أطراف في المعارضة تهدّد بالمقاطعة... والبشير لا يكترث
جمانة فرحات
يزداد المشهد الانتخابي في السودان تعقيداً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في الحادي عشر من الشهر الحالي، فيما لا يزال الخلاف قائماً بين السلطة وجزء كبير من المعارضة حول إجراء الانتخابات أو تأجيلها.
وبينما يتمسّك حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بزعامة الرئيس السوداني عمر البشير، بعدم التأجيل «ولو لساعة أو يوم واحد»، تطالب المعارضة بالتأجيل حتى نهاية العام لأن إجراء الانتخابات الآن سيكون «بمثابة كارثة للسودان». وتطالب، في الوقت نفسه، بمعالجة الثغر التي رصدتها خلال عملية الإعداد للانتخابات، مهددةً باللجوء إلى خيار المقاطعةوتبدأ هذه الثغر بالجهة المكلفة طبع بطاقات الاقتراع، بعدما تبيّن أن المفوضية القومية للانتخابات أوكلت إلى شركة «مطابع السودان للعملة المحدودة» المقربة من الحكومة إعداد بطاقات الاقتراع، اضافة إلى تكليفها طباعة سجلات الناخبين. وهو ما ترى المعارضة أنه يعطي أفضلية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم ويمنحه السيطرة الكاملة على عملية التسجيل، وخصوصاً بعدما كشف المرشح الرئاسي، مبارك الفاضل، عن مواصلة الحزب الحاكم إدراج أسماء أشخاص جدد الى سجلات الناخبين، على الرغم من انتهاء المهلة القانونية.
والتشكيك في الشركة، التي تولّت طباعة بطاقات الاقتراع باللغة العربية فقط رغم أن معظم أبناء الجنوب يتحدثون الانكليزية، لا يعدو كونه جزءاً من تشكيك المعارضة في حيادية المفوضية العامة للانتخابات ونزاهتها.
كما تستند المعارضة في طلبها إلى تعذر إجراء الانتخابات في مختلف أرجاء إقليم دارفور. وإن كانت المعارضة تتفق في ما بينها على التشكيك في نزاهة إدارة الانتخابات، غير أن مصالحها في التأجيل ليست واحدة. ويبرز في السياق موقف «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، التي لا تمانع إجراء الانتخابات في موعدها بسبب رغبتها في المضي قدماً نحو إجراء الاستفتاء على انفصال الجنوب، الذي يُعدّ أولية بالنسبة إليها.
ولذلك عندما حاولت الحركة السير في ركب بعض أطياف المعارضة ومساندة طلبها تأجيل الانتخابات، خرج الرئيس السوداني ليهدّدها بعدم التقيّد بإجراء الاستفتاء على انفصال الجنوب وفقاً للموعد المحدد. وهو أمر ترفض الحركة مجرد مناقشته على اعتبار أن موعد الاستفتاء ثابت في الدستور الانتقالي على عكس الانتخابات التي أجيز تأجيلها إذا دعت الحاجة. ولذلك، فإن الموقف الأشد الذي يتوقع أن تتخذه الحركة هو مقاطعة الانتخابات في الشمال، والمشاركة في معقلها في الجنوب.
كذلك يبدي حزب المؤتمر الشعبي السوداني، الذي يتزعمه حسن الترابي، رغبته في خوض الانتخابات بغض النظر عن ما يعتريها من شوائب، وخصوصاً أنه قرر النأي بنفسه عن الترشح على منصب الرئاسة منعاً لتعرضه للخسارة ومفضلاً الدفع بعبد الله دينق لمنافسة البشير، والتفرغ لإدارة المعركة على الصعيد التشريعي والأقاليم.
في المقابل، يقف حزب الأمة، بقيادة الصادق المهدي، موقفاً وسطياً، بعدما أعلن استعداده لخوض الانتخابات من دون أن يمنع ذلك مطالبته بتأجيلها.

المعارضة السودانية: إجراء الانتخابات الآن سيكون «بمثابة كارثة للسودان»

ويبقى الموقف الأكثر تشدداً، الذي تمثله بعض أحزاب تحالف جوبا، ومنها حزب الاتحاد الديموقراطي بقيادة عثمان الميرغني، والحزب الشيوعي. وتعتقد هذه الأحزاب بضرورة مقاطعة الانتخابات في حال عدم الاستجابة لمطالبها، وهي تسعى لإقناع باقي الأحزاب بذلك.
إلا أن أي القرار بالمقاطعة، مهما بلغ حجمه، لا يبدو أنه سيثني حزب المؤتمر الوطني الحاكم عن السير نحو الانتخابات في موعدها، رغبة منه في إضفاء شرعية مفتقدة منذ سنوات على نظام البشير، الذي تعدّ الانتخابات بالنسبة إليه خياراً إجبارياً في ظل قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي يطارده.
ويرى الحزب الحاكم في إصرار المعارضة على تأجيل الانتخابات، خوفاً من النتائج وضعفاً يريد استغلاله إلى أقصى الحدود، مستفيداً في الوقت نفسه من مصالح الحركة الشعبية وأولوياتها، إذ يرى البعض أنها تسيّر أحزاب المعارضة.
ويراهن الحزب الحاكم في الوقت نفسه على انشقاق صفوف المعارضة، وخصوصاً مع فشل هذه الأحزاب في الاتفاق على مرشح واحد تواجه من خلاله البشير وإن تسترت بنظرية «تشتيت الأصوات» التي لن تستطيع تطبيقها في حال لجوئها إلى خيار المقاطعة.
كذلك يراهن البشير على الموقف الأميركي والأوروبي عموماً، الذي يدعم إجراء الانتخابات في موعدها، على اعتبار أنها مرحلة أساسية في تعزيز السلام في البلاد وخطوة على الطريق الصحيح نحو إجراء الاستفتاء من دون مشاكل، ليكون بذلك البشير وحزبه المستفيدين من عجز المعارضة عن اتخاذ موقف موحد من هذا الاستحقاق.