوا إما أنهم سينسحبون من العملية السياسية إذا شابها تزوير (علاوي مثلاً)، أو ليطمئنوا إلى أن الكتل السياسية اتفقت على بقائه في منصبه الرئاسي، والمعني به هنا هو جلال
الطالباني.
ثالثاً، أظهر حكام العراق عن إيمانهم بفوقية يندر أن توجد إلى هذه الدرجة كما هي الحال في العراق المحتل. فقد خُصَّ السياسيون «الكبار» بمركز انتخابي آمن جداً في فندق الرشيد في المنطقة الخضراء، أدلى فيه كل من هم بدرجة مدير عام فما فوق مع عائلاتهم. ومن أبرز من صوّت في هذا المركز، المالكي ورئيس مجلس النواب أياد السامرائي، ورئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم، ورئيس قائمة الأمة العراقية مثال الألوسي (المؤيد للتطبيع مع إسرائيل)، ورئيس قائمة «أحرار» أياد جمال الدين، وعدد من النواب والشخصيات الأخرى.
رابعاً، بقراءة سريعة للخريطة الأمنية الساخنة، ظهر أن الفلوجة نالت حصة الأسد، علماً بأن هذه المدينة باتت تُعدّ، شأنها شأن الرمادي، عاصمة للناخب العربي السني. ناخب أعلن أحد أبرز ممثليه، النائب الحليف لعلاوي، أسامة النجيفي، فوز قائمته («العراقي») في محافظة نينوى «فوزاً ساحقاً».
وكانت بغداد «رائدة» في مجال الاستهداف، لا بالعبوات الناسفة فقط، بل أيضاً بصواريخ طالت غرب العاصمة وشرقها، ما يشير إلى أن الهدف من ورائها هو تحذير المواطنين من التوجه إلى مراكز الاقتراع. كذلك يوضح أن المنظمات المسلحة لا تزال تملك قدرة على الحركة حتى في وسط عاصمة الرشيد.
في العموم، بدا أن الغرب وجد في مجرى انتخابات يوم أمس ما كان يطمح إليه. تجلى ذلك في مسارعة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أن «يحيي شجاعة الناخبين العراقيين الذين تحدّوا التهديدات للمضي قدماً في ديموقراطيتهم». وهو ما كررته الممثلة الأعلى للسياسة الأمنية والخارجية الأوروبية كاثرين آشتون عندما رحّبت بمشاركة «عدد كبير» من العراقيين في الانتخابات، معتبرة أنّ الأمر «يستحق التقدير».

■ ■ ■

جرت الانتخابات... لكن أين الاستفتاء؟يختصر الاستفتاء الشعبي على الاتفاقية الأمنية الأميركية ــ العراقية «صوفا»، الذي كان يجدر إجراؤه بالتزامن مع الانتخابات التشريعية العراقية أمس، كل أوجه الأوضاع العراقية منذ عام 2003. ببساطة، لم يحصل الاستفتاء
لم يجد الساسة العراقيون حاجة لقرار أو لقانون أو لتبرير وفهم لماذا لم ولن يحصل الاستفتاء الذي كان مقرّراً إجراؤه بالتزامن مع أول انتخابات تشريعية في البلاد.
أقرّه البرلمان، السلطة الأهم في أي نظام برلماني، لكنه لن ولم يحصل بموجب «واقع الحال»، بما أنّ الاتفاقية وُقّعَت في تشرين الثاني 2008، أي منذ أكثر من عام وأربعة أشهر، واقتربت بلاد الرافدين من موعد الانتهاء من مفعولها المقرّر في نهاية عام 2011. والعمل جارٍ بموجب الاتفاقيّة منذ توقيعها، من دون انتظار موافقة البرلمان العراقي، ولا رضى الشعب، بما أن السابع من آذار شهد فقط الانتخابات التشريعية.
إذاً يختصر وضع الاستفتاء، أحوال العراق قاطبة لعدة أسباب. أولاً، إنها نموذج عن إرضاء المواطنين بالكلام الذي يبقى كلاماً. فمعروف أنّ فكرة الاستفتاء أُضيفَت على الاتفاقية في البرلمان العراقي بعدما وافقت عليها الحكومة بنسبة 27 وزيراً من أصل 28، ولم ترد ضمن الاتفاق، وبالتالي، فإنّ عدم نيل اتفاقية «صوفا» الموافقة الشعبية «لا يُعد مخلاً بها»، بحسب الخبير القانوني العراقي المعروف طارق حرب.
أُضيف شرط نيلها موافقة الشعب قبل بدء تطبيقها، إلا أنّ ما حصل كان مختلفاً: من جهة، دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ فور التصديق عليها، (انسحاب قوات الاحتلال من المدن العراقية في حزيران الماضي وتطبيق الولاية القانونية على الجنود الأميركيين...)، ومن ناحية أخرى لم ولن يحصل الاستفتاء.
ثانياً، تختصر الاتفاقية والاستفتاء الذي دُفن قبل أن يولَد، أحوال العراق، لأنّ الرغبة الكردية حيالهما تحقّقت، بما أنّ التحالف الكردستاني كان الأكثر معارضةً لفكرة تنظيم الاستفتاء خوفاً من احتمال أن يرفضها العرب.
ثمّ إنّه حيكَت حول هذه الاتفاقية عشرات الروايات، قد يكون أشهرها ما ربط بينها وبين تقاضي أعضاء البرلمان ثمن تأجيلهم موعد الاستفتاء عليها، من تموز الماضي إلى مطلع العام الجاري، لقاء 5 ملايين دولار لكل نائب. وأشارت روايات أخرى إلى تسلّم رؤساء الكتل النيابية مبلغاً قدره 7 ملايين دولار لكل منهم.
وبغضّ النظر عن صحة هذه التقارير من عدمها، فإنّها تختزل كل ما أحاط بسنوات الاحتلال من فساد وسرقة ورشوة، أبرز شاهد عليها تقارير مكتب المحاسبة في الإدارة الأميركية نفسها.
أضف إلى كل ذلك، ما يربط بين الاستفتاء والخريطة السياسية التي حكمت بغداد منذ سقوطها في 9 نيسان 2003؛ معروف أنّ نسبة كبيرة من العرب السنة قاطعوا انتخابات عام 2005، وبالتالي ظلّوا الحلقة الأضعف في النظام الجديد.
ولذلك، كان السياسيون من العرب السنة الأكثر حماسة لإجراء الاستفتاء بالتزامن مع الانتخابات الوطنية. وبالفعل، تبنّى البرلمان طلبهم (باستثناء نواب الكتلة الصدرية الذين انفردوا في رفض الاتفاقية في مجلس النواب).
بيد أنّ إصرارهم على الاستفتاء كان باهتاً، عندما رأوا أنه بسبب المأزق الذي عانى منه البرلمان بشأن قانون الانتخابات الجديد، لم يعد يتوافر الوقت لصياغة الموافقة على التشريع المطلوب لإجراء الاستفتاء بالتزامن مع الانتخابات.
وأُوكل تبرير نسيان أخذ موافقة الشعب إلى المتحدث باسم «جبهة التوافق العراقية»، التي كانت تُعد التكتل السني العربي الأكبر في
البرلمان.
النائب سليم الجبوري قال إنه «لم تعد الكتل السياسية مهتمة بتلك القضية، وترغب في تجاهلها لأنها مشغولة بالانتخابات، وهي لا تراها أمراً يمكن استغلاله في الحملات الانتخابية».
بناءً على ذلك، ظلّ الاستفتاء يتيم الأب والأم، حتى وصلت به الأمور إلى أن يصبح مبطل المفعول وعديم الجدوى، بما أنّ جميع المشاركين في «العملية السياسية» باتوا مسلّمين ببقاء الاحتلال حتى 31/12/2011، وحساباتهم مبنية على هذا الأساس.
ويطيب للبعض اعتبار أنّ فكرة الاستفتاء وُلدت معطوبة لأنّه لا مفعول قانونياً جدّياً لها.
وعلى حد تعبير طارق حرب نفسه، «حتى لو أجرينا استفتاءً وقال الشعب كلا، فلا بد للحكومة العراقية من أن تقدّم إخطاراً للحكومة الأميركية، ثم تنتظر سنة بعد الإخطار بالانسحاب، لكي يتم الانسحاب».
وبرأي حرب فإنّه «من الناحية الواقعية، مدة سنة والاجراءات الأخرى ستستغرق المدة الباقية لبقاء القوات الأميركية في العراق»، وهي نهاية 2011.
في المقابل، يرى جزء آخر من المراقبين العراقيين أنّ تعهّد الرئيس الأميركي باراك أوباما بسحب جميع القوات المقاتلة من بلاد الرافدين، البالغ عددها 50 ألف جندي نهاية آب 2010، على أن يتم سحب بقية القوات في موعد أقصاه نهاية عام 2011، كان عاملاً أدّى دوراً كبيراً في خفض حماسة العراقيين تجاه الاستفتاء، لأن الانسحابات جارية معه ومن دونه.
تطمين لا يحظى بصدقية كبيرة في ظلّ ترداد جنرالات الاحتلال ومسؤوليه السياسيين أنّ جميع خطط الانسحاب سيوقَف العمل بها إذا ما شهدت البلاد تدهوراً في الأحوال الأمنية.
(الأخبار)

■ ■ ■

الاقتراع في لبنان: هاجس الاعتقال يقلّص المصوّتين إلى 5%
أحمد محسن
كان متوقعاً أن يشهد مركز الاقتراع في الضاحية الجنوبية لبيروت النسبة الأكبر من عدد المقترعين العراقيين. يمكن القول إن المنطقة تشبههم هناك، وغالبيتهم تقطنها. لكن، وفقاً لمسؤولين في مركز الاقتراع الأكبر في لبنان (يضم 6 صناديق)، فإن عدد المقترعين خلال الأيام الثلاثة الماضية، لم يتجاوز الألف، وهو رقم أقل بكثير مما كان ينتظره المشرفون على الانتخابات. الأسباب كثيرة برأي هؤلاء. ثمة مشكلة معروفة يعاني منها اللاجئون العراقيون في لبنان، وتتمثل بتنظيم وضعهم القانوني لأن الحكومة اللبنانية لا تعترف بورقة اللجوء الصادرة عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
وأمام هذا الواقع، بات معلوماً أن العراقيين يواجهون خطر الاحتجاز من قبل الأمن العام اللبناني في أي لحظة. وفعلاً، لفت عدد كبير من العمال العراقيين الملتفين حول مركز اقتراع الضاحية، إلى أن عدداً كبيراً من رفاقهم لم يرغب في التصويت خوفاً من «حضور غير مرغوب فيه للأمن العام». الأمر ليس خفياً على أحد، وقد وافقت جهات في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على هذه المعطيات.
هكذا فضّل عدد من العراقيين الابتعاد عن ضوضاء الانتخابات تجنباً لاعتقال أمني لبناني لا تُحمد عقباه. لكن أحد المشرفين على سير العملية الانتخابية في مركز حارة حريك أكد أن «الأمن العام اللبناني لم يعتقل أحداً أو يتحرك نهائياً في الأيام الثلاثة التي جرت فيها الانتخابات العراقية». بيد أنه تفهم قلق مواطنيه. التجارب السابقة لهؤلاء اللاجئين قاسية وكافية لتعزيز ترددهم.
وإلى أزمة الأمن اللبناني التقليدية، شكا بعض المقترعين من عدم تمكنهم من إثبات هويتهم، فمفوضية الانتخابات تعترف بورقة اللجوء الصادرة عن الأمم المتحدة، أو أي ورقة لبنانية رسمية تثبت الهوية، لكن ذلك كله يحتاج إلى وثيقة عراقية سنداً لإثبات الهوية، ما سبّب نوعاً من الارتباك بالنسبة لكثيرين. الارتباك لم يكن موجوداً بالنسبة للمصوّتين، إذ انحصرت الأصوات بين رئيس الوزراء العراقي نوري «المالكي و(سلفه إبراهيم) الجعفري»، كما أكد المتابعون.
وفي سياق منفصل، أعرب أحد اللاجئين العراقيين، الذي اقترع في الحمراء، عن استيائه من الجو العام الذي جرت فيه الانتخابات. أزعجه كثيراً «بيع الأصوات وشراؤها». ذلك لا يعني أن الأمور جرت «على الطريقة اللبنانية»، فقد تشددت الادارة المشرفة على الانتخابات كثيراً. وفي المركز ذاته، أجبر رجال الأمن أحد العراقيين على الابتعاد مسافة كيلومتر واحد عن مركز الاقتراع، لأنه يوزّع اللوائح الانتخابية. لا شيء في المراكز وفي محيطها إلا العلم اللبناني. شكلياً، الانتخابات العراقية شيء، والانتخابات اللبنانية شيء آخر مختلف تماماً. لا أعلام حزبية ولا صور لمرشحين قرب المراكز. يمكن الناخبين الاقتراع في المركز الذي يريدونه، إذ إن أسماءهم وزعت على المراكز جميعها. وفيما بدت اللغة الكردية الثانية غريبة لبعض اللبنانيين الفضوليين، أبدى بعض المارة في الحمراء إعجابهم بـ«الطريقة الديموقراطية التي تجري بها الانتخابات».
الحديث عن شكل ديموقراطي لاقتراع العراقيين خارج بلادهم يبدو جذاباً في إطاره الخارجي: مراقبون كثر من جمعيات مدنية، موفدون من الأحزاب في العراق، أمن منظّم ودقيق، شفافية في التعاطي مع الإعلام، نظام انتخاب نسبي مع صوت تفضيلي واحد، القسائم يمنحها رئيس قلم الاقتراع فقط، هيئة مستقلة لإدارة العملية بلا مشاركة وزارة الداخلية.
وأكثر من ذلك كله، بدت الحماسة جليةً على وجوه العراقيين داخل مراكز الاقتراع. كل شيء يوحي بحياة ديموقراطية يافعة. لكن، تبعاً لمصادر في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإن عدد المقترعين لم يتخط ألفي عراقي (خمسة في المئة) من أصل 40 ألفاً موجودين في لبنان.

■ ■ ■

المالكي واثق... وعلّاوي يحذّر



لم يفوّت المسؤولون العراقيون، أثناء الإدلاء بأصواتهم في مراكز الاقتراع الخاصة بهم أمس، فرصة اللحظات الأخيرة لعلّهم يقنعون بتصريحاتهم، ناخباً من هنا، وآخر من هناك ليوكلهم بمهمة قيادة البلاد للسنوات الأربع المقبلة. وتوزعت مواقف هؤلاء على محاور عديدة، منها التهديد بمقاطعة العملية السياسية في حال شابها تزوير، أو على صعيد إطلاق كلمات عامّة يردّدها «رجال الدولة» عن حق الاختيار وقبول النتائج مهما كانت. والصنف الآخر لم يتعدّ حدود الآمال بالتغيير وبتحسّن الأوضاع بعد الانتخابات.
وحثّ رئيس الوزراء، نوري المالكي، كل الأحزاب على قبول نتائج الانتخابات. وقال، بعدما أدلى بصوته في المنطقة الخضراء، إنّ «من يفوز اليوم ربما يهزم غداً، ومن يهزم اليوم ربما يفوز غداً». وأعرب عن ثقته بفوز قائمته «ائتلاف دولة القانون»، لكنه رفض تحديد نسبة الفوز قائلاً «نتمنى أن يكون المواطن هو من يقرر ذلك».
غير أنّ رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، المنافس الأول للمالكي، شكا بشدة من مخالفات خلال مرحلة مبكرة من التصويت، وذلك بعدما صوّت في فندق الرشيد، حيث لمّح إلى احتمال انسحاب كتلته من العملية السياسية «إذا ثبت وجود تزوير كبير في الانتخابات». وقال إنّ «ما حدث من تفجيرات في أنحاء متفرقة من بغداد صباح اليوم (أمس) وما جرى في انتخابات الخارج، لا يبشّران بخير». وكشف أن ناشطي حركته وأعضاءها تعرضوا لحملات دهم واعتقالات واسعة «وقدمنا 28 شكوى ولا نزال في طريقنا إلى تقديم شكاوى أخرى ضد هذه الخروق». وحمّل الحكومة مسؤولية التفجيرات الدامية، وجزم بأمر استخدامها كل الوسائل للضغط على المواطنين «لعدم انتخاب القائمة العراقية».
في المقابل، اقتصر تصريح نائب الرئيس طارق الهاشمي، المتحالف مع علاوي، على الإعراب عن أمله بأن تضع هذه الانتخابات «الحاسمة»، العراق، على «طريق جديد».
وفي الجبهة الكردية، لفت وزير الخارجية هوشيار زيباري، إلى أن العراق «واحة في صحراء من الشمولية والديكتاتورية في المنطقة»، معترفاً بأنّ «انعكاسات هذه الانتخابات لن تكون على العراق فقط، بل على المنطقة برمّتها».
وعن شكل الحكومة المقبلة، أوضح زيباري أنها «ستكون ائتلافية على أساس التوافق الوطني، إذ أثبتت الأحداث والتجارب عدم قدرة أيّ جهة أو طائفة على أن تحكم وحدها».
من جهته، جزم الرئيس جلال الطالباني، بعدما اقترع في عقر داره في السليمانية، بأن الكيانات السياسية طالبته بالبقاء في منصبه. وقال الطالباني، باللغتين الإنكليزية والكردية، «طالبني العديد من الكيانات السياسية بترشيح نفسي مجدداً» للرئاسة الأولى، رغم أنّه وصل إلى مركز الاقتراع وهو يسير بمساعدة عصا يتكئ عليها.
وانتهز الرئيس الفرصة ليسخر من منافسي التحالف الكردستاني، الذين تتصدرهم قائمة «التغيير»، التي يقودها أبرز المنشقين عليه، نوشيروان مصطفى. وقلّل الطالباني من أهمية «التغيير»، معتبراً أن «الكيانات الصغيرة مثل التغيير لا تستطيع التأثير في المستقبل»، هذا رغم أنّ «التغيير» حصلت على 17 مقعداً في انتخابات برلمان كردستان، في الصيف الماضي.
يُذكَر أنّ الحزبين الكرديين «الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الديموقراطي الكردستاني» يخوضان الانتخابات ضمن قائمة موحّدة تضم عشرة كيانات سياسية أخرى.