يزور البعض دمشق للتسوق، لكن أغلب لاجئي لبنان يزورونها لهدف آخر، هو الاستشفاء. لكن، لماذا في سوريا؟ وبماذا هي أفضل من الخدمات المتوافرة هنا؟ وأين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، المسؤول الشرعي والوحيد عن الأحوال الصحية للاجئين؟
قاسم س. قاسم
«حكيم بس بدنا نفكّ القطب للمرا»، يقول أحمد زوج عايدة الذي رفض الكشف عن اسم عائلته، لطبيب مخيم برج البراجنة د. عبد العزيز علي. «خير، إيش العملية إللي عملتها؟»، يسأل الطبيب. «عملنالها الزايدة بسوريا، والحمد لله ما كلفتنا كتير. والأونروا ما غطّت كلّ تكاليف العملية، غطتلنا بس التخت، يعني النوم بالمستشفى». «قديش كلفتك العملية بسوريا»، يسأل الطبيب مجدداً. «مئة ألف» يجيب أحمد. «يلا، خير هيك وفّرت مصاري وكمان الدكاترة هونيك شاطرين». يستأذن د. علي، يتركنا في عيادته متوجهاً إلى منزل المريضة. دقائق، يعود الرجل، مبتسماً: «ما أشطرهم السوريين يا زلمي، مقطّبين الجرح ما مبيّن إنها عاملة العملية». تسأله: لماذا يتوجه فلسطيني مقيم في لبنان إلى سوريا لإجراء عملية جراحية هناك؟ الجواب بسيط، يفرك د. علي سبابته بإبهامه ضاحكاً، في إشارة إلى الكلفة المادية المرتفعة في لبنان «الناس ما معها تدفع للمستشفيات بلبنان». هكذا إذاً، يتوجّه معظم أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى سوريا للخضوع لعمليات جراحية تفوق قدرات الممنوعين من العمل في 72 مهنة من دفع تكاليفها. ففي سوريا الطبابة مجانية للفلسطينيين ـــــ السوريين. أما بالنسبة إلى الوافدين من المخيمات اللبنانية إلى سوريا بهدف الطبابة، فإن التكاليف التي يدفعونها «رمزية ولا شي قدّام لبنان»، كما قال أحمد. هكذا، وجد الفلسطينييون في سوريا ملجأهم للطبابة. خبر استشفاء اللاجئين هناك يبدو مستغرباً للبعض، لكنه «عادي جداً، وبمرّ عليّ كتير ناس عاملة عمليات بسوريا»، كما يقول د. عبد العزيز. محمود عرعرة، أحد من كانت المستشفيات السورية ملجأه من أجل ابنة ولدت بستة تشوهات خلقية. «نصف قلب، تشوهات في العمود الفقري، وعدم وجود مخرج لشرجها، وتشوهات داخلية»، هكذا، يصف الرجل المصائب الصحيّة لابنته. وضع الفتاة تطلب خضوعها لعمليات جراحية عدة، لم يكن الرجل يملك تكاليفها. «قالولي إنو إذا ببيع بيتي والمحل، ما بكفّي، كانت بنتي عمّال تموت قدامي»، يقول. توجه الرجل للمرة الأولى إلى مستشفى في صيدا، حيث لم يستطع توفير تكاليف العمليات هناك، «فأعدت ابنتي إلى البيت». بعدها «قررت التوجه إلى سوريا، حيث خضعت الطفلة لست عمليات جراحية، لكنها توفيت خلال إحداها»، يقول عرعرة بصوت متهدّج. ثم يستدرك: «بس على القليلة عملت كم عملية، عشنا وقتها متأملين تعيش، بس لو ضلّت بلبنان كانت ماتت من زمان»، يقول. هكذا، تعددت الحالات المرضية وملجأ الاستشفاء واحد. قصدت سعاد (اسم مستعار) سوريا، زيارتها هذه المرة مختلفة عن سابقتها حين قصدتها للتسوق. هذه المرة تريد أن تعمل عملية المرارة. مكثت السيدة هناك لمدة شهر حيث أجرت العملية وبقيت مدة إضافية لإجراء الفحوص اللازمة، و«الخبرية كلها كلفتنا قد نصّ العملية في لبنان»، كما يقول زوجها.
تغطي الأونروا جزءاً من تكاليف الحالات الجراحية
في مخيم شاتيلا أيضاً تتكرر القصة، نفسها. أرسل عمر والدته حليمة إلى سوريا لتخضع لجلسات علاج كيميائي لمكافحة مرض السرطان الذي أكل جسدها. يقول عمر إنه في لبنان «لم تكن الأونروا تغطي التكاليف كلها، ولم نكن نملك القدرة على معالجتها». يضيف: «جلسات الكيماوي في لبنان لا تغطيها الأونروا. وكما قالوا لنا، يوجد سقف لعلاج مرضى السرطان، لذلك قررنا التوجه إلى سوريا، حيث خضعت الوالدة لجلسات عدة». لكن ما هي أكثر العمليات الجراحية التي يجريها الفلسطينيون في سوريا؟ «البواسير»، يجيب أحد صيادلة المخيم، الذي رفض الكشف عن اسمه خوفاً على عمله. «الناس بتروح بتعمل عملية البواسير على اللايزر بسوريا، لأن الأونروا بلبنان ما بتغطيها إلا عبر عملية جراحية». يضيف: «المشكلة بالأونروا، مع أنها حالياً عم تعمل خطة صحية جديدة، بس هادا الإشي بكفّي حاجة اللاجئين في المخيمات، ما بعتقدش»، كما يقول. لكن أين الأونروا؟ تجيب عن هذا السؤال مساعدة المسؤولة الإعلامية في الأونروا هدى الترك، قائلة: الأونروا تغطي «معالجة الحالات الطبية الحادة، التي تضم أمراضاً مثل السحايا، التهاب الكلى، معالجة المضاعفات الحادة لمرضى السكري والنفاخ الرئوي، معالجة الأزمات الحادة للربو التي لا تستجيب للمعالجة الخارجية وغيرها من الأمراض». تضيف: «أما الحالات الجراحية التي تتحمل الأونروا جزءاً من تكاليفها، فهي تشمل: عمليات القلب والشرايين والقفص الصدري، مثل عمليات القلب المفتوح وعمليات الشريان الأبهر، عمليات الجهاز العصبي وغيرها، عمليات استئصال الأورام». وفي هذه الحالات، يتحمل المريض تكاليف ما يبقى من الفاتورة الاستشفائية، أو يطلب مساعدة الجمعيات الأهلية والمؤسسات التي تُسهم في التغطية. وتقول الترك إن «الأونروا عقدت أخيراً لقاءً مع هذه المؤسسات والجمعيات، يهدف إلى التنسيق في ما بينها للتخفيف عن كاهل المريض». أما عن العلاج في سوريا، فتجيب الترك بأنه «تغطي الأونروا اللاجئين الفلسطينين المسجلين في سوريا والمقيمين في لبنان بقيمة التغطية المعتمدة في سوريا بعد موافقة قسم الصحة هناك». يشار إلى أن الأونروا تقوم بعملية تقويم لخدماتها الصحية، سيبدأ بعدها العمل على تطبيق إجراءات جديدة في المراكز الصحية.


وقّعت الأونروا والهلال الأحمر القطري والهلال الأحمر الفلسطيني اتفاقاً ثلاثياً ينص على تغطية عمليات الولادة الطبيعية في حالات الحمل غير الخطرة، وعمليات الماء الزرقاء والعمليات الجراحية بالمنظار لجميع الفلسطينيين. وينصّ الاتفاق على توفير معدات أساسية جديدة للمستشفيات التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. وسيقوم الهلال الأحمر القطري بتجهيز مستشفى الهمشري بجهاز لإجراء عمليات الماء الزرقاء باللايزر، بالإضافة إلى منظار للعمليات الجراحية.