تمتلك جهاز مراقبة شديد الدقة قادراً على الرصد ليلاً ونهاراًغزة ــ قيس صفدي
لا تكاد تُرى بالعين المجردة. لكنّ أزيزها يصيب الفلسطينيين بالصداع ويقضّ مضاجعهم في الليل والنهار. طائرة الاستطلاع الإسرائيلية أو «الزنانة» كما يطلق عليها سكان قطاع غزة، لما تصدره من أصوات مثيرة ومزعجة، لا تفارق أجواء القطاع. تتلصّص على الغزيين على مدار الساعة، وتتربص بهم كحيوان مفترس يبحث عن فريسة.
ظهور «الزنانة» في سماء غزة، أو سماع صوتها المثير للإزعاج، يمثل بالنسبة إلى السكان نذير شؤم، منذ كشفت دولة الاحتلال الإسرائيلي قبل بضعة أعوام عن تطوير هذه الطائرة الصغيرة التي كانت مهمّتها تقتصر على المراقبة، وتحويلها إلى طائرة مقاتلة تمتلك قدرة فائقة على ضرب «أهداف موضعية».
واستخدمت دولة الاحتلال طائرة الاستطلاع منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول عام 2000، لأغراض المراقبة ورصد تحركات عناصر المقاومة، قبل أن تزوّدها بصاروخين موجّهين لهما القدرة على ضرب الهدف بدقة عالية.
ويقول «أبو أدهم»، القيادي في «كتائب شهداء الأقصى»، الذراع العسكرية لحركة «فتح»، إن «الزنانة تمثّل خطراً يفوق بكثير الطيران الحربي والمروحيات المقاتلة، لقدرتها الفائقة على الظهور المفاجئ، وتزويدها غرفة التحكّم في القاعدة العسكرية لجيش الاحتلال بالإحداثيات على الأرض أولاً بأول، فضلاً عن قدرتها الهجومية الكبيرة، ودقة إصابتها للهدف».
ويضيف أبو أدهم إنّ هذه الطائرة «تمثّل هاجساً خطيراً بالنسبة إلى عناصر فصائل المقاومة، الذين يقابلون الرصد التقني المتطور للزنانة برصد متواضع». وبمجرد رؤيتها أو سماع صوتها، يجري التعميم عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي لكل المجموعات على امتداد قطاع غزة لاتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، والاختفاء عن الأنظار، وعدم ركوب السيارات والدراجات النارية.
ويستطرد أبو أدهم موضحاً أن «الزنانة لم تفشل إلا في حالات قليلة من عمليات الاغتيال التي نفّذتها ضد مقاومين فلسطينيين، نظراً إلى امتلاكها صواريخ خفيفة ودقيقة في تحديد الهدف وقصفه بسرعة فائقة، فيما كانت العناية الإلهية سنداً للقليل من المقاومين، الذين نجوا بفارق زمني بسيط من غارات جوية شنتها هذه الزنانة».
وقد اعتمدت قوات الاحتلال اعتماداً رئيسيّاً على طائرات الاستطلاع خلال 22 يوماً من الحرب الأخيرة ضد غزة. ووفقاً لتوثيق مؤسسات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية، فإن الغارات التي نفّذتها طائرات الزنانة تقف وراء استشهاد عشرات الفلسطينيين، بينهم مقاومون وأطفال ونساء. وأضافت إن خطورتها «تكمن أيضاً في بطاريتها التي تؤهّلها للتحليق لساعات طويلة قد تصل إلى يومين من دون الاضطرار إلى الهبوط والتزود بالوقود، وامتلاكها جهاز مراقبة شديد الدقة قادراً على الرصد في الليل والنهار».
الحديث عن «الزنانة» نكأ ذكريات أليمة لدى المقاوم في «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، أبو صهيب، الذي فقد الكثير من أصدقائه ورفاق السلاح في عمليات اغتيال إسرائيلية نفذتها هذه الطائرة التي وصفها بـ «اللعينة».
ويقر أبو صهيب بأنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي «نجحت لفترة طويلة في خداع المقاومين بهذه الطائرة اللعينة، التي كانت تستخدمها للرصد والمراقبة قبل أن تزوّدها بصاروخين صغيرين، فيما كان تنفيذ عمليات الاغتيال من اختصاص طائرات الـ أف 16 والمروحيات المقاتلة». ويستذكر الجدل الذي دار لوقت طويل بين نشطاء فصائل المقاومة، وحتى بين عامة الناس، بشأن قدرة الزنانة الهجومية، وما إذا كان بإمكانها إطلاق صواريخ، وذلك إثر عدة عمليات اغتيال ضد مقاومين في وقت كانت فيه أجواء غزة خالية من الطيران الحربي باستثنائها، إلى أن جرى التأكد فعلاً من قدرة هذه الطائرة على إطلاق صواريخ.
ومثلما تمثّل «الزنانة» خطراً داهماً على المقاومين، فإنها تنغّص على باقي سكان غزة من المدنيين حياتهم؛ فقد اعتاد كل الغزيين، حتى ربات المنازل والأطفال، معرفة تحليق هذه الطائرة في أجواء القطاع، بتأثيرها في الصحون اللاقطة وتشويش المحطات الفضائية.
وتقول راوية عوض: «عندما تحلّق الزنانة في سماء غزة، يتحول التلفزيون إلى صندوق لا قيمة له، بسبب قدرتها على تشويش المحطات الفضائية». وتشير إلى أن زوجها اشترى شبكة استقبال «بدائية» لالتقاط المحطات الأرضية، لكون هذه المحطات لا تتأثر بالإشعاعات والذبذبات المنبعثة من الزنانة. وتشعر راوية بقلق شديد بمجرد تحليق الزنانة في أجواء غزة، حيث إنها «تدفع إلى الترقب وتوقع عمليات قصف إسرائيلية، فقد ارتبط تحليق طائرات الزنانة بتصعيد».
وفي السياق، قال مراسل إذاعة «صوت الأقصى» المحلية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، جمال عدوان، إن «تحليق الزنانة يمثّل خبراً عاجلاً في الإذاعات المحلية، التي تسارع إلى تنبيه المقاومين وكل السكان لأخذ الحيطة والحذر، وإفشال سعيها إلى اقتناص المقاومين». ويعتقد أن الإذاعات المحلية «تؤدي دوراً مهماً في رصد تحركات قوات الاحتلال براً وبحراً وجواً، والأكثر أهمية رصدها للزنانة التي يصعب رؤيتها بالعين المجردة إذا كانت تحلّق على ارتفاعات كبيرة، لكن يُكتشَف وجودها بتأثيرها في الأجهزة الإلكترونية».
ولفت عدوان إلى أن الناس في غزة «باتت لديهم خبرة واسعة، ويمتلكون حساً عالياً بالخطر، أكسبتهم إياه التجارب المريرة مع قوات الاحتلال، التي تجرب ضدهم كل ما تمتلكه ترسانتها من أسلحة قاتلة ومدمّرة».


كفى ألف يوم على الحصاروقال الخضري، في مؤتمر صحافي عقده قبالة المعلم التذكاري لضحايا الحصار في غزة أمس، إن الفعاليات «ستبدأ في 14 من الشهر الجاري بإشعال ألف شمعة في ساحة الجندي المجهول في غزة، وتنظيم مسيرة أمام معبر بيت حانون إيرز ضد الاحتلال الذي يتحمل مسؤولية الحصار». وأضاف إن «الحصار يضرب كل مناحي الحياة الصحية والاجتماعية، إلى جانب الأطفال الذين يعاني 50 في المئة منهم أمراض فقر دم وسوء تغذية».
(الأخبار)