فيما كان «مجلس الاتحاد» الروسي يجيز للقيادة السياسية بدء العمليات العسكرية في سوريا، أعلنت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّه بوصول أربع طائرات روسية جديدة إلى مطار اللاذقية يوم الاثنين، فقد بلغ حجم الأسطول الحربي المرابط في البلد 32 طائرة من طرازات مختلفة. غير أن مقابلة نشرتها وكالة «نوفوستي» الرسمية مع قسطنطين زيفكوف، أستاذ العلوم العسكرية في أكاديمية الدراسات الجيوسياسية في موسكو، تقدّم تفاصيل إضافية عن المهمة العسكرية الروسية في سوريا، وحجمها ونوعها ودورها المقبل.
بحسب زيفكوف، فإن الأسراب الموجودة حالياً في البلد ليست إلّا أول الغيث، مضيفاً إن روسيا سوف تنشئ في سوريا تشكيلاً جوياً يتراوح حجمه بين 40 و60 طائرة مقاتلة لأداء مهمات القصف، وستكون القاذفتان الأساسيتان في التشكيل من طراز سوخوي - 25 («فروغفوت») للدعم القريب، وسوخوي - 24 («فينسر») للقصف الثقيل، إضافة الى مشاركة «تجريبية» لسرب من قاذفات سوخوي - 34 الحديثة، وطائرات اعتراضية لحماية القاذفات من طراز سوخوي - 30.
هذه «التشكيلة» بدأ إدخالها الى سوريا خفية عن عيون المراقبين الغربيين الذين لم يعرفوا بوصولها إلّا عبر صور الأقمار الصناعية حين كانت قد أصبحت متموضعة بالفعل على مدارج المطارات السورية. وقد صدرت تقارير غربية عدة أخيراً توصّف كيفية نقل الروس مجموعة من طائراتهم المقاتلة ــ شكلت طليعة القوة الروسية ــ إلى مطارات سوريا خلال يومين، خفية عن الرادار وأجهزة الاستخبارات. على المستوى التقني، تتفق أكثر التحليلات على أن «الخدعة» الروسية تمثلت بنقل المقاتلات ضمن «مواكب» جوية، يحوي كل منها طائرة نقل روسية ضخمة ــ كالتي اعتادت زيارة المطارات السورية ــ ترافقها بشكل لصيق أربع مقاتلات أو أكثر. هذا التشكيل، بسبب قرب طائراته من بعضها البعض، يبدو على الرادار كـ«نقطة» واحدة كبيرة، ظنّ المراقبون الجويون أنها تعود لطائرات النقل. كذلك أطفأ الروس أجهزة تمييز العدو عن الصديق على متن المقاتلات، فكانت الرادارات، حين «تستجوب» التشكيل إلكترونياً، لا تتلقى إلا ردّاً واحداً يصدر عن طائرة النقل، فتفترض أنها منفردة في رحلة روتينية.
قاذفات موسكو
«الثلاثي الروسي» في سوريا، إذاً، مكوّن من طائرات مختلفة، تمثّل مجتمعة ترسانة القصف التكتيكي في سلاح الجو الروسي. ويتكهّن البعض بأن من المحتمل أن تستخدم موسكو أيضاً قاذفات ثقيلة وبعيدة المدى من طراز «توبوليف»، ولكنها قد تنطلق من قواعد في روسيا أو القرم. ويحوي الأسطول الروسي في سوريا أيضاً عدداً من الحوامات الهجومية من طراز مي - 24 «هايند» وتطويراته؛ كما أن الإعلان عن مناورات مكثّفة للجيش الروسي، تخوضها وحدات مجهزة بحوامات مي - 28 الحديثة، قد يكون مؤشراً على قرب مجيء هذه الطوافات الى سوريا. هذا الأسطول، بالطبع، تدعمه بنية تحتية للاستطلاع والحماية، يتضمن طائرات مسيّرة ورادارات على متن سفن ومعلومات من أقمار صناعية. أدناه شرحٌ مختصر للطائرات التي يستخدمها سلاح الجو الروسي في عملياته الهجومية والتي ظهرت لها صورٌ في سوريا.

سوخوي - 25


الـ«فروغفوت» هي طائرة دعم قريب، أي أنّها مصممة كي تعمل في قلب ميدان المعركة وتقدّم دعماً نارياً للقوات المشتبكة مع الخصم، مغيرةً على وحدات العدو ومدرعاته من ارتفاعات منخفضة، بحيث يراها الطيار بعينه المجرّدة. لهذه الأسباب، فإن «السو - 25»، كمثيلتها الأميركية «اي - 10»، توصف بأنها قبيحة، بطيئة، ومدرّعة كالدبابة. مهمة الطائرة الأساسية هي أن تنسلّ على ارتفاع منخفض، ثم تقصف قوات العدو برشاشها الثقيل، ما يعرّضها للنيران الأرضية بكثافة. لهذا السبب، فإن الـ«فروغفوت» هي من أكثر الطائرات الروسية تحصيناً ومتانة، بطنها مصنوعٌ بشكلٍ أساسي من مادة التيتانيوم، ومن الصعب إسقاطها بنيران رشاش أو صاروخٍ محمول.
مع نهاية الحرب الباردة، أدخلت تعديلات وتحسينات على السوخوي - 25، حتى تحمل معدات تصويب جديدة، تسمح باستخدام القنابل الموجهة وذخائر ذكية أكثر دقة وأبعد مدى (النموذج الأصلي مجهّز بكاميرا توجيه تلفزيوني موضوعة في أنف الطائرة).

سوخوي - 24


تم إنتاج السوخوي - 24 في السبعينيات كي تكون القاذفة التكتيكية الرئيسية في الأسطول السوفياتي، بحمولة كبيرة وسرعة عالية وأجنحة متحركة، تسمح لها بالقصف من ارتفاعات مرتفعة أو بالطيران المنخفض (فقد كان السيناريو المرجّح في حالة «حرب عالمية ثالثة» ــ تجري على مسرحٍ أوروبي يعج بوسائط الدفاع الجوي ــ أن تقوم القاذفات بالاختراق على ارتفاع منخفض وبسرعة عالية لتنفيذ مهمات القصف تحت مستوى الرادار).
كانت السوخوي - 24 أوّل قاذفة روسية قادرة على توجيه ضربات دقيقة، بمساعدة معداتها الإلكترونية وقبل ظهور «الذخائر الذكية» ــ عوضاً عن النمط القديم في الإغارة الذي يعتمد على مهارات الطيار وشجاعته. حتى النسخ القديمة من سوخوي - 24 كانت تحوي حاسوباً يسمح ببرمجة المهمة قبل الانطلاق في الجو: تبلغه عن الهدف وموقعه، فيرسم لك مسار طيران مناسباً، يتضمن الارتفاع والسرعة، وينبهك الى اللحظة المناسبة لرمي القنابل حتى تصيب هدفها بدقة ــ كما أن بإمكان الطيار الآلي أن يقوم بكثير من هذه المهمات بلا تدخّل بشري.
مثل الـ«فروغفوت»، شهدت الـ«فينسر» تحديثات عميقة مع نهاية الحرب الباردة والاعتماد المتزايد على الذخائر الذكية، فزوّدت القاذفة بمعدات طيران وتوجيه («افيونيكس») تشبه تلك التي في السوخوي - 27 الحديثة، وتم تجهيزها لاستخدام الذخائر الذكية وتوجيهها باللايزر وعبر نظام «غلوناس» الروسي للأقمار الصناعية. لا يزال سلاح الجو الروسي يملك أكثر من ثلاثمئة نموذج من هذا الطراز، منضوية في أسراب عاملة عدة.
999

سوخوي - 30/ سوخوي - 34


هذه الطائرات تمثّل نخبة سلاح الجو الروسي، والمقاتلات الأكثر تقدماً في صفوفه. هي صمّمت لكي توازي أحدث الطائرات الغربية، من الرادار الى الذخائر وقدرة المناورة؛ والسو - 30 ــ نموذج الاعتراض ــ موجودٌ أساساً في سوريا لكي يحمي ويرافق القاذفات في مهماتها. أما السوخوي - 34، فهي النموذج الهجومي من هذا الطراز: قاذفة ثقيلة، بعيدة المدى، مجهّزة لحمل ذخائر كبيرة ــ كالصواريخ المضادة للسفن ــ وتأدية مهمات معقدة، كالهجوم على حاملات الطائرات أو اختراق الأجواء المعادية في العمق.
على عكس كل مشتقات الـ«سو - 27»، يجلس الطيار ومساعده في الـ«سو - 34» في مقعدين متجاورين ــ بما يشبه تصميم الـ«سو - 24» ــ ويستخدمان راداراً قوياً يبلغ مداه أكثر من 300 كيلومتر، وأحدث أجهزة التصويب البصرية المتوافرة في الترسانة الروسية. كما أن الـ«سو - 34» هي طائرة «متعددة الأدوار»، تقدر على حمل ذخائر «جو - جو» متقدمة، وحماية نفسها من طائرات العدو بشكل لم يكن متاحاً في القاذفات التي سبقتها.