بعد عام على مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق الرئيس السوداني عمر البشير، يبدو أن الاحتواء هو العنصر الأبرز حاليّاً، ولا سيما بعد التأثيرات التي أحدثها القرار على مسار الأزمات في السودان
جمانة فرحات
بعد مضي عام على صدور مذكرة التوقيف الدوليّة بحق الرئيس السوداني، عمر البشير، على خلفية الحرب في إقليم دارفور، يبدو أن الخرطوم استطاعت احتواء الأزمة، على الأقل سياسياً ومرحلياً. وأحسن النظام السوداني اللعب على وتر المخاوف التي أثارها قرار المحكمة لعدد من الدول مثل روسيا والصين ليحوز مظلة في مجلس الأمن تمنع صدور أي قرار يدين عدم تجاوب الخرطوم مع مذكرة التوقيف، بعدما سمحت موسكو وبكين في البدء بصدور قرار الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية قبل خمس سنوات.
ومحاصرة القرار توفرت أيضاً من خلال موقف الاتحاد الأفريقي الذي يرى في المحكمة الجنائية واقتصار تحقيقاتها حتى الآن على دول مثل السودان وأوغندا والكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى، محكمة مخصصة لمحاكمة الجرائم الأفريقية دون غيرها، مستهدفة دولاً وجماعات تعارض الولايات المتحدة.
أي خسارة للبشير في الانتخابات ستنعكس فقداناً للحصانة سيحدّ من تحركاته في الداخل أو الخارج
في المقابل، لم تمنع المواقف الرافضة لقرار الاعتقال، المحكمة الجنائية من مواصلة ملاحقتها للبشير. وخاضت حتى الآن ثلاث جولات. بدأت في الرابع عشر من آب 2008، عندما اتهم ممثل ادعاء المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني بالتخطيط لحملة للإبادة الجماعية في دارفور، وطلب من القضاة إصدار مذكرة اعتقال بحقه. المذكرة صدرت في الرابع من آذار من العام الماضي متضمّنة اتهام البشير بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الاقليم.
إلا أن هذه التهم لم تكن كافية من وجهة نظر المدعي العام في المحكمة لويس مورينو أوكامبو، الذي طلب إعادة النظر في إمكان إضافة جريمة الإبادة الجماعية. وأصدرت الدائرة الاستئنافية في المحكمة في الثالث من شباط الماضي، قراراً قبلت فيه طلبت أوكامبو، ممهدة الطريق أمام إمكان توجيه تهمة الإبادة الجماعية في مرحلةٍ مقبلة.
وسرّبت مصادر مقربة من أوكامبو خلال الأسابيع الماضية نية الأخير محاكمة البشير غيابياً. وهو ما أثار علامات استفهام كبيرة حول توقيت تسريب هذه المعلومات لتزامنها مع اقتراب موعد الانتخابات. وإن كانت الحكومة السودانية ترى في التوقيت عاملاً يؤثر سلباً على البشير ويحاول الضغط عليه، إلا أن آخرين يرون في التوقيت ورقة رابحة للبشير، ستجعل السودانيين يلتفون حوله، كما حصل في بداية صدور القرار. ومهما اختلفت وجهات النظر حول هوية المستفيد من قرارات المحكمة، فإن الثابت الوحيد أن الرئيس السوداني، تحت وطأة مذكرة التوقيف الصادرة بحقه، أصبح أكثر استعداداً لإرساء عملية السلام في بلاده. وخلال العام الماضي، عمدت الحكومة السودانية إلى تليين موقفها في عدد من الاستحقاقات، وبينها المحكمة، إذ أصبحت أكثر استعداداً للتجاوب مع طرح إنشاء محكمة مختطلة للتحقيق في الانتهاكات في دارفور.
ومن هذا المنطلق تجاوب البشير مع المساعي لتحقيق السلام في الاقليم، التي سمحت بالتوصل أخيراً إلى الاتفاق الاطاري مع حركة العدل والمساواة، وتقديم تنازلات للحركة.
وفي موضوع جنوب السودان، شهدت المحادثاث مع الشريك الثاني في الحكم، «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، تقدماً ملحوظاً وتحديداً لجهة التفاصيل المرتبطة بموعد الانتخابات والاستفتاء على انفصال الجنوب المقرر العام المقبل.
هذه التنازلات لم يكن البشير ليقدم عليها لولا الانتخابات الرئاسية والتشريعية الشهر المقبل، وارتباطها بنحو غير مباشر بالمحكمة. فأي خسارة للبشير في الانتخابات ستنعكس فقداناً للحصانة، سيحد من تحركاته في الداخل أو الخارج، وخصوصاً أن مصير الرئيس الليبيري تشارلز تيلور واليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش، ماثل أمام النظام السوداني بكل تأكيد.