strong>حسام كنفانيرغم الملفات الساخنة المطروحة اليوم على مائدة القمّة العربية، إلا أن وصف «القمّة الباهتة» يبدو الأكثر تعبيراً عن المؤتمر الذي ستستضيفه مدينة سرت الليبية اليوم. وصف ينطلق من اعتبارات عدة تحكم مسار القمّة قبل انطلاقها، إذ لن تكون قادرة على بتّ أيّ من القضايا الملحّة المطروحة على جدول أعمالها، نظراً إلى ارتباط هذه القضايا بامتدادات لا ناقة للقمّة فيها ولا جمل.
ويمكن زيادة مقرّ الاستضافة والمضيف كعاملين أساسيين للفشل المرتقب للاجتماع العربي. فمن الواضح أن غالبية الزعماء العرب يتحسّسون من ترؤس الزعيم الليبي معمّر القذافي لمثل هذا الاجتماع، الذي من المرتقب أن يحوّله إلى ساحة استعراضية ستكون مختلفة عن استعراضاته السابقة، ولا سيما أنها ستجري على أرضه وبين جماهيره.
ملامح الاستعراضات بدأت مع الإجراءات البروتوكولية للاستضافة الليبية، التي أظهرت أن القذافي لن يستقبل أيّاً من القادة والزعماء المتوافدين إلى المطارات الليبية، وسيكتفي بالترحيب بهم لدى وصولهم إلى قاعة الاجتماعات، وهو أمر غير معتاد في القمم العربية السابقة.
معطى الاستضافة والمضيف من المرتقب أن يترك أثراً كبيراً على مستوى التمثيل العربي. وقد بات مؤكّداً أن الرئيس المصري حسني مبارك سيغيب عن اجتماع سرت نظراً إلى وجوده في مستشفى هايدلبرغ الجامعي في ألمانيا. كما أنه بات من شبه المؤكد أن يمتنع الملك السعودي عبد الله عن الذهاب إلى سرت، ولا سيما أنه لم يُبتّ بعد اتهام طرابلس بتدبير محاولة اغتياله.
وإضافة إلى غياب الرئيس اللبناني ميشال سليمان وخفض مستوى مشاركة لبنان إلى مندوبه في الجامعة العربية خالد زيادة، يتغيب رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي، الذي تعيش بلاده أزمة مع ليبيا، أدت إلى تجميد عضويتها في تجمّع دول «الساحل والصحراء» الذي يترأسه القذافي.
وتأكد غياب الرئيسين العراقي جلال الطالباني والإماراتي خليفة بن زايد آل نهيان، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة. يضاف إلى هؤلاء، القادة الذين اعتادوا التغيّب عن كل القمّم، وهم سلطان عُمان قابوس بن سعيد والملك المغربي محمد السادس، الذي يرفض في العادة الوجود في مكان واحد مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.
وفق هذه المعطيات، فإن مستوى الحضور سيكون له بالغ التأثير في القرارات التي ستتخذها القمة، والموزّعة على 27 بنداً، تتصدر القضية الفلسطينية والقدس المحتلة أولوياتها.

القدس

كان وضع القدس المحتلة محور اجتماع وزراء الخارجية العرب أول من أمس، تمهيداً للقمة اليوم. غير أن ما رشح عن الاجتماع من مقررات لا يبشّر بتحرّك جدي لمواجهة ما تتعرض له المدينة المحتلة.
وإضافة إلى الاقتراح المصري بإطلاق مسمّى «قمّة القدس» على الاجتماع العربي، فقد أخرج الزعماء العرب السلاح الوحيد الذي من الممكن الاتفاق على إشهاره في وجه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وهو سلاح المال. وزراء الخارجية قرروا تخصيص 500 مليون دولار لـ«صندوق الأقصى» لدعم القدس المحتلة.
الرقم زهيد جداً بالمقارنة مع ما تنفقه المؤسسات الصهيونية على المدينة، إذ يبلغ أكثر من 17 مليار دولار، بحسب وزير الخارجية الفلسطيني رياضي المالكي.
المقارنة بين المبلغين مضحكة ومخجلة. وما يزيد الأمر سوءاً أن أي استراتيجية لم تعلن للكشف عن آلية صرف هذا المبلغ. أما الأكثر إلحاحاً فهو إرفاق الدعم الكلامي بتطبيق فعلي. فالتجارب السابقة لمشاريع الدعم العربية أثبتت أنها تبقى في أغلب الأحيان حبراً على ورق. فالأموال لم تكن تصل في معظم الأحيان.
وحتى لو افترضنا أن الصندوق حصل على نصف مليار دولار المرتقبة للقدس المحتلة، تبقى المشكلة في كيفية تحقيق هذا الدعم، حتى إن خلصت النوايا. الدعم لا بد أن يكون لترسيخ الوجود الفلسطيني في المدينة وتأكيد هويتها العربية. مثل هذه الغاية تتحقّق بتكثيف البناء وتعزيز وضع السكان العرب المهددين يومياً بمشاريع الهدم والترحيل. مثل هذا الأمر غير ممكن تحقيقه فعلياً بسبب احتكار ما يسمى بلدية القدس المحتلة لرخص البناء وغياب أي وجود رسمي فلسطيني في المدينة بعد إغلاق بيت الشرق.
وعلى هذا الأساس فإن «الكرم» العربي على القدس المحتلة لا يبدو أنه يسمن أو يغني من جوع. كل ما في الأمر أنه ذرّ لبعض الرماد في العيون.
وبالتأكيد، فإن العرب لن يكتفوا بالدعم المادي. وعلى غرار كل القمم السابقة، فإن البيان الختامي سينص على آلية للتحرك في المحافل الدولية لـ«فضح» الممارسات الإسرائيلية، والتي لن تغير من واقع الحال شيئاً.

المفاوضات والمهلة

المرتبة الثانية بعد القدس، ستكون لعملية التسوية والمفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي وافق عليها العرب خلال اجتماع لجنة المتابعة العربية مطلع الشهر الجاري.
بين الموافقة العربية في الرابع من آذار، وموعد التئام القمة في السابع والعشرين منه، تبدل الكثير من المعطيات، التي وضعت عملية التسوية عموماً على خطى لفظ أنفاسها الأخيرة.
الأعين كلها اليوم على القرار العربي، وخصوصاً في ما يتعلّق ببقاء المبادرة العربية للسلام على الطاولة أو سحبها. هذه لن تكون المرة الأولى التي يُطرح فيها مصير المبادرة. وهذه المرة أيضاً قد يكون القرار هو نفسه المرتكز على أن «المبادرة لن تبقى إلى الأبد».
القرار في ما يخصّ المبادرة لن يكون سهلاً في غياب «أصحابها» السعوديين، ولا سيما أن وزير الخارجية سعود الفيصل سبق أن وضع التطرّق إلى المبادرة في خانة التعرّض إلى المملكة.
أما في ما يتعلّق بالغطاء العربي المقدّم للمفاوضات غير المباشرة، فالقمة ستستمع إلى الرد الأميركي الذي وصل إلى الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، الذي يؤكّد إلى الآن أنه لا اتفاق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تجميد الاستيطان في القدس المحتلة.
رغم ذلك، فإن اتخاذ قرار بسحب الغطاء التفاوضي لن يكون سهلاً. إذ من المتوقع أن تخرج أصوات تطالب ببقاء العرب جانباً وانتظار نتائج «المعركة» الإسرائيلية ـــــ الأميركية. أصحاب هذا الرأي سينظّرون بأن الولايات المتحدة باتت طرفاً مباشراً في المعادلة بعد الإهانات التي تلقّتها من الحكومة اليمينية في تل أبيب، وعلى هذا الأساس فإن سحب الغطاء التفاوضي سيضعف الموقف الأميركي في مواجهة إسرائيل وسيترك الرئيس الأميركي باراك أوباما «وحده»، وهو ما لا يريده الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى. الموقف المقابل من المرتقب أن يقلّل من أهمية الخلافات الأميركية الإسرائيلية، ما لم تطل المسائل الجوهرية بعد على غرار الدعم المالي الدائم، والالتزام الأبدي بأمن إسرائيل، وهي المسائل التي قد تؤدّي إلى تبدّل في الموقف الإسرائيلي.
من غير المتوقع أن تكون نتيجة مثل هذا النقاش، أو الخلاف، قرارات عربية جريئة. والأرجح أن يحوي البيان الختامي الاستمرار في الالتزام بمهلة الأربعة أشهر التي كانت قد وردت في بيان وزراء خارجيّة لجنة المتابعة، مع تبني الموقف الفلسطيني القائل بعدم بدء المفاوضات غير المباشرة قبل إلغاء قرار بناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية، وهو ما أعلنه عمرو موسى في أعقاب اجتماع لجنة متابعة المبادرة العربية مساء أمس.

المصالحات والخلافات

كان من المفترض أن تكون قمّة سرت ساحة للمزيد من المصالحات العربية ـــــ العربية، غير أن حسابات الحقل مختلفة عن حسابات البيدر. فما بقي من خلافات لا يبدو أنها في طريقها إلى النهاية في ليبيا، بل إن مشاكل جديدة في طورها إلى الظهور، أبرزها بين العراق وليبيا، وكادت تؤدي إلى انسحاب وزير الخارجية هوشيار زيباري على خلفية استقبال العقيد القذافي معارضين عراقيين.
وبغضّ النظر عن الخلافات الطارئة، كان عمرو موسى يعوّل على القمة لمصالحة مصر وسوريا من جهة، ومصر وقطر من جهة ثانية. غير أن غياب الرئيس المصري عن القمة «لدواعٍ صحيّة» سيحول دون تحقيق هذه الأماني، بانتظار المبادرة السورية للمصالحة العربية، التي من المفترض أن يقدمها الرئيس بشار الأسد خلال الاجتماع.
المبادرة، التي تحدّث عنها وزير الخارجية السوري وليد المعلم، «تؤكد وضع آلية لإدارة الخلافات العربية العربية، وإنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية».
غير أن المبادرة هذه أثارت خلافاً خلال اجتماع المندوبين مطلع الأسبوع الجاري، ولا سيما أن الاقتراح السوري نصّ على إجراء المصالحة الفلسطينية «تحت غطاء عربي»، ما ترجمته القاهرة على أنه سحب البساط من تحت أقدامها. اقتراح جوبه برفض مصري وفلسطيني، ما أدى إلى سحبه من التداول في اجتماع المندوبين.
وبدا أول من أمس أن القاهرة على استعداد لافتعال أزمة، في حال طرح أي مشروع يمسّ احتكارها للملف الفلسطيني. وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط خلال دردشة جانبية مع عمرو موسى، حين حذّر من «المزايدات» العربية على الدور المصري، قائلاً «أحمل سيفاً ودرعاً لن أستخدمهما إلا عند الضرورة».
وبعدما سبق أن رفض الرئيس الفلسطيني دعوة ممثلين عن حركة «حماس» إلى ليبيا، لا تبدو قمّة سرت ساحة لاستكمال المصالحات العربية، التي بدأت في الكويت واستتبعت في الدوحة.

مشاريع موسى

الأمين العام للجامعة العربية يبدو الخاسر الأكبر من القمّة الحالية. فإضافة إلى عدم تحقيقه أيّاً من «آماله»، فإن مشاريعه التي طرحها خال الأشهر الماضية ذهبت أدراج الرياح.
المشروع الأول كان القوة العربية لحفظ السلام، التي لم تحظ بدعم أي من الدول الأعضاء. حتى إن اجتماع وزراء خارجية مجلس السلم والأمن العربي، أول من أمس، قرّر ترحيل جميع المقترحات الخاصة بالمجلس إلى «اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الذي سيعقد في شهر أيلول المقبل»، بعد تقديم الدول العربية اقتراحات لتفعيل المجلس، ومنها اقتراح موسى.
المشروع الآخر لموسى ظهر خلال الأيام الماضية، وينص على إنشاء «رابطة دول الجوار العربي»، وتضم دول المحيط وأبرزها إيران وتركيا. المشروع ووجه برفض مصري صارم على اعتبار أن «هذه الفكرة نفسها تحتاج إلى بلورة وإلى أن تفهم بالتفصيل»، على حد تعبير المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، حسام زكي.

البنود المستنسخة

إضافة إلى القضايا الأساسية هذه، من المتوقّع أن تناقش القمّة المشاريع المتنقلة على جداول الأعمال من قمة إلى أخرى، وفي مقدمها تفعيل الجامعة العربية، ولا سيما الأفكار الليبية التي ستحظى بالأولوية باعتبارها صاحبة الضيافة. كما أن هناك مشروعاً يمنيّاً لاستبدال مسمّى الجامعة العربية وتحويله إلى الاتحاد العربي، على غرار الاتحاد الأوروبي.
وبالطبع، فإن القمة لن تنسى دعم صمود الشعب الفلسطيني والجولان العربي السوري المحتل، والتضامن مع لبنان ودعمه، ومناقشة قرار الدائرة التمهيدية الأولى لمحكمة الجنايات الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير، ودعم السلام والتنمية والوحدة في السودان و«احتلال» إيران للجزر العربية الثلاث «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى».