اشتد السجال الدولي في شأن قضية اغتيال القيادي في «حماس»، محمود المبحوح، أمس بعد طلب كلّ من دبلن ولندن وباريس توضيحات من السفارات الإسرائيلية فيها، في مقابل إصدار الإنتربول لمذكرة توقيف بحق المشتبه فيهم الـ11 بالعملية

مطالبات دولية بتوضيحات إسرائيلية



أعلن وزير الخارجية الإيرلندي مايكل مارتن أمس أنّ إيرلندا استدعت السفير الإسرائيلي على خلفية قضية استخدام جوازات سفر إيرلندية مزورة من الذين يشتبه بضلوعهم في اغتيال القيادي في «حماس» محمود المبحوح في دبي. ولدى خروجه من الاجتماع، قال السفير زيون إيفروني إنّه أبلغ من التقاهم أنّه «لا يعلم شيئاً عن هذه الواقعة».
كذلك استدعت وزارة الخارجية البريطانية السفير الإسرائيلي في لندن لتقديم تفسيرات بشأن جوازات السفر البريطانية المزورة التي استخدمت في اغتيال المبحوح. وأعلن رون بروسور إثر الاجتماع أنّه «لا يستطيع تقديم معلومات إضافية».
وتوقع وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند تعاوناً كاملاً من إسرائيل في التحقيق. وقال إنّ السفير الإسرائيلي أُبلغ «بأنّنا نريد أن نعطي إسرائيل كل فرصة لكي تتشارك معنا بكل ما تعرفه عن هذا الحادث». ورأى أن استخدام جوازات سفر بريطانية مزوّرة يمثل «إهانة».
من جهتها (بسّام الطيّارة)، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أمس أنّ باريس طلبت «توضيحات من السفارة الإسرائيلية» بشأن ظروف استخدام جواز سفر فرنسي مزور في عملية الاغتيال، ولم تستدع السفير كما هي الحال في العواصم الأوروبية الأخرى. وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو، خلال لقاء دوري للوزارة مع الصحافيين: «نحن نطلب توضيحات من السفارة الإسرائيلية في فرنسا عن ملابسات استخدام جواز سفر فرنسي مزور في اغتيال عضو في حماس في دبي». وقال، رداً على سؤال لـ«الأخبار»، إنّ فرنسا «على تواصل مستمر مع سلطات دبي للاستعلام عمّا آل إليه التحقيق». وشدد على أنّ المعلومات التي بحوزة باريس تشير إلى أنّ جواز السفر، الذي استعمله المتهم الأول بيتر إيليفنجر، هو «مزور».
وفيما طالبت برلين تل أبيب بتوضيحات مماثلة، أعلنت السلطات النمسوية أنّها تحقق في احتمال استخدام أرقام هواتف نقالة نمسوية في الاغتيال. وقال الناطق باسم وزارة الداخلية النمسوية رودولف غوليا: «يمكنني أن أؤكد أنّ مكتب الأمن القومي ومكافحة الإرهاب يجري تحقيقات» منذ 15 شباط. وأضاف: «يبدو أنّ أرقام هواتف نقالة نمسوية استخدمت»، مضيفاً: «نحن في بداية التحقيقات، ونحن على اتصال مع شرطة دبي». من جهته، أكد القائد العام لشرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان مجدداً أمس أنّ جوازات السفر التي استخدمت في عملية الاغتيال صحيحة، واصفاً القتلة والجهات التي تقف خلفهم بـ«الغباء».
وعلق خلفان، في تصريحات نشرتها صحيفة «البيان»، على إعلان بريطانيا وإيرلندا وفرنسا أنّ الجوازات التي استخدمها منفذو الاغتيال مزورة، لافتاً إلى أنّ مسؤولين أمنيين أوروبيين دربوا ضباط الجوازات في دبي على كشف التزوير في الجوازات الأوروبية، بما فيها جوازات الدول الأربع المعنية. وأضاف أنّ هذه الخبرات التي طبقت «لم تظهر تزوير هذه الجوازات».
وأشار قائد شرطة دبي إلى أنّ «هناك أدلة أخرى تمتلكها شرطة دبي غير الأشرطة والصور التي أُعلنت، وأنّ الأيام المقبلة ستحمل المزيد من المفاجآت التي لا يمكن الشك فيها نهائياً».
وطالب خلفان بأن تصدر الشرطة الدولية (الإنتربول) مذكرة للمساعدة في تحديد مكان رئيس «الموساد»، مئير دغان، وإلقاء القبض عليه إذا كانت الوكالة مسؤولة عن قتل المبحوح، وهو ما عدّه أمراً مرجحاً حالياً بنسبة 99 في المئة.
في هذا الوقت، أعلنت منظمة الإنتربول أنها أصدرت مذكرات تفتيش وجلب (مذكرات حمراء) «بحق 11 شخصاً مطلوبين دولياً بعدما اتهمتهم سلطات دبي بتنسيق وارتكاب جريمة بحق الفلسطيني محمود المبحوح القيادي في حماس في دبي في 19 كانون الثاني 2010».
وفي السياق، نقلت صحيفة «البيان» عن «مصادر مطلعة» قولها إنّ أحد الفلسطينيين الاثنين اللذين تحقق معهما السلطات في دبي على خلفية الاغتيال «ضابط برتبة رائد في أمن الحكومة المقالة (حماس)».
وبحسب هذه المصادر، فإنّ الفلسطيني «هرب من غزة إثر اكتشاف حماس لصلته بالاستخبارات الإسرائيلية الموساد وتحوم حوله الشبهات بقوة، إذ تقابل مع أحد عناصر الخلية (التي قتلت المبحوح) في دبي وساعد المنفذين في التأكد من هويته». أما الفلسطيني الثاني فكان بحسب المصادر على علاقة بالأول.
وكان مسؤول أمني فلسطيني قد قال أمس إنّ السلطات السورية اعتقلت في دمشق مسؤولاً رفيع المستوى في الذراع العسكرية في «حماس» يشتبه بتورطه في قضية الاغتيال، الأمر الذي نفته الحركة. وقال المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، «إنّ لدينا معلومات موثوقة عن أنّ القيادي في كتائب القسام، نهرو مسعود، اعتقل في سوريا في الأيام الماضية للتحقيق معه في قضية مقتل محمود المبحوح»، مشيراً إلى أنه «كان مقرباً جداً من رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل». ونفت «حماس» الخبر على لسان منسق العلاقات الفلسطينية فيها في دمشق، طلال نصار، الذي قال إنّ «خبر اعتقال الأخ المجاهد نهرو مسعود هو خبر كاذب وخبر غير صحيح». واتهمت في المقابل رجلين تقول إنهما كانا عضوين في حركة «فتح» بمساعدة إسرائيل في الاغتيال. ويقول مسؤولو الحركة إنّ الفلسطينيين المشتبه فيهما كانا من أفراد قوات الأمن التي كانت تسيطر عليها «فتح» في غزة. وأضافوا أنّ الاثنين فرّا مع نشطاء آخرين وزعماء من «فتح» من غزة بعد معارك الحركتين في 2007.
وردّ مسؤولون من «فتح» بأنّ الرجلين اللذين وزع مسؤولو «حماس» اسميهما عملا في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، إلى أن سيطرت «حماس» على القطاع في حزيران 2007. لكنهم نفوا أن يكون الرجلان لا يزالان يعملان لمصلحة زعمائهما السابقين.
من جهة ثانية، قال مسؤول عربي لـ«الأخبار» في مصر إنّ القاهرة نقلت إلى «حماس» معلومات تفيد بإطلاق الموساد حملة اغتيالات غير معلنة على كوادر الحركة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)

تل أبيب تسعى لاحتواء الأزمة... ودغان باقٍ
علي حيدر
في وقت بدأت فيه بعض الأصوات داخل إسرائيل تطالب باستقالة رئيس الموساد مئير دغان، أعلن مصدر مقرّب منه أن الأخير لا يرى سبباً لترك منصبه، وأنه من غير المرجّح أن يطلب منه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ذلك.
ونقلت وكالة «رويترز» عن المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، قوله «إن دغان ليس لديه نية للاستقالة قبل اكتمال مدة خدمته»، مشيراً إلى أن الاستقالة تعني تحمّل المسؤولية عن الاغتيال، فيما تتبنّى إسرائيل الرسمية موقفاً يوحي بالتنكر للعملية.
وأضاف المصدر «أن نجاح رئيس الموساد في عمليات أخرى ومستمرة ضد حماس وحزب الله وسوريا وإيران سيفوق أي رغبة لدى نتنياهو في مطالبته بالاستقالة، فثمة أولويات وطنية هنا».
وتوقع المصدر، ذو الماضي الاستخباري، أن يعمل الموساد بهدوء على حشد دعم أجهزة الاستخبارات في بريطانيا وإيرلندا وألمانيا وفرنسا، وهي الدول التي استُخدمت جوازات سفر صادرة عنها لتنفيذ عملية الاغتيال، لتخفيف حدة تدقيق سلطاتها مع إسرائيل.
وقال المصدر «قد لا ينجح هذا، نظراً إلى الغضب الذي يبديه بعض وزراء الخارجية... لكن حتى إذا حدثت عملية تشاور داخلية، فقد يكون هذا كافياً لتخفيف حدة تبادل الاتهامات».
ومن المقرر أن يتقاعد دغان، الذي يشغل منصبه منذ عام 2002، نهاية العام الحالي.
وبرغم إجماع المعلّقين الإسرائيليين على الضرر الذي أحدثه الكشف عن نتائج التحقيقات الإماراتية في اغتيال المبحوح، إلا أن مسؤولين رسميين في تل أبيب استبعدوا أمس نشوء أزمة في العلاقات مع الدول التي استُخدمت جوازاتها في العملية. وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، إن «التقديرات في إسرائيل تشير إلى أنه على أثر تطابق الأفكار بين إسرائيل وبريطانيا في ما يتعلق بالحرب على الإرهاب، فإن البريطانيين لن يكونوا معنيين بنشوء أزمة». وهذا ما أكده مراسل القناة الإسرائيلية الثانية في لندن، أمس، ناقلاً عن مصادر مطّلعة قولها إنّ «الأزمة في وسائل الإعلام تبدو أشد بكثير ممّا هي عليه وراء الكواليس»، فيما ذكر مراسل الشؤون السياسية في القناة العاشرة، تشيكو مناشيه، أن «الجهود الاحتوائية التي تبذلها السلطات المختصة في إسرائيل ستنجح على الأرجح في تبديد ما يبدو أنه توتر في العلاقات بين تل أبيب والعواصم الأوروبية ذات الصلة بقضية جوازات السفر».
ورأت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها، أن عملية الموساد رافقها «خلل إهمالي» ينبغي في ضوئه طرح أسئلة قاسية على القيادة السياسية وأجهزة الاستخبارات في إسرائيل. وتساءلت عمّا إذا كان «هدف عملية الاغتيال ونتيجتها في دولة عربية معتدلة يبرّران المخاطرة بانكشاف أساليب العمل الاستخباري الإسرائيلي، أو أن الفرصة التنفيذية للتخلّص من المسؤول عن عمليات في الماضي وتهريب السلاح إلى قطاع غزة في الحاضر، أثارت المنفذين والجهة التي صدّقت عليها، للتخلّي عن جزء من قواعد الحذر».
وانتقدت الصحيفة، ضمناً، توقيت العملية، عندما تساءلت عمّا إذا «كان من المرغوب فيه استفزاز العدو في فترة التوتر الذي تتبادل فيه إسرائيل مع إيران وحلفائها في المنطقة، التهديدات بدلاً من الحفاظ على ضبط النفس وكبح الجماح».
ووضعت «هآرتس» علامات استفهام على مدى الحكمة في اختيار إحدى إمارات الخليج، التي تتشارك مع إسرائيل في الخوف من التهديد الإيراني، لتنفيذ عملية كهذه؟ وغمزت من جهة القيادة التي قررت وصدّقت على هذه العملية، إن كانت قد أخذت في الحسبان مخاطر الانكشاف والقيود التي ستفرض على عمليات مشابهة في المستقبل؟ هذا إلى جانب ما ترتّب على هذه العملية من «مسّ بالعلاقات مع دولة أوروبية صديقة لإسرائيل» استخدم أحد أجهزتها الأمنية جوازات سفرها لاغتيال المبحوح.
وختمت الصحيفة أسئلتها بما إذا كان «من الجدير تعريض حرية وحياة مواطنين إسرائيليين سرقت هوياتهم، على ما يبدو، للخطر»، وحذرت من أن هذه الخطوة قد «تجعل كل يهودي في البلدان الغربية يفكر في الهجرة إلى إسرائيل، يخاف من ربط اسمه بقضايا تجسّس وتخريب في أرجاء العالم، مع كل ما قد ينطوي على ذلك من تشديد في الإجراءات الأمنية في المطارات ومعابر الحدود».
في المقابل، حاولت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في افتتاحيتها، أن تهوّن من الإخفاق الذي وقع فيه جهاز الموساد، بالقول إنه «سبق أن اكتُشفت خلايا للموساد في الماضي، في ليلهامر وعمان ونيوزيلندا وسويسرا وقبرص، من دون أن يترتّب على ذلك أي نتائج، وإن جلّ ما حصل هو استبدال المهمة القتالية لرجال الموساد المكتشفين، بمهمات قيادية، وحلول آخرين بدلاً منهم».
ولفتت «يديعوت» إلى أنه بالرغم من كشف هوية المنفذين، إلا أنه «يمكن إخفاء هوياتهم في حياتهم اليومية، عبر تغيير بعض ملامحهم تغييراً بسيطاً، كحلق لحاهم أو شواربهم أو شعرهم». ودعت إلى الرهان على «العقل اليهودي» في إيجاد حلول لهذه المعضلة.
وحاولت الصحيفة أن تسلّط الأضواء على جوانب النجاح في العملية بالقول إن «العملية نجحت في تصفية المبحوح، وإن المنفذين لم يُقبض عليهم، رغم اكتشاف هوياتهم».
أما في خصوص اكتشاف استخدامهم جوازات سفر لإسرائيليين، فقد أشارت الصحيفة إلى أنه سبق أن حصلت في الماضي أمور مشابهة. وقلّلت من الحرج الذي سبّبته هذه العملية مع كل من بريطانيا وإيرلندا وفرنسا.