«العمل» يلوّح بالانسحاب من الائتلاف وبيريز ينتقد الحكومةمحمد بدير
يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بذل الجهود للتوصل إلى صيغة سحرية تحفظ له ائتلافه الحكومي، وتسحب فتيل التوتر القائم مع الإدارة الأميركية. إلا أنه يتضح يوماً بعد آخر أن صيغة كهذه تبدو أصعب مما تصوره البعض في ضوء القناعة المتبلورة لدى صناع القرار الإسرائيليين بأن التشدد الذي يبديه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أبعد من كونه مناورة علاقات عامة لاستقطاب العرب، ويتصل أكثر بإعادة جدولة الأولويات الأميركية في المنطقة. ويبدو أنّ ثمة من التقط هذا المعنى في المحيط القريب من نتنياهو واختصره عبر وصف أوباما بـ «الكارثة الاستراتيجية» على إسرائيل، فيما كانت حلقات الضغط من جانبي القوس السياسي الإسرائيلي تزداد حدة على رئيس الوزراء، بين مطالبٍ له بالصمود أمام العاصفة الأميركية، وهي حال اليمين، وداعٍ إياه إلى الانحناء أمامها تحت طائلة التلويح بفرط عقد الحكومة كما فعل حزب «العمل» أمس.
وكانت إسرائيل قد استفاقت أمس على عنوان رئيس في كبرى صحفها اقتُبس فيه أحد المقربين من نتنياهو وهو يلخص انطباعاته عن الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء إلى واشنطن بعبارة «أوباما كارثة على إسرائيل». ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن هذا المسؤول قوله في محادثات مغلقة مع نشطاء سياسيين «إن الرئيس أوباما و(وزيرة خارجيته) هيلاري كلينتون اتفقا على تبني خط فلسطيني صرف، وهذا شيء مريض ومجنون. الوضع كارثي. لدينا مشكلة مع إدارة معادية جداً جداً. لم يسبق أن كان شيء كهذا. حتى الناس القدامى ممن تعاطوا العلاقات مع الولايات المتحدة يقولون إنه لم تكن إدارة كهذه أبداً. هذا الرئيس يريد أن يقيم الدولة الفلسطينية ويريد أن يعطيهم القدس».
وأضاف المصدر المسؤول «الأميركيون يريدون تنغيص حياة نتنياهو. وهم يبحثون عن أسباب لأخذ الأمور معه نحو مواجهة متطرفة».
وبرغم حرص الصحيفة على الإشارة إلى أن ما قاله هذا المسؤول لا يمثّل رأي نتنياهو ولا كل المحيطين به، بل يعكس «الرياح التي تهب من محيط رئيس الوزراء»، سارع الأخير إلى التنصل منه، مُقرّاً في الوقت نفسه بوجود خلافات مع الإدارة الأميركية.
وقال نتنياهو، لدى افتتاحه الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية أمس، «سمعت في الأيام الأخيرة تصريحات مجهولة المصدر بشأن الإدارة الأميركية، وبودي التوضيح بصورة لا لَبس فيها أن هذه الأقوال ليست مقبولة مني أو صادرة عن أحد من قِبلي». وأضاف نتنياهو إنّ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة هي «علاقات بين حليفين وصديقين وتستند إلى تراث يعود إلى سنوات طويلة، وهكذا فإنه عندما تكون هناك خلافات فإنها خلافات بين أصدقاء».
وتطرّق رئيس الوزراء الإسرائيلي للمرة الأولى علناً إلى زيارته لواشنطن الأسبوع الماضي ولقائه أوباما، وقال إنه «كانت هناك مجالات اتفقنا اتفاقاً كاملاً عليها وكانت هناك مجالات لم نتفق بشأنها وحاولنا تنفيذ خطوات لتقليص الفجوات».
من جهة أخرى، اتهم نتنياهو الفلسطينيين بـ«تشديد مواقفهم»، وبعدم إظهار «أيّ بادرة اعتدال». ورأى أن «مناقشات الجامعة العربية لا تشجع هذه العملية (استئناف المحادثات) لكننا سنبحث ذلك رغم كل شيء عبر إظهار ضبط النفس وسنواصل اتصالاتنا مع الأميركيين لاستئناف المحادثات».
وبدا أمس أن أزمة العلاقات مع الولايات المتحدة بدأت تعطي مفاعيلها في المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي. فمن جهة، أعرب وزراء يمينيون عن معارضتهم الحاسمة لتقديم أيّ تنازلات في سبيل حل هذه الأزمة. ونقلت «يديعوت» عن أحد الوزراء الأعضاء في «السباعية» قوله «لم نتفق على شيء، ولسنا مسرعين للرد عليهم (الأميركيين)»، وأضاف «أخذ يتضح أن هذه الإدارة الأميركية لم تعد إلى جانبنا ولا تتعامل معنا تعاملاً نزيهاً، وأداؤها لن يجلب الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات»، وتابع إن «قرارنا بهذا الشأن هو عدم التنازل وعدم المساومة ورفض قائمة مطالبهم، وقائمة مطالبهم التي قدمها أوباما إلى نتنياهو في البيت الأبيض مرفوضة وهكذا سنتعامل معها». ومن جهة أخرى، أفاد التلفزيون الإسرائيلي أن رئيس حزب «العمل» إيهود باراك طلب من نتنياهو بلورة خطة سياسية للخروج من المأزق في العلاقة مع الأميركيين وإطلاق المفاوضات السياسية، محذّراً من عواقب عدم الاستجابة لهذا المطلب. وسبق تحذير باراك إعلان الوزير العمالي، إسحاق هرتسوغ، أنّ الحزب سيعيد النظر بعد عيد الفصح اليهودي (بعد أسبوع) في مشاركته في الائتلاف الحكومي. وقال للإذاعة الاسرائيلية «علينا إعادة النظر في مشاركتنا في الحكومة نظراً إلى برنامجها السياسي (... ) نوصي بدخول حزب كديما إلى الحكومة». وتابع «إسرائيل تواجه وضعاً دولياً وتهديدات إيران وذلك يتطلب تغييرات في هيكلية الائتلاف الحكومي».
بدوره، انتقد الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، حكومة نتنياهو التي خرقت في رأيه «الوضع القائم» الذي كان متّبعاً في ما يتعلق بالبناء الاستيطاني في القدس الشرقية، عندما بدأت التصديق على أعمال بناء يهودية داخل الأحياء العربية. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن بيريز قوله لنتنياهو ووزراء آخرين إنّ الامتناع عن البناء في قلب الأحياء الفلسطينية «جعل العالم يوافق» على البناء في المستوطنات، ولم يرَ في ذلك عقبة أمام المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. ورأى بيريز أن الطريق لحل الأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة تقضي بإعلان إسرائيل حصر البناء الاستيطاني في مستوطنات القدس الشرقية ووقفها في قلب الأحياء الفلسطينية.
إلى ذلك، نفى ديفيد أكسيلرود، المستشار السياسي للرئيس الأميركي، أن تكون المعاملة التي لقيها نتيناهو في البيت الأبيض الأسبوع الماضي قد اتسمت بالفتور. وقال في مقابلة مع محطة «سي أن أن» إن نتنياهو «لم يعامَل ببرودة، وإن اجتماعه مع أوباما استغرق ساعتين وكان اجتماع عمل بين صديقين، لذا لم يكن هناك إهانة متعمدة».