h1>لا مفاجآت في النتائج الجزئيّة
المالكي يحصد النجف وبابل وعلّاوي صلاح الدين وديالى... والحكيم يرفض حكم الغالبيّة

بغداد ـــ الأخبار
لم تحمل النتائج الانتخابية الجزئية التي أُعلنت في العراق، أمس، مفاجآت كبيرة، نظراً إلى ما سبق أن سُرِّب منذ السابع من آذار الماضي. لا يزال «ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعمه نوري المالكي يحلّ أولّ في جنوب البلاد، وتحديداً في محافظتي النجف وبابل، في مقابل تصدّر منافسه أيّاد علاوي في محافظات شمال البلاد، وتحديداً في ديالى وصلاح الدين. لكنّ هذه النتائج لا تزال تعبر عن نسبة ضئيلة من الصناديق التي فُرزت أصواتها، إذ إنّها لا تمثل أكثر من 30 في المئة من أصوات الـ 62.4 في المئة من الناخبين، الذين شاركوا في اليوم الانتخابي الأحد الماضي.
ووفق النتائج التي أعلنتها المفوضية المستقلة للانتخابات، تقدّم ائتلاف المالكي بحصوله على 124 ألفاً و734 صوتاً في النجف وبابل، يليه «الائتلاف الوطني العراقي» بحصوله على 103.583 صوتاً في هاتين المحافظتين اللتين كانتا شبه محسومتين للمالكي، الذي حصد ائتلافه حصة الأسد فيهما في الانتخابات المحلية العام الماضي.
وأظهر فرز 17 في المئة من أصوات محافظتي ديالى وصلاح الدين، كما كان متوقعاً أيضاً، تفوّق «العراقية» على «دولة القانون». وفي ما يُعدّ بمثابة تحصيل حاصل، حقّق «التحالف الكردستاني» تفوقاً كبيراً على المعارضة الكردية في أربيل، وذلك على ضوء فرز 28 في المئة من الأصوات في عاصمة الإقليم الكردي، علماً بأن قائمة «التغيير» المعارضة، التي يقودها نوشيروان مصطفى، المنشقّ عن الرئيس جلال الطالباني، ضعيفة في أربيل، ويُتوقّع أن تحصد عدداً لا بأس به من المقاعد في السليمانية، وهو ما يُتوقع أيضاً أن تفعله الأحزاب الإسلامية الكردية في محافظة دهوك، ليبقى «التحالف الكردستاني» كاسحاً في أربيل.
تجدر الإشارة إلى أن معظم التقارير تشير إلى أن كتلة «التغيير» برئاسة مصطفى، ستحصل على 25 في المئة من مقاعد المحافظات الكردية الثلاث، البالغ عددها 41 مقعداً.
لكنّ التأخّر في إعلان النتائج لم يُعجب «القائمة العراقية» وزعيمها، المنافس الأول للمالكي، أياد علاوي، وذلك رغم طمأنة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، إد ميلكرت، إلى «أمانة» فرز الأصوات. فقد عقدت «العراقية» مؤتمراً صحافياً، فور صدور النتائج الجزئية، أكّدت فيه وقوع مخالفات واسعة النطاق في الانتخابات، وفي فرز أصواتها، بدليل أنه «عُثر على بطاقات اقتراع في القمامة» على سبيل المثال. وقال أحد الوجوه البارزة في قائمة علاوي، عدنان الجنابي، إنّ ائتلافه سجل عشرات الانتهاكات، جازماً بوجود «تدخل من جانب بعض المسؤولين الحكوميين».
«العراقية» تعزو تأخير النتائج إلى تزوير كبير و«الكردستاني» يكتسح أربيل
وتستند «العراقية» في اتهاماتها إلى ما نشره المركز الرقابي لشفافية الانتخابات، الذي نقل عن مصادر في المفوضية قوله إنّ سبب التأخّر في إعلان النتائج هو «الكشف عن عملية تزوير كبيرة كان ينفّذها عدد من العاملين في المفوضية، في محاولة منهم للتلاعب بالأرقام لمصلحة قائمة معينة». وكشفت هذه المصادر أنه «فور افتضاح العملية التي اطّلعت عليها القوات الأميركية، وممثلية الأمم المتحدة في العراق، أُجّل إعلان النتائج الكاملة». كما أنها تستند إلى البيان الذي أصدره رئيس هيئة العلاقات مع العراق في البرلمان الأوروبي استراون ستيفنسون وجاء فيه: «أعرف أنّ عملية العد والفرز أُكملت، ولكن لم تعلن النتائج، وهذا ما يجعلني أشك في أن هناك محاولات تجري خلف الكواليس للتلاعب بنتائج الانتخابات». ووضع النائب الأوروبي محاولات التزوير في خانة مساعي طهران إلى «تعيين رئيس صنيع لها في الحكومة العراقية المقبلة». وفي السياق، حذّر النائب البارز عن «العراقية»، أسامة النجيفي، المفوضية من حدوث عمليات تزوير وتلاعب في عدّ أوراق الاقتراع وفرزها، مهددّاً بـ«رد قوي وغير متوقَّع، أكبر مما يتوقعه المتلاعبون بالأصوات»، ومتعهداً بتفعيل ملف المصالحة، وجعله من أولويات الحكومة المقبلة.
في هذا الوقت، كان المالكي، الذي أجرى عملية جراحية «ناجحة» في أحد مستشفيات بغداد رفض أطباؤه الكشف عن طبيعتها، يرى أنّ «عدم قبول العنصر الإقليمي» لنتائج الانتخابات، «لن يستطيع عرقلة تأليف الحكومة العراقية الجديدة، إنما قد يؤخّرها»، رافضاً رهن تأليف الحكومة بالخارج.
وقال المتحدث باسم الحكومة المنتهية ولايتها، وأحد المرشحين على لائحة المالكي، علي الدباغ، إنّ «الائتلاف يرفض رهن إرادة تأليف الحكومة العراقية المقبلة بيد الدول الإقليمية»، مبرراً هذا الرفض بأن «أيّ تدخل إقليمي في تأليف الحكومة سيُدخل العراق في متاهات لا حدود لها، نظراً إلى وجود تنافر كبير في الرؤى الإقليمية تجاه الوضع في البلاد».
في المقابل، عبّر «المجلس الأعلى الإسلامي» عن رفضه مبدأ «الأغلبية السياسية»، لأن العراق «لا يمكن إدارته برجل واحد أو حزب واحد، وهو بحاجة إلى حكومة عمل لا حكومة شعارات».
ونقل بيان لـ«المجلس» عن زعيمه عمّار الحكيم قوله «إننا بحاجة إلى حكومة قوية ومنسجمة وذات تمثيل واسع لكلّ أطياف الشعب العراقي».
وفي شأن التحالفات المنتظر عقدها لتأليف حكومة جديدة، قال النائب عن التحالف الكردستاني، إسماعيل شكر، إن «كتلة التغيير المعارضة لن تتحالف مع أي جهة سياسية لا تؤمن بحقوق الأكراد القومية والدستورية».
وأضاف شكر إنّ «التغيير»، رغم بروزها كقوة معارضة في مجلس إقليم كردستان، «فإنها ستقف مع الكتل الكردية الأخرى ضد أي توجه يتعارض مع الحقوق الكردية وفق الدستور العراقي». ورأى «أن هذا الأمر ليس تدخلاً في اتجاهات كتلة التغيير، بل هو الواقع الذي يعيشه الأكراد الذين قد يختلفون في ما بينهم في أمور خاصة، ولكن يتفقون، رغم الاختلاف، على حقوقهم».

■ ■ ■

الرياض تعود إلى العراق... «عراقيّة»كانت دول الجوار العراقي موجودة في انتخابات السابع من آذار. كان للسعودية مرشح هو الأقرب إليها من غيره: إياد علاوي. لكن نوري المالكي قد يرأس حكومة جديدة. كيف بدت الصورة من الرياض؟
تنقسم الآراء بشأن تقويم الرياض للنتائج التي أعلنت صورتها الأولية أمس. البعض يرى أنها كانت نبأً غير سارّ للمملكة، بما أنّ رئيس الحكومة نوري المالكي تقدّم على حليفها إياد علاوي، وآخرون يجزمون بأنّه رغم فوز المالكي، فإنّ الأكيد أنّ حكام بغداد، ممن سيتولّون مقاليد الحكم، سيفهمون أنه لا مجال لنجاح حكمهم إلا بمحو التجربة «السيئة» معهم، التي أرستها حكومات ما بعد 2003، والتي كان عنوانها، بالنسبة إلى الرياض: «هيمنة شيعيّة سياسيّة فارسية» على الحكم. هيمنة عبّرت عن نفسها بظواهر عديدة، أبرزها: ـــــ عدم الإشارة إلى عروبة العراق في الدستور، والاكتفاء بفقرة مطاطة تشير إلى أن «العراق بلد إسلامي وعضو مؤسس في الجامعة العربية». ـــــ تثبيت الهوية الشيعية لرئيس الحكومة، وانتزاع موقع الرئاسة الأولى من العرب السنّة لمصلحة الأكراد. ـــــ استهداف العرب السنّة سياسياً وجسدياً عبر «فرق الموت الحليفة لطهران».
عنوان جعل من حقيقة أن السعودية كانت الدولة الوحيدة، إضافة إلى الكويت، التي رفضت استقبال المالكي، حاكم «العراق المحتل»، المصطلح الذي فاجأ الملك عبد الله العالم باستعماله في افتتاح القمة العربية في الرياض في آذار 2007.
سلوك لم تردّ عليه حكومة المالكي، طيلة سنوات خمس، بالورود، بل بحملة شرسة اتهمت فيها الرياض بإيواء «الإرهابيين»، وبتمويل وتدريب الانتحاريين، محمّلة إياها مسؤولية عدم استقرار بلاد الرافدين.
لكن لم تكن قليلة العلامات التي تدلّ على أنّ المملكة وجدت في انتخابات 2010، فرصة مؤاتية للعمل على تغيير الأوضاع في بغداد. كان لها مرشّحها، فتركت لصحافتها مسؤولية التعبير عن دعمه: إياد علاوي الذي زار الملك، من ضمن جولة إقليمية مرّ خلالها على عدد من العواصم المؤثرة، كالرياض ودمشق والقاهرة وعمان.
ومنذ اليوم الأول لما بعد انتخابات الأحد الماضي، لم تغب التأويلات والتكهنات الإعلامية السعودية التي رجّحت فوز علاوي، أكان ذلك في فضائية «العربية» السعودية، أم عبر الصحف المكتوبة التي تدور عادة في فلك النظام.
وحفلت صفحات «الرأي» في الصحف السعودية، بمقالات تشجع العراقيين على «التحول نحو الأفضل»، عبر اختيار «العروبي» من بين المرشحين. على سبيل المثال، شدّدت صحيفة «عكاظ» شبه الحكومية، على أبعاد «فوز» قائمة علاوي، «العراقية»، في نينوى، «التي تسكنها غالبية عربية سنية».
حتى إنّ صحيفة «الوطن» التي يملكها الأمير خالد الفيصل، تشكّكت بفوز ائتلاف نوري المالكي، «دولة القانون»، حتى في بغداد وفي جنوب العراق. وعبّر أحد الكتاب السعوديين المعروفين، سليمان العقيلي، عن تضامن السعوديين مع المرشحين الذين منعتهم «هيئة المساءلة والعدالة» من خوض الانتخابات، ليتساءل: «هل الأحزاب الدينية الشيعية المتحالفة مع الأكراد، يجمعها الموقف نفسه من الانتماء العراقي إلى العروبة؟».
في المقابل، هناك العديد من الإشارات إلى انفتاح عراقي مستقبلي على العرب، وآخر عربي على العراق، عزّزته تصريحات المالكي الأخيرة بشأن ضرورة استعادة العراق موقعه في الصف العربي. أضف أنّ احتمالات العودة إلى المشروع الطائفي، أو حكم الطائفة الواحدة، أصبح من الأمور المستبعدة في العراق، بدليل إجماع القوى السياسية على أنه لا غنى لأي حكومة عراقية عن علاقات متوازنة مع الدول العربية، ومع دول الجوار الإقليمي عموماً. كلام يضرب به عرضَ الحائط إعلانُ ائتلاف المالكي، أمس، «عدم قبول العنصر الإقليمي لنتائج الانتخابات، لن يستطيع عرقلة تأليف الحكومة العراقية، لكن قد يؤخرها فقط»، رافضاً رهن تأليف الحكومة بالخارج. إلا أنه اعترف، في الوقت نفسه، بأنّ فرض رؤية سياسية عراقية يستدعي «قبولاً إقليمياً».
(الأخبار)

■ ■ ■

دمشق يتنازعها خيار علاوي وتفوّق المالكي



مرّت العلاقات السورية ـــــ العراقية بمحطات عديدة بين 2003 وانتخابات السابع من آذار 2010. استشعرت دمشق بخطر «أن يأتي دورها» بعد احتلال العراق. حصّنت نفسها في الداخل، ولم تتردد في التعاطي مع البلد الجار على قاعدة أنه محتل. بعدها اختلفت الأمور. اعترفت عاصمة الأمويين بحكومة نوري المالكي وبالعملية السياسية التي أتت به إلى منصبه، قبل أن تعلن بغداد حرباً دبلوماسية عليها عقب تفجير 19 آب الماضي، وصلت إلى درجة رفع حكام العراق شعار «نريد محكمة دولية كمحكمة رفيق الحريري» لمقاضاة «الإرهابيين البعثيين الموجودين في سوريا ومن يحميهم». لكن هذا الشعار بقي مجرد كلام، بما أنّ الزمن لم يعد زمن محاصرة سوريا ولا محاسبتها، بل الانفتاح عليها، حتى في ما يتعلق بالعراق. ويحلو للبعض اعتبار أنّ تنسيق واشنطن مع دمشق عراقياً، أمنياً وسياسياً، من خلال بحث قدرة سوريا على تأدية دور ما في «المصالحة الوطنية» العراقية، كان أحد العوامل التي أثارت حفيظة المالكي وفريقه الحكومي، لدرجة لم تنفع معها وساطة عربية، ولا تركية.
في هذا الوقت، كان هناك رجل يُدعى إياد علاوي، يبني رصيداً إقليمياً، ويرفض اتهام سوريا بتفجيرات 19 آب وما تبعها من مجازر، ويتعهّد بتخليص العراق وجواره من مساوئ الحكم الطائفي في العراق. كلام أثار اهتمام دمشق التي لم تشتبك معه مباشرة خلال ترؤسه الحكومة الانتقالية في 2004.
رجّحت الصحف السورية فوز علاوي الذي سبق للأسد أن استقبله مرتين خلال أقل من شهر
هكذا وجدت سوريا، بعد السعودية، على ما يبدو، في شخص علاوي، رئيساً محتملاً لحكومة يمكن أن تصلح العلاقات بين البلدين. بناءً على ذلك، استقبل الرئيس بشار الأسد علاوي مرتين علناً في غضون شهر واحد سبق انتخابات الأحد الماضي. أما الباقي، فعبّرت عنه الصحافة السورية، «الخاصة» منها والحكومية. على سبيل المثال، نقلت «الوطن» عن مراسلتها في بغداد يوم الاثنين، أنّ «التكهنات غير الرسمية تجمع على حصول قائمة علاوي على 25 في المئة من الأصوات، تليها قائمة المالكي مع 23 في المئة»، مرجحة فوز علاوي في محافظتي النجف وكربلاء، «وهما مركزان شيعيان مقدسان، قال مواطنون فيهما إنّ القائمة العراقية تتقدم على جميع القوائم، تليها قائمة المالكي».
حتى إنّ الصحيفة استشهدت بمركز «اتجاهات» المتخصص بإجراء استطلاعات الرأي في بغداد، الذي أعلن أنّ «ائتلاف علاوي وائتلاف (زعيم المجلس الأعلى الاسلامي عبد العزيز) الحكيم، الذي استقبله الأسد أخيراً، حصدا بالتساوي، معظم الأصوات»، وهو ما لا يبدو أنه سيتحقق، بما أنّ النتائج الرسمية الجزئية تحدثت عن فوز «ائتلاف دولة القانون»، تليه «العراقية» و«الائتلاف الوطني» بعدهما.
ولم تبتعد صحيفة «تشرين» الرسمية عن هذه الوجهة، إذ أكّدت فوز «العراقية» في أكثر من محافظة، محيلةً قرّاءها على شبكة «سي أن أن» الأميركية، ووكالة أنباء «واع» العراقية.
وبعيداً عن توقعات النتائج، كانت العلاقات العراقية ـــــ السورية قد وصلت إلى ذروة السلبية، مع إقفال حدود بلاد الرافدين مع سوريا دون سواها، تحاشياً لأعمال عنف رأت حكومة بغداد أنّ دمشق قد تكون مصدرها الأساسي. لكن يوم أمس، أعلنت بغداد إعادة فتح كل المنافذ الحدودية بين البلدين، وإلغاء حالة الإنذار القصوى على طول الشريط الحدودي، وهو ما قد يشير إلى إعادة فتح علاقات ثنائية إيجابية مفقودة منذ أشهر، بما أنّه لا بدّ من تسوية قائمة على مبدأ أنه لا يمكن العراق أن يستقر في ظل عداوات مع جيرانه، وكذلك لا بدّ للجيران من التعاطي مع حكومة جديدة قد يكون المالكي نفسه رئيساً لها.
(الأخبار)

■ ■ ■

ما قل ودل



نقلت صحيفة «البيان»، المتحدثة باسم حزب الدعوة الإسلامية ـــــ جناح نوري المالكي، أمس، عن «مصادر مطلعة» قولها إن ائتلاف رئيس الوزراء «دولة القانون» حصل بمفرده في بغداد على مليون صوت. ولم تؤكد مصادر المفوضية العليا للانتخابات هذا الرقم أو تنفِه، غير أنها قالت إن عدد الذين شاركوا في التصويت في بغداد بلغ مليونين و575 ألفاً و 409 ناخبين. وكانت المفوضية قد أعلنت أن عدد المشاركين في الانتخابات بلغ 12 مليون ناخب، بنسبة 62.40 في المئة من نحو 19 مليون ناخب يحق لهم التصويت. يُذكَر أن لبغداد العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية من بين المحافظات الـ18، وهو 70 مقعداً من أصل 325.
(الأخبار)

■ ■ ■

طهران وبغداد: العلاقة الملتبسة



معمّر عطويويبدو أن المشهد السياسي الجديد أظهر أن الامتعاض العراقي من تدخل إيراني، لا يقتصر على السنّة فقط، ومنهم معظم الأكراد طبعاً، بل هناك حال من التململ الموازي في صفوف الطائفة الشيعية، التي تربطها بالدولة الفارسية علاقة ملتبسة منذ قرون. علاقة لا يمكن اختصارها فقط بالتنافس (الذي لا شك يُضخَّم إعلامياً في ترجمته السياسية) بين مرجعية إيرانية وأخرى عراقية (مع العلم بأن علي السيستاني، هو إيراني الجنسية)، بل يتعدّاها الى حساسية عراقية قومية، من مسألة سيطرة النظام الثيوقراطي الفارسي على مقدّرات العراقيين وثرواتهم.
ففي نظر الكاتب البريطاني روبرت فيسك، في صحيفة «الأندبندنت»، فإن «الانتخابات العراقية لا تهدف الى إحلال الديموقراطية بتاتاً، لكنها تدور حول من يسيطر على النفط في المناطق الكردية ـــــ العربية». لذلك يرى فيسك أن «إيران هي التي ربحت الانتخابات العراقية».
ويشير فيسك الى أن الأحزاب الكبرى الرابحة لها جذور في إيران، مستخلصاً أن الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد «يعرف كيف يدير الانتخابات «الديموقراطية». هو الرابح بالطبع». وعن مقولة التدخل الإيراني العسكري والسياسي، يرى فيسك أن «معظم الأحزاب الحاكمة قد نشأت في إيران. إيران لا حاجة لها للتدخل» مباشرةً.
لكن الأحزاب التي نشأت وتطوّرت في كنف النظام الإسلامي في طهران، باتت تحاول تمييز نفسها عن الإيرانيين، لأهداف انتخابية؛ فوفقاً لموقع صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»، «حتى المجلس الأعلى الذي دعمته إيران، بدأ يميّز نفسه بوضع مسافة بينه وبين النظام الإسلامي ليتغلغل وسط الشيعة العراقيين».
في المقابل، رأى تقرير لوكالة «أسوشيتد برس» في 4 شباط الماضي، أن الشيعة بدوا أثناء الغزو عام 2003 «الرابحين الأوائل بزوال حكم صدام حسين، لكن انتخابات السبت الماضي دلّت على أن الشعور القومي أكبر من العواطف الدينية، وعلى أن قدرة إيران على التأثير في العراق أصبحت محدودة».
ويشير التقرير إلى أن المالكي وسياسيين شيعة آخرين عارضوا خطة حكم ذاتي (للشيعة)، خوفاً من أن يضعف العراق ويفتح الباب أمام التأثير الايراني، فيما أظهرت لافتات حزب الفضيلة الانتخابية، تميّزها عن غيرها من الأحزاب الشيعية، بتضمّنها عبارات مثل: «الفضيلة حزب عراقي مئة في المئة.. وُلد في العراق وتمويله عراقي».
ووفقاً لصحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»، فإن المرجعية الدينية التقليدية العراقية ممثلة بعلي السيستاني، قد نمت على حساب المرجعية الإيرانية ممثلة بعلي خامنئي في موضوع التقليد الشرعي.
وتنقل الصحيفة عن أستاذ التاريخ في جامعة ميتشيغن، جوان كول، المتخصص في الشؤون الشيعية، أن «هناك احتمالاً كبيراً بتحوّل أعداد من الإيرانيين عن تقليد مراجعهم (في إيران) إلى السيستاني».
ويمكن تفسير انفتاح طهران على جميع التيارات بما فيها السنة والأكراد، كانعكاس لتوافقها مع أنقرة ودمشق، وكامتداد لتفاهم الأخيرة مع الرياض.
وتبدو طهران مرتاحة لوضعها في العراق، رغم ما قيل عن خسارتها، فهي تتحكّم بالمشهد السياسي، من خلال حلفائها ومن خلال الواقع الجيوستراتيجي الذي خلقه الاحتلال؛ وأصبح أكبر حليف لطهران، الائتلاف الوطني العراقي، الذي أتى في المرتبة الثالثة، بمثابة بيضة القبان في تأليف أي حكومة مقبلة.
لعل موقف وزارة الخارجية الإيرانية، التي وصفت الانتخابات البرلمانية العراقية بأنها ناجحة، يؤكد رضى طهران عن النتيجة. البيان لم يغفل الربط بين الانتخابات والموقف من الاحتلال الإميركي للعراق، قائلاً إن «الموقف الشجاع للشعب العراقي في الحضور عند صناديق الاقتراع... يعدّ منعطفاً آخر في نضالات هذا الشعب في طريق مقارعة الاحتلال والظلم والدكتاتورية».
أمّا رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، فقد رأى أن «كيد أميركا للتدخل في الانتخابات واجه رداً قوياً من الشعب العراقي، كما لو أصابتها صعقة شديدة».
ولقيت هذه الانتخابات أيضاً، ترحيباً على المستوى الإعلامي الايراني، حيث تحدثت غالبية الصحف عن نجاحها وأهميتها و«انتصارها» على الإرهاب. ووصف رئيس تحرير جريدة «الوفاق»، مصيب النعيمي، ما جرى في بلاد الرافدين، بـ«العرس الانتخابي وتحدي الإرهاب..!!».
في النتيجة ثمة اقتناع لدى الإيرانيين بأن عراقاً خالياً من الصراع الإثني والمذهبي، يخدم مصالح إيران أكثر من تفكك هذا البلد، وأن الاحتلال الأميركي قد حقق الغاية المرجوّة منه، إيرانياً. أما تغيّر الخريطة السياسية داخل العراق، فيبقى تفاصيل في عيون من امتهن حياكة السجاد وتجار البازار، حيث طول الباع يُفقد الوقت معناه.