كثيرة هي القوانين اللبنانية التي حرمت اللاجئ الفلسطيني أبسط حقوقه الاجتماعية والمدنية. اليوم، يختلف الأفرقاء السياسيّون على مصطلح «الحقوق المدنية للفلسطينين» مستعيضين عنه بتعبير «الحقوق الإنسانية»
قاسم س. قاسم
«نستقبل في لبنان اللاجئين الفلسطينيين مهما كان عددهم ومهما طالت إقامتهم، ولا يمكن أن نحجز عنهم شيئاً، ولا نتسامح بأقل امتهان يلحقهم دوننا، وما يصيبنا يصيبهم، وسنقتسم في ما بيننا وبينهم آخر لقمة من الخبز». هذا الكلام ليس صادراً عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، أو في يوم القدس، بل مقتطف مما قاله حميد فرنجية، وزير خارجية لبنان عام 1948 لدى استقباله النازحين الفلسطينيين. هكذا، وضع فرنجية الأساسات الأولى المفترضة لطريقة تعاطي الدولة مع اللاجئين من الناحية الإنسانية. لكن مع مرور 62 عاماً على الوجود الفلسطيني في لبنان، يمكن القول، على الأقل، إن المعادلة تغيرت. تدريجاً، سُنّت القوانين التي قلّصت من حقوق الفلسطينيّين، وكان أوّلها، قرار وزير الشؤون الاجتماعية إميل لحود عام 1956 الذي فرض على الفلسطينيين استصدار إذن عمل لمزاولة بعض المهن، وآخرها كان قانون 296/2001، الذي منع تسجيل العقارات التي اشتراها الفلسطينيون، والذي ينص على أنه: «لا يجوز تملّك أيّ حق عيني من أيّ نوع كان لأيّ شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، أو لأي شخص، إذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة التوطين».
هكذا، لم تذكر القوانين التي وضعها المشترع اللبناني الفلسطينيَّ صراحة إلّا في عدد قليل من القوانين، مثل قانون تأليف مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين. أمّا القوانين التي مسّت حياة الفلسطيني مباشرةً، والتي كان لها الأثر الأكبر في منعهم عن نيل حقوقهم، فقد ذُكر الفلسطينيون فيها بطريقة غير مباشرة، كما في قانون التملّك أعلاه. فالفلسطيني هو الوحيد الذي تنطبق عليه مواصفات من «لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، ويتعارض مع أحكام الدستور لجهة التوطين» حسب نص القانون. فلا دولة فلسطينية معترفاً بها حتى الآن. والفلسطيني هو الوحيد الذي «يُخشى» منه من ناحية التوطين إنْ تملّك.
لكن، بعد حرب البارد، وتسليط الضوء على مسألة الحرمان الفلسطيني من الحقوق الاجتماعية، وتضخّم هذه المشكلة وغرقها في تشابكات الوضع السياسي والإنساني، بدا أنّ نفَساً جديداً يتردّد في صدور بعض السياسيين. هكذا، عملت بعض الأحزاب اللبنانية بالاشتراك مع جمعيات فلسطينية (سيضيّق عليها حالياً بعد إصدار الداخلية لتعميمها عن وجوب ترخيصها) على عقد ندوات ومؤتمرات لتحصيل الحدّ الأدنى من تلك الحقوق، وخصوصاً حق العمل والتملك. وإذا بوتيرة المؤتمرات تتسارع أخيراً بشأن هذا الموضوع، ما دفع بالبعض إلى الاعتقاد بأنّ تحقيقها أصبح قاب قوسين أو أدنى. أكبر هذه المؤتمرات كان «مؤتمر دعم الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان»، الذي عقده الحزب التقدمي الاشتراكي في فندق البريستول أخيراً. في المؤتمر المذكور خرج المجتمعون بتوصيات عدة كانت أبرزها السعي إلى تعديل الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون 296 (قانون التملك)، بحيث يُمكَّن الفلسطيني من تملك شقة سكنية على الأراضي اللبنانية ومن توريثها. كما أوصى المؤتمر بالسعي إلى تعديل المادة 59 من قانون العمل، بحيث يُعفى الأجراء الفلسطينيون من شرطَيِ المُعاملة بالمثل وإجازة العمل. لكن، مرّ شهران على صدور توصيات المؤتمر، أنهى خلالها حقوقيو الحزب الاشتراكي أربعة مشاريع قوانين ستقدَّم إلى المجلس النيابي اللبناني قريباً على أمل أن تُقرّ وتعدّل. أمّا أبرز القوانين التي سيقدّمها نواب الاشتراكي بعد الانتهاء من ملف البلديات «إذا جرى التوافق، فهي قانون العمل، قانون التملك، الضمان الاجتماعي، وتعويض نهاية الخدمة» كما قال المسؤول عن ملف الحقوق المدنية للّاجئين الفلسطينيين في الحزب الاشتراكي د. بهاء أبو كروم في اتصال مع «الأخبار». لكن لتسهيل عملية إقرار هذه القوانين عمل الحزب الاشتراكي ورئيسه النائب وليد جنبلاط على إعداد الأجواء سياسياً، وذلك لتكوين شبكة أمان «توفّر الجو المناسب لكي توقّع الأحزاب مشروع التعديل» كما يقول. كذلك يؤكّد أبو كروم أنّه «على المستوى السياسي هناك فصل بين ملفي حقوق الفلسطينيين والسلاح خارج المخيمات».
توجه منظمة التحرير بعد اتفاقات أوسلو أعطى المبرر
بالتأكيد لن يكون إقرار هذه القوانين بعد رفعها إلى لجنة «الإدارة والعدل» في المجلس النيابي بالعمل السهل، لأنه يجب أن توافق الكتل النيابية الكبرى على مضمون هذه التعديلات لإقرارها. ويقول أبو كروم إنّ «جميع الأطراف السياسيين يرحّبون بضرورة إنهاء ملف حقوق الفلسطينيين، أما موضوع السلاح خارج المخيمات، فهو يخضع لمقررات لجنة الحوار الوطني»، منوّهاً «بجهود تيار المستقبل الذي يلاقينا في موضوع حقوق الفلسطينيين، وبمطالبته بعدم استثناء المرأة اللبنانية المتزوجة بفلسطيني من حق إعطاء جنسيتها لأولادها» كما يقول. هكذا، قد تواجه هذه القوانين اعتراضات عدة أبرزها من كتلة «التغيير والإصلاح»، وخصوصاً في ما يتعلق بموضوع التملك والحقوق المدنية. لكن خلال لقائه أخيراً وزير العمل في أراضي السلطة الفلسطينية أحمد مجدلاني، أكد النائب ميشال عون أن كتلته بصدد دراسة قانون تملّك جديد، معتبراً أنّ المشكلة «ليست مع الفلسطينيين، فالموضوع يدخل في باب التوافق الوطني». ويقول مسؤول العلاقات السياسية في التيار الوطني الحر د. ناصيف قزي في اتصال مع «الأخبار» إنه «في المبدأ لا توجد مشكلة في إقرار هذه القوانين»، رغم تأكيده على «عدم اطلاعي على مشاريع القوانين المقدّمة بعد، لكنني سمعت بطرح قانون عمل يتعلق بكل الأجانب». أمّا الاعتراض الأساس لكتلة التغيير والإصلاح، فهو على «طرح الحزب الاشتراكي موضوع الحقوق المدنية، لأن المسألة ستذهب أبعد من ذلك لتصل إلى الحق في الجنسية، والحق في المشاركة السياسية»، مؤكّداً أنّ التيار الوطني الحر «بالمبدأ مش ضد الحق الإنساني بس تفاصيل الشغلة مهمة ويجب أن نعطي الأفضلية للفلسطينيين، إذ هناك حيثيات لمسألة الانتساب إلى النقابات». من جهته، يردّ أحد المعنيين بالملف، الذي رفض ذكر اسمه لأسباب «دبلوماسية»، على هذا الطرح معتبراً أن البعض «يخلط بين الحقوق المدنية والحقوق السياسية. فواجب إقرار هذه الحقوق وارد في البيان الوزاري، وإذا كان حق التملك يمثّل هاجساً للبعض، فبالإمكان العمل على صيغة تأجير الفلسطينيين لمدة 99 عاماً». هكذا، حتى مع تخصيص البيان الوزاري ثلاثة بنود عن اللاجئين الفلسطينيّين، وورود عبارة «تواصل الحكومة العمل على صعيد توفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية» في هذا البيان، فإنه غير واضح أيّ حق سيقرّ. إذ إنّ تعريف كلمة الحقوق الإنسانية (human basic rights) ينحصر في المأكل، العمل، السكن، ويختلف عن حقوق الإنسان (human rights) التي تضمن جميع الحقوق الإنسانية الرئيسية «كحق التعبير وحق التنقل بحرية». هكذا، أوجد البيان الوزاري حلاً وسطاً بين المتخوّفين من مطالبة الفلسطينيين بحقوقهم السياسية، والمطالبين بالحد الأدنى من الحقوق الواجبة لأيّ إنسان.
من جهتها، عملت الجمعيات والفصائل الفلسطينية أخيراً على توحيد صفوفها لتقديم ورقة موحّدة إلى الدولة اللبنانية تتضمن حقوقهم الإنسانية والاجتماعية، مرفقة بعدد من مشاريع القوانين لتقدّم إلى المجلس النيابي، ليجري العمل على إقرارها. ولقد عقدت الجمعيات الفلسطينية أخيراً ورشة عمل مع حقوقيين لبنانيين اقترحوا خلالها صيغاً عدّة منها «السماح للفلسطيني بالعمل بدون طلب إجازة عمل، وإلغاء مبدأ المعاملة بالمثل، أو نيّل إجازة عمل مفتوحة، أي أن ينال الفلسطيني إجازة عمل بدون كفيل»، كما تقول عضو المجلس الوطني الفلسطيني سميرة صلاح. تضيف صلاح إنه «عُقدت اجتماعات عدة بين النقابات الفلسطينية ونقابات الحزب الاشتراكي أخيراً، واطّلعنا على مشاريع القوانين التي سيقدّمها الحزب لتعدّل».
هكذا، لا تزال الطريق أمام إقرار بعض حقوق الفلسطينيّين الإنسانية، الاجتماعية، أو المدنية طويلة جداً. ربما سيستيقظ الفلسطينيون يوماً ما ليجدوا أنهم اكتسبوا جميع حقوقهم، أو رُحلّوا إلى جمهورية تشيلي مثلاً، ليسمعوا كلمة نائب وزير الداخلية التي قالها وهو يستقبل 29 لاجئاً فلسطينياً وصلوا من مخيم التنف على الحدود السورية ـــــ العراقية إلى مدينة «لاكاليرا»، «ألقوا معاناتكم خلف ظهوركم، ودعوا تشيلي تُعد إليكم اطمئنانكم».


تشترط نقابات المهن الحرة في لبنان على من يرغب في مزاولتها أن يكون عضواً في النقابة الخاصة بها، ولا تسمح بعضوية غير اللبناني إلّا بشروط خاصة وصعبة، وبتكلفة ربما تصل إلى 50 ألف دولار لمهنة الطب. كذلك يَعدّ القانون الرقم 17561 لعام 1964 الفلسطينيين أجانب، ويشترط مبدأ المعاملة بالمثل لمنحهم الحق بالعمل في بعض المهن الحرة. هكذا، أصبحت نسبة البطالة في المخيمات الفلسطينية 48% مقارنةً بـ8.2% في لبنان. أمّا عديد اليد العاملة الفلسطينية في لبنان، فلا يتجاوز 50 ألفاً، وهو نصف عدد الجالية المصرية في لبنان.