strong>يحيى دبوقانعكست الأزمة المستجدّة في العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، وبين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، نقاشاً واسعاً في إسرائيل، تحوّل إلى انقسام بين معسكرين رئيسيين، يدعو الأول إلى رفض الخضوع للإملاءات الأميركية، فيما يطالب الثاني المسؤولين الإسرائيليين بضرورة التبصّر في التداعيات السلبية المحتملة التي من شأنها أن تصيب الدولة العبرية على كل الصعد وأن يُبنى على الشيء مقتضاه.
في خضمّ هذا النقاش، أفردت صحيفة «يديعوت أحرونوت» ملفاً خاصاً لمناقشة تداعيات الأزمة الأميركية ـــــ الإسرائيلية، وفرص ذهاب الحكومة الإسرائيلية بعيداً في مفاقمتها، فأوكلت إلى نخبة من كبار المعلّقين فيها مهمة تسليط الضوء على طبيعة وعمق وحيوية شبكة المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تجنيها إسرائيل من علاقتها مع الولايات المتحدة، والإجابة عن سؤالين اثنين رئيسيين: لماذا تحتاج إسرائيل إلى الولايات المتحدة؟ وهل يمكن إسرائيل أن تتدبر أمورها من دون المساعدات الأميركية؟
في إطار السعي للإجابة على مسألة الحاجة الإسرائيلية إلى المساعدات الأميركية، ركّز المعلقون والخبراء الإسرائيليون على المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
وتطرقت مراسلة «يديعوت أحرونوت» في واشنطن، أورلي أزولاي، إلى أهم المساعدات الاقتصادية الأميركية لإسرائيل، فأشارت إلى الضمانات التي تتلقاها الدولة العبرية بقيمة 9 مليارات دولار تمكّنها من أخذ قروض من المصارف العالمية بفائدة منخفضة، تضاف إليها المنح المالية الكبيرة التي تحصل عليها عند الحاجة.
بدوره، شدد المحلل والخبير الاقتصادي في «يديعوت»، سيفر بلوتسكر، على أهمية هذه المساعدات، داعياً الإسرائيليين إلى «عدم العيش في أوهام الاستغناء عن تلك المساعدة». وشدد على أنه من دون الدعم الأميركي «لن يكون بوسع إسرائيل التفرغ لتنمية اقتصادها وستضطر إلى شدّ الحزام بألم شديد».
وتوقف بلوتسكر عند تعبير «مساعدة عسكرية»، فرآه «مضلّلاً جداً». وقال «هذه معونة اقتصادية بكل معنى الكلمة». وأوضح أنه «لو لم تعط الولايات المتحدة إسرائيل وسائل قتالية متطورة من إنتاجها بالمجان لاضطرت إسرائيل إلى أن تجنّد هذه الأموال من مصادرها في الميزانية». وأضاف «من أجل تمويل الثقب الذي كان سينفتح عقب وقف المساعدات، كانت حكومة إسرائيل ملزمة بأن تقلّص الميزانية المدنية بـ12 مليار شيكل كل سنة». واستنتج في نهاية المطاف «أن الاقتصاد الإسرائيلي من دون، ما يسمى، المساعدات العسكرية الأميركية كان سينمو بوتيرة أبطأ بكثير، لا ريب، ومستوى المعيشة كان سيكفّ عن الارتفاع».
كذلك تطرق بلوتسكر إلى حالات كثيرة تدخلت فيها الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل اقتصادياً، مثلما حصل مع ضمانات تجنيد ائتمانات في الأسواق المالية الدولية بـ9 مليارات دولار خلال الهجرة الكبيرة من الاتحاد السوفياتي، إضافة إلى منح أُخرى حصلت عليها إسرائيل بعد حرب الخليج الثانية، وفي صيف 2002 في ذروة الانتفاضة. كذلك فإن الولايات المتحدة هي أيضاً المشتري الأكبر للصادرات الإسرائيلية، وبالتالي فإن «كبح الاقتصاد الأميركي جماح شهيّته للمنتجات الإسرائيلية سيجعل الاقتصاد الإسرائيلي يتدهور إلى أزمة حادة».

تعرف إسرائيل كيف تبدأ الحروب لكنها لا تعرف كيف تنهيها
وفي مجال المساعدات السياسية، أشارت أزولاي، إلى جملة من الإجراءات، أهمها الخطوة الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة ضد المشروع النووي الإيراني، واستخدام حق النقض الفيتو على قرارات تشجب إسرائيل في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وتوفر لها مظلة سياسية، وتصدّر الولايات المتحدة للصراع ضد تقرير غولدستون، ومنح إسرائيل مظلة سياسية رادعة في وجه أعدائها من خلال عرضها كأفضل شريك وصديق.
وفي تأكيده لأهمية الدعم السياسي الأميركي لإسرائيل، يرى المعلق السياسي، شمعون شيفر، أن «الذخر السياسي ذا المعنى الأكبر، الجارف والأكثر عمقاً الذي يسمح للإسرائيليين بإبقاء دولتهم في المنطقة المشوبة بالنزاع والعنف هنا، يرتبط بالتماثل التام مع أميركا، ومع السترة الواقية التي توفّرها».
ويعطي شيفر أمثلة على حيوية الدعم الأميركي لضمان المصالح السياسية لإسرائيل، في كل ما يتعلق بسياسة الغموض النووية، والدعم الأميركي في مجلس الأمن، واتفاقات السلام مع مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ويقول إنه حتى المستوطنات التي يعتقد الأميركيون أنه يجب إخلاؤها، بنيت بالمساعدة التي هم أنفسهم منحوها لإسرائيل.
وفي ما يتعلق بالمساعدات العسكرية، تشير أزولاي إلى أن «إسرائيل تتلقى من الولايات المتحدة كل سنة مساعدات بمبلغ 2.75 مليار دولار، مخصّصة لشراء وسائل قتالية متطورة من إنتاج الولايات المتحدة، كما أن الجيش الإسرائيلي مبنيّ بمعظمه، إن لم يكن كله، على الوسائل المتطورة من إنتاج الولايات المتحدة، وتحصل من منظومة الأقمار الاصطناعية الأميركية على الإنذارات المبكرة بإطلاق الصواريخ، كما أنها حصلت على وعد من الولايات المتحدة بالحصول على مظلة في حال مهاجمتها بسلاح غير تقليدي، إضافة إلى وجود اتفاق للتعاون الاستخباري مع الأميركيين، وتقاسم المعلومات الحرجة معها، واتفاق يفيد أنه في وقت الحرب تقيم الولايات المتحدة قطاراً جوياً لتزويد إسرائيل بقطع الغيار، المعدات العسكرية والذخيرة. أما في حال الهجوم على إيران فتحتاج إسرائيل إلى سماح الولايات المتحدة لها بالطيران في مسارات فوق العراق».
بدوره، رأى المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت»، أليكس فيشمان، أن «السند الاستراتيجي الأميركي، هو الذخر الأمني الأكبر والأهم، الذي لدى إسرائيل اليوم». وقال إن «دولة إسرائيل تعرف كيف تخرج إلى الحروب وحدها، لكنها لا تعرف كيف تنهيها من دون الأميركيين. وهذا ما يسمّونه التعلق الاستراتيجي».