إيمان بشير«سكّروا الطريق يا رفاق/ إفتحوا الطريق يا رفاق»، حتى أصبح فتح الطريق المؤدي من السفارة المصرية إلى السفارة الكويتية وإغلاقه السبت الماضي، أشبه بلعبة «فتحي يا وردة.. غمَّضي يا وردة». تركت الرفاق يكملون نقاشاتهم، وجلست إلى جانب الطريق بانتظار أن تنجح أغنية «رصّوا الصفوف، درب النضال طويل طويل» في تركيب بازل (فسيفساء) من آراء الرفاق المشتتة، وذلك في اعتصام لم يتجاوز عدد المشاركين فيه خمسين شخصاً!
لا تُهتز عزيمتي عادةً من جراء اعتصام ضعيف، لكن اعتصام السبت الماضي أحبطني كثيراً. والمشكلة تنظيمية بحتة، فلم نكن قد اتفقنا مسبقاً على الخطوات التصعيدية التي سنتبعها في هذا الاعتصام، وخاصة أننا بالعادة نترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي، لكن مع خمسين شخصاً، مقسومين، لم نعد نعرف إذا كانت «رشّة المي بعدها محرزة»، وخاصة أن مكافحة الشغب «رح تستلقانا متل الصيصان» أي بكل سهولة. كانت المرة الأولى التي أُغادر فيها اعتصاماً باكراً، فبالعادة أكون آخر المغادرين بحيث يُتاح لي أن أتحدث مع عناصر الجيش لأشكرهم على تعاونهم بإقفال طريق لنا، أو لاستفزازهم بأننا انتصرنا بإغلاق مقهى! لكنني غادرت السبت باكراً متجنبة وضع عيني بعيون عناصر الدرك، بعدما وعدنا الملازم بإقفال الطريق ولم يف بوعده. والأكثر من ذلك بعدما سمعت أحد عناصر الاستخبارات وهو يتحدث على الهاتف: «كِلن أربعين واحد إستاذ، منن محرزين. عناصر المكافحة أكتر منن!». وفيما كانت عدسات المراقبين تصورنا بالصوت والصورة بكل وقاحة هذه المرة، غابت وجوهٌ كثيرة مألوفة عن الاعتصام، وحضرت وجوه الناشطين الأميركي والفرنساوي والإيرلندي، في صفوفه الأمامية. وكأن إزالة جدار العار أصبح قضية أنكلو ــــ فرانكوفونية، أكثر منها قضية عربية. «وين الملايين، الشعب العربي وين؟» تقول الأغنية. وين الملايين؟ الملايين نايمين! أليس هذا ظاهراً؟
في طريقي إلى المنزل، اقتربت مني آنسة محترمة بسيارتها الجيب، وبصقت عليّ من شباك سيارتها وهي تقول «همجيين»، ثم دعست على البنزين مولّية! لم أبادر بردة فعل كالعادة، بل أخذت أفكر بأربع ليال مرّت عليّ قبل نهار السبت المذكور، عيناي متورمتان من قلة النوم لأن «ولاد المنطقة»، الجمهور الأزرق، حرموني طعمه على وقع أغان حزبية لعلعت حتى ساعات الفجر الأولى، وذلك تحضيراً للتظاهرة الأخرى، تظاهرة «كرمالك نازلين، نهار الأحد، وبدل المليون هالمرة مليونين». «كرمالك نازلين»؟ «موَعيين الحي للساعة تلاته أو أربعة، شو همّن الناس النايمين! ونحن؟ كرمال فلسطين نزلنا، لا أغاني حزبية، لا رقص ولا طبل، كل ما فعلناه «طريق واحد كِنّا مسكرين!». فمين الهمجيين؟».