حسن عليقتبدو القمة العربية في ليبيا كالقصاص النازل على الحكومة اللبنانية. وعندما سلم أمين اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي موسى كوسا دعوة لحضور القمة إلى السفير اللبناني لدى دمشق ميشال خوري، تنفس المعنيون في لبنان الصعداء. فالخطوة الليبية الناقصة أعفت الحكومة اللبنانية من إحراج اتخاذ القرار، ولو إلى حين. أركان الحكم الذين لا يريدون استفزاز رئيس مجلس النواب نبيه بري ولا حزب الله، تمسكوا بخشبة الخلاص، أي الخطأ الشكلي في تسليم الدعوة، ليرفضوا مناقشة مستوى التمثيل اللبناني في القمة. ولم يكن خافياً على المتابعين أن الفريق اللبناني المعترض على حضور القمة كان يتمنى عدم لجوء ليبيا إلى إرسال دعوة أخرى إلى رئيس الجمهورية، بالطرق الدبلوماسية المعتمدة عادة في قمم مماثلة.
قبل ذلك، كان الرؤساء الثلاثة قد حسموا أمرهم: خيار تمثيل لبنان في قمة ليبيا محصور بين مندوب لبنان لدى الجامعة العربية أو القائم بأعمال لبنان في ليبيا المستشار نزيه عاشور.
هذا القرار اتخذ بمعزل عن رغبة فريق لبناني لم يعبر عن رأيه في العلن. وهذا الفريق كان يدعو إلى ضرورة حضور لبنان القمة الليبية بمستوى رفيع. لكن الرئيس نبيه بري سرعان ما رد، في رد غير مباشر، على هؤلاء، مذكراً بالقمة العربية في دمشق عام 2008: حينذاك، اتخذت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة قراراً بالمقاطعة، «ولم تخرب الدنيا، ولم يبقَ لذلك أي تأثير يذكر على العلاقة بين لبنان وسوريا. والدليل أن دمشق استقبلت أخيراً الفريق السياسي الذي أصر على مقاطعتها قبل سنتين».
ورغم أن وزير الخارجية علي الشامي كان قد أعلن أنه لن يشارك في قمة ليبيا، إلا انه حضر اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الشهر الفائت. وفي ذلك الاجتماع التمهيدي للقمة العربية في ليبيا، تقدّم الشامي ببند «التضامن مع لبنان» طالباً إدراجه في البيان الختامي للقمة العربية. وهذا البند يتألف من 15 نقطة، معظمها مستقى من البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الحالية. وأبرز ما في هذه النقاط هو تأكيد حق لبنان بالدفاع عن أرضه والعمل على تحرير ما بقي محتلاً منها. وللمرة الأولى في القمم العربية، تضمن المطلب اللبناني بنداً ينص على «حق لبنان، بشعبه وجيشه ومقاومته» في تحرير الأراضي اللبنانية التي تحتلها إسرائيل. وهذه النقطة من بند التضامن مع لبنان مرّت من دون أي نقاش يذكر، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دعم المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري. لكن ما كاد يفجر الموقف في القاهرة، هو المطلب اللبناني بأن يتضمن البيان الختامي للقمة العربية تأكيداً للسعي إلى كشف مصير الإمام موسى الصدر ورفيقيه. فهذا المطلب أثار حفيظة المندوب الليبي في اجتماع مندوبي الدول العربية إلى الجامعة، سائلاً عن سبب طرح قضية الصدر على القمة. لكن المندوب اللبناني خالد زيادة أصر على التمسك بها، وخصوصاً أن التعليمات التي زوده إياها وزير الخارجية علي الشامي تفيد بوجوب التمسك بالنقاط الخمس عشرة التي يتضمنها بند التضامن مع لبنان. وبعدما تبين أن الجانب اللبناني مصر على جميع النقاط، تدخل الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير الخارجية السوري وليد المعلم وأقنعا المندوب الليبي ووزير خارجيته بتجاوز الخلاف.
«أمل» غاضبة من دخول محمود أبو حمدان على خط «المزايدة» في قضية المشاركة
مر الاجتماع على خير. وعندما حضر الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى بيروت في الأسبوع الماضي، حاول التنصل من بند «الإمام الصدر ورفيقيه»، فما كان من الشامي إلا أن لفت نظره إلى أن وزراء الخارجية العرب تبنوا نص التضامن مع لبنان من دون أي تعديل. وقد طرح موسى على الرؤساء اللبنانيين إمكان إيجاد مخرج مشرف لتسلم الدعوة الليبية إلى القمة، وخصوصاً بعدما سمع منهم استياءهم من التصرف غير المقبول الذي قامت به ليبيا، وهو ما يعد غير لائق دبلوماسياً. وعندما اقترح موسى أن يتسلم مندوب لبنان لدى الجامعة العربية الدعوة الليبية، وافق الرؤساء الثلاثة على ذلك. وبما أن بري رأى في غياب رئيسي الجمهورية والحكومة عن القمة مقاطعة لها (إذ إن الدعوة تكون موجهة شخصياً إلى رئيس الجمهورية)، فقد وافق بري، بحسب مصادر في قوى الأقلية النيابية، على أن يتمثل لبنان بمندوبه لدى الجامعة العربية. وما أقنع بري بذلك هو أمران: الأول أن لبنان يمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن الدولي حالياً. والأمر الثاني هو الحرص على عدم التلاعب في أي من النقاط الواردة في بند التضامن مع لبنان.
وبحسب مطلعين على القضية، فإن التعليمات التي تلقاها زيادة من وزير الخارجية تنص على وجوب التحسب، خلال القمة العربية، من أي محاولة لتعديل البنود التي اقترحها لبنان، وضرورة التعامل مع بند قضية «الإمام الصدر» كأي بند آخر.
هذا في سرت. أما في بيروت، فلا تزال الاعتراضات على القمة تأخذ مداها. وكان أبرزها ما قام به أمس عدد من طلاب الجامعات المناصرين لحركة «أمل»، الذين أضربوا احتجاجاً على المشاركة اللبنانية في القمة العربية. وخرج عدد من الطلاب في منطقة بئر حسن من حرم معهد العلوم التطبيقية وقطعوا الطريق العامة أمام السيارات لدقائق، قبل أن يعودوا إلى حرم المعهد. وذكر أحد هؤلاء الطلاب لـ«الأخبار» أن تحركهم يهدف للاعتراض على القرار اللبناني، و«رسالتنا موجهة بالدرجة الأولى إلى الرئيس نبيه بري». وعلمت «الأخبار» أن قيادة حركة «أمل» ستدقق في هويات الطلاب المعترضين، مع إمكان لجوئها إلى اتخاذ قرارات تأديبية بحقهم فيما لو كانوا من المنتمين إلى الحركة. ولفت أحد المعنيين إلى أن غضب قيادة الحركة على هؤلاء تضاعف بعد دخول النائب السابق محمود أبو حمدان على خط ما وصفه مقرب من «أمل» بـ«المزايدة في قضية المشاركة في القمة الليبية».