وتمضي الأونروا في اختراع قوانين لتقليص خدماتها للاجئين الفلسطينيين. فبعد «شهادة فقر الحال»، صار على الفلسطينية الحامل إبراز تقرير «فقر دم» للحصول على «إعاشة تموينية»
سوزان هاشم
«معِك فقر دم»، بهذه العبارة تقابل إحدى موظفات «الأونروا»، زهية موعد، بعدما أنهكها الانتظار وجنينها، أمام قسم الصحة التابع للوكالة في عين الحلوة، لاستلام كارت إعاشة يخولها الحصول على حصة تموينية تحتوي على بعض السكر والحليب والزيت والعدس. لم تستوعب زهية كلام الموظفة، وانبرت تستفسر «شو يعني بدّي أضعف دمي كرمال أحصل على إعاشة؟» سؤالٌ لا يبدو أن الموظفة نفسها تمتلك جواباً شافياً عنه، والتي بدت لزهية «مش مقتنعة بالقرار بس ملزمة تنفذ»! هكذا آثرت هذه الموظفة أن تلزم الصمت، في محاولة للهرب من غضب زهية وغيرها من النساء الحوامل اللواتي خرجن متثاقلات بسبب بطونهن وليس بسبب وزن إعاشة الأونروا التي خرجن خاليات الوفاض منها. إذ إن وكالة الأونروا ابتدعت قاعدة جديدة، في توزيع مساعدات الأمومة التي كانت النساء الحوامل يحصلن على حصصها مرتين خلال حملهن على حصة تموينية، وأخرى بعد الولادة. وجديد «الأونروا» هذه المرة حصر تلك المساعدة بفئة الحوامل اللواتي يعانين فقراً في الدم، وهكذا بات ينبغي عليهن الخضوع لفحص دم يجرى في قسم الصحة لدى الأونروا لمعرفة إذا كانت تستحق تلك الإعاشة. أما سبب تلك السياسة فتشرحها مصادر من الأونروا، رفضت الكشف عن اسمها، فالأمر إنفاذ لقرار إدارة الوكالة القاضي بأن يعملوا «قد ما فيكن قوانين تقلص ميزانية الخدمات»! إذاً، الهدف مالي بامتياز، كما يشرح المصدر، مردفاً أن «مساعدات الأمومة وقبل عودة توزيعها إلى قسم الصحة في الوكالة، كانت قد آلت منذ سنة إلى قسم الإغاثة فيها، بحيث اتبعت قاعدة ناجعة تقضي بأن توزع تلك المساعدات وفق معايير علمية تقوم على استمارة تُعبّأ، بحيث إن الأسر الفقيرة وحدها كانت تستفيد من مساعدة الأمومة التي كانت تطال حصصها أيضاً أفراد أسرة المرأة الحامل. بيد أن قسم الإغاثة لم يقوَ على الاستمرار في تقديم تلك المساعدات، إذ إنه أصلاً مثقل بالمسؤوليات العديدة، ويفتقر إلى الجهاز البشري، والإمكانيات المادية للقيام بتلك المسؤولية». هكذا إذاً، أعيد قسم مساعدات الأمومة إلى دائرة الصحة، «ولأن سياسة الأونروا تتجه نحو توفير الأموال، كان ابتداع هذا القرار»، يقول المصدر عينه.
كما حصل في موضوع المساعدات المالية، التي لم تخل تصنيفات المستفيدين منها من آثار «الواسطة»، هنا أيضاً «هناك نساء يحصلن على مساعدات بغض النظر عن قوة دمهن أو ضعفه»، كما يعلّق أبو وائل كلاب، عضو اللجنة اللبنانية ــــ الفلسطينية للحوار والتنمية، واصفاً هذا القرار «بالعنصرية داخل الفئة الواحدة»، مشيراً إلى أن هذا المعيار لا يمكن اتباعه هنا في توزيع المساعدات العينية، وخصوصاً أنها «لا تشمل أدوية أو مواد غذائية تحتوي على الحديد الذي من شأنه أن يحسن من دم المريضة، وليس بالضرورة أن تكون كل امراة محتاجة تعاني فقراً في الدم والعكس صحيح». ويعتبر أبو وائل أن وكالة الأونروا «دأبت على تقليص خدماتها تجاه شعبنا، كيفما اتفق، لذلك لم نعد نستهجن لجوئها إلى قرارات كهذه».
إلا أن هذا القرار، كما غيره، بات يقلق أبناء المخيم، الذين باتوا على يقين بأن خدمات هذه الوكالة التي نشأت من أجل عونهم في الشتات، باتت تشح يوماً بعد يوم، وهنا تعلّق سامية حسن بعد حرمانها للتو من مساعدات الأمومة، «خايفة على دور الولد اللي جايي يبطل في أونروا أصلاً».


عودة إلى الخطأ نفسه؟

تتخوف الناشطة الاجتماعية في مخيم عين الحلوة، عبير أحمد، من «عودة الإشكال بين الأونروا وأبناء المخيمات إثر هذا القرار، تماماً كما حصل منذ نحو شهر على خلفية توزيع المساعدات المالية لحالات العسر الشديد وتصنيفها بين فقر مطلق وفقر مدقع». وتطالب أحمد الأونروا بـ«وضع قوانين واضحة في التعامل مع أبناء شعبنا بعيداً عن سياسة التلاعب، إذ لا يمكن اعتبار فقر الدم معيار توزيع مساعدات الأمومة، وخصوصاً أن تلك المساعدات لا تحتوي على فيتامينات أو مواد تقوي دم الأم!».