أيام وينجلي الغموض عن المشهد العراقي لما بعد السابع من آذار. بدأت النتائج تصدر، لكنها لن تكتمل قريباً. من الواضح أن رئيس الحكومة نوري المالكي يتصدّر الفائزين، يليه إياد علاوي الذي يعوّل على اجتذاب أكبر عدد من الحلفاء ليؤلف حكومة جديدة. مهما تكن هوية من سيكون أول بحسب النتائج الرسمية، فستكون مهمة تأليف الوزارة صعبة للغاية، بما أن أياً من الفائزين لن يستطيع التفرد بالحكم، ذلك أن النسبية كانت قانون الانتخابات. يُخشى أن يؤدّي صراع الفائزين إلى تمديد عمر حكومة تصريف الأعمال، بعد مشاركة شعبية في التصويت وصلت إلى نسبة 62.4 في المئة
بغداد ـــ الأخبار
دخل العراق سريعاً مرحلة ما بعد انتخابات السابع من آذار. فما كادت الصناديق تُقفَل، حتى بدأت النتائج تصدر، على أن تعلن المفوضية المستقلة للانتخابات صورتها الأولية الرسمية في الأيام الأربعة المقبلة.
وبحسب الصورة الأولية، بدا رئيس الحكومة نوري المالكي أول الفائزين باحتلاله الصدارة في بغداد وفي المحافظات الجنوبية، مع تقدم منافسه الأول إياد علاوي في المحافظات ذات الغالبية السنية العربية، وبقاء التحالف الكردستاني مهيمناً في المحافظات الكردية الثلاث. كل ذلك وسط تسجيل «الائتلاف الوطني الموحد»، الذي ضمّ في صفوفه الركيزتين الشيعيتين، «المجلس الإسلامي الأعلى» والتيار الصدري، إضافة إلى «المؤتمر الوطني» لأحمد الجلبي، نتائج مخيّبة مع حلولهم في المرتبة الثالثة.
إلا أنّ فوز ائتلاف المالكي «دولة القانون»، لن يكون وحده كافياً للرجل ليرأس الحكومة المقبلة، بما أنّ التحالفات ما بعد الانتخابية ستقول كلمتها في هذا الشأن، رغم أنه وفقاً لنتائج كشف عنها مسؤولون محليون في المحافظات، يتقدم ائتلافه في تسع محافظات شيعية، بينما تتصدر كتلة علاوي بوضوح في محافظات العرب السنة، علماً بأن حصة المحافظات الشيعية 119 مقعداً، فيما يقدَّر مجموع مقاعد محافظات العرب السنة بسبعين مقعداً.
وأشارت مصادر مقربة من المالكي إلى أن ائتلافه قد يحصل على مئة مقعد، بما أنه في بغداد وحدها سيحصل على ما بين 40 إلى 50 مقعداً». وأكدت مصادر المالكي نفسه أنّ «قضية التنافس بين الائتلاف الوطني والكتلة العراقية غير محسومة، لكن المرجح أن يحل علاوي في المركز الثاني، لكن بفارق شاسع عن ائتلاف دولة القانون».
من جهته، توقع مستشار المالكي، علي الموسوي، أن يحصل رئيس الوزراء على «ثلث مقاعد مجلس النواب (325 مقعداً)»، قبل أن يستدرك بأنه «لن يكون بوسعه تأليف الحكومة وحده من دون الاستعانة بآخرين، والتحالف مع كتل أخرى».
وبالعودة إلى نتائج الصناديق التي فُرزت، حصلت قائمة علاوي، «العراقية»، على المركز الثاني في ثلاث محافظات شيعية هي بابل والمثنى والبصرة، بينما حلّ «الائتلاف الوطني العراقي» في المرتبة الثانية في ست محافظات شيعية.
أما «دولة القانون»، فحلت ثانية في ديالى، بينما تقدمت عليها «العراقية» بشكل كبير في عموم المحافظات السنية.
في المقابل، تقدّم «التحالف الكردستاني» في كركوك التي خصص لها 12 مقعداً، وذلك أمام «العراقية» التي فازت بالمرتبة الثانية، و«دولة القانون» ثالثة.
وفي إطار التخمينات والتوقعات، جزم محللون لوكالة «فرانس برس» بأن المالكي «سيواجه صعوبات في الحصول على غالبية تدعمه للبقاء في منصبه».
ولفت كل من أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حميد فاضل، وزميله في الجامعة المستنصرية عزيز جبر، إلى أن المالكي «أقل حظاً لتولي رئاسة الوزراء في الحكومة المقبلة، لأن عدداً كبيراً من السياسيين أعلنوا رفضهم ذلك، كما هو حال عدد من القوى السياسية». وأوضحا أنّ «علاقة المالكي مع الأكراد ليست جيدة، وهم رقم صعب في المعادلة السياسية».
وتابع فاضل أنّ «القوى الشيعية أيضاً اتهمت المالكي بالتفرد بالحكم والميل إلى الديكتاتورية. وهناك إشارات تدل على أنهم يرغبون في شخص آخر غيره».
كذلك، فإن «القوى السنية كانت غير راضية عنه وتتهمه بأنه وراء المساءلة والعدالة وهناك اقتناع لديها بعدم ترشيحه للمنصب من جديد».
وختم فاضل معرباً عن اعتقاده بأن «علاوي هو الوحيد الذي يستطيع التحدث بصوت مرتفع أمام المالكي، وأرى أن المرشح الجديد إما أن يكون من دولة القانون، لكن ليس المالكي، وإما أن يكون علاوي».
ويتوقّع البعض أن يعتبر كل من الفائزَين الكبيرين، المالكي وعلاوي، أن من حقه تأليف الحكومة المقبلة. المالكي على اعتبار أن ائتلافه هو أول الفائزين، وعلاوي لكون تحالفه يضمّ عرباً سنة وشيعة معاً، ويمثل أكبر نسبة من عراقيي الخارج. وهنا قد يطرأ جديد سبق أن تحدثت عنه تقارير قبل الانتخابات، وهو احتمال أن يتحالف الجميع بعد الانتخابات ضد المالكي وائتلافه، وفي مقدمتهم الأكراد والمجلس الإسلامي الأعلى، ويرشحوا علاوي لتأليف حكومة جديدة، تحت شعار «التخلص من المالكي» ومن التجربة «السلبية» التي جمعتهم مع سنوات حكمه الأربع.
ويقارن بعض المراقبين، الحالة العراقية التي ولّدتها الانتخابات، بما حصل في الانتخابات الإسرائيلية في شباط من العام الماضي، عندما حلّ حزب «كديما» أولاً بين الأحزاب، إلا أن «الليكود» هو من ألف الحكومة لكونه تمكن من اجتذاب حلفاء أكثر من «كديما». وبرأي البعض، إذا طُبّق هذا الاجتهاد على الوضع العراقي، فقد يكون علاوي رئيساً للحكومة المقبلة، بما أنه يستطيع أن يجمع من حوله، لا أحزاباً وطوائف عراقية أكثر من المالكي فقط، بل عواصم إقليمية ودولية أيضاً. وهنا لا بدّ من تسجيل تلطيف علاوي لهجته إزاء طهران، مع إعرابه عن استعداده لزيارتها بعد الانتخابات، لتسوية الخلافات العالقة معها.
وحسب لغة الأرقام، سجلت نسب المشاركة في التصويت نسباً قياسية وصلت إلى 62.4 في المئة، بحسب المفوضية المستقلة للانتخابات. وبلغت نسبة المشاركة في محافظتي صلاح الدين وديالى 70 في المئة، وفي نينوى 67 في المئة وفي الأنبار 61 في المئة. وتباينت نسب المشاركة بين المحافظات الشيعية، حيث سجّلت واسط الحد الأدنى مع 48 في المئة، فيما سجلت المثنى النسبة الأعلى مع 64 في المئة، وبلغ معدل المشاركة نحو 55 في المئة. أما المشاركة في كركوك، فقد وصلت إلى 70 في المئة.


آليّة انتخاب الرؤساء الثلاثة

يتطلب اختيار كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ثلثي أصوات نواب البرلمان، أي 217 نائباً. وحسب المادة الـ67 من الدستور، فإن مجلس النواب ينتخب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية، بغالبية ثلثي عدد أعضائه. وإذا لم يحصل أيٌ من المرشحين على الغالبية المطلوبة، يجري التنافس بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات. بينما تنص المادة الـ73 على أنه «يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتأليف مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، ويتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته، خلال مدةٍ أقصاها 30 يوماً.
كذلك يُكلف رئيس الجمهورية مرشحاً جديداً لرئاسة الحكومة خلال 15 يوماً عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تأليفها، خلال المدة المنصوص عليها. ويكلف رئيس الجمهورية مرشحاً آخر تأليف الوزارة، خلال 15 يوماً، في حالة عدم نيل الوزارة الثقة».
(الأخبار)