حسابات الخرطوم ونجمينا ترجّح السلام ودور سعودي أغرى ديبي بتغيير موقفهجمانة فرحات
اختراق جديد نحو تحقيق السلام في إقليم دارفور تحقّق بعد توصّل الحكومة السودانية إلى جانب «حركة العدل والمساواة» إلى اتفاق إطار لوقف إطلاق النار، والبدء بمفاوضات مباشرة تمهّد الطريق أمام وضع حد نهائي للحرب، التي يعاني منها الإقليم منذ 2003.
وتطرّق الاتفاق، الذي وُقّع بالأحرف الأولى في العاصمة التشادية نجمينا، إلى ثلاثة مواضيع، في مقدمتها وقف إطلاق النار، إضافةً إلى موضوعي تقاسم الثروة وتقاسم السلطة. ويكتسي الاتفاق أهميته من الموقع الذي تمثّله الحركة في دارفور، باعتبارها الفصيل الأقوى في الإقليم على مدى السنوات الماضية.
إلا أنّ هذا الاختراق لم يكن ليتحقّق لولا تهيئة المناخ الإقليمي، وتحديداً إعادة التطبيع إلى العلاقات السودانية ـــــ التشادية، التي واجهت سنوات من التوتر وصلت إلى ذروتها عام 2008، بعدما شنّت «حركة العدل والمساواة» هجوماً دامياً على منطقة أم درمان، إحدى ضواحي العاصمة الخرطوم. هجوم اتهمت الخرطوم نجمينا بدعمه، فيما كانت الأولى تتهم السلطات السودانية بدعم المتمردين التشاديين الذين يريدون إطاحة حكومتها، ما جعل البعض يتحدث عن حرب بالوكالة بين البلدين تمثّل الحركة أحد أطرافها.
وأدّت السعودية دوراً مركزياً في إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين السودان وتشاد، وسط ترحيب قطري وأميركي مشترك. وبدا الدور السعودي جليّاً من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التشادي ادريس ديبي، إلى السودان بعد انقطاع دام ست سنوات، وتخلّلها اتصال مشترك أجراه الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره ديبي بالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز «لشكره على دوره». زيارة ديبي إلى السعودية لم تكن لمجرّد الشكر أو إطلاع المسؤولين السعوديين على تفاصيل الاتفاق، بل أراد في ما يبدو ثمناً ماديّاً للانفتاح السياسي، إذ طلب مساعدات مادية لتنفيذ مشاريع تنموية في بلاده، ما يرجّح وجود صفقة سعودية ـــــ تشادية شجّعت ديبي على الضغط على «حركة العدل والمساواة» لقبول الاتفاق.
ضغط تغلّب على إعلان الحركة بداية الشهر الجاري عن إجراء تقويم لموقفها لتحدد «ما إذا كان ممكناً من الناحية الأخلاقية التفاوض مع حكومة متهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب»، وخصوصاً أنها تدرك أن مصادر دعمها ستجفّ في حال مخالفتها الرغبة التشادية.
وهذا التحسّن في العلاقات بين الخرطوم ونجمينا كان موضع ترحيب من قطر. فالدوحة التي تقود وساطة مشتركة مع الاتحاد الأفريقي، وتستضيف المفاوضات بين الحكومة السودانية والفصائل المتمردة، تدرك مدى أهمية العامل التشادي في تحقيق تقدّم فعلي على صعيد العلاقة بين الحكومة السودانية والحركة، يخرق الجمود الذي أصاب المفاوضات منذ أشهر. الموقف نفسه اتخذته الولايات المتحدة، التي يبدو أنها تسعى، في عهد باراك أوباما، إلى إغلاق هذا الملف كجزء من سياسة مدّ الأيدي إلى الدول المارقة.
ولهذه الغاية، أسهمت واشنطن في تعبيد الطريق أمام التوافق بين السودان وتشاد من خلال إيفاد مبعوثها الخاص إلى الخرطوم، سكوت غرايشن، إلى نجمينا لإقناع رئيسها بإعادة العلاقات مع السودان. وعلى الرغم من أهمية العاملين الإقليمي والدولي، فإنّ هذا الاتفاق بين الحكومة السودانية و«حركة العدل والمساواة» ما كان ليتحقق لولا أن وجدت فيه الدولتان السودانية والتشادية ما يعزّز مصالحهما، وسط إدراك متزايد بأن تحسين علاقاتهما يبدأ بحل مشاكلهما الداخلية المتمثّلة في حركات التمرد في كلا البلدين.
ويحاول الرئيس السوداني، عمر البشير، استخدام الاتفاق ورقةً رابحة في الانتخابات السودانية، ما يفسر التنازلات التي قدّمت من جانب حكومته في ما يتعلق ببحث مسألتي تقاسم الثروة والسلطة، كما تفسر رغبة البشير في تحقيق السلام في الإقليم، المرونة التي أبداها تجاه المعتقلين من الحركة، وإصداره قراراً بإلغاء أحكام الإعدام بحق 104 منهم بالتزامن مع إعلانه نيّته، بدءاً من اليوم، إطلاق ما يقارب ثلاثين بالمئة منهم، على الرغم من أن إصدار هذه الأحكام بالذات سبق أن سبّب مراراً تعثّر المفاوضات في الدوحة.
وهو ما دفع البشير إلى الحرص على التأكيد أن نجمينا لن تكون بديلاً عن مفاوضات الدوحة من خلال توجّهه وديبي أمس إلى قطر، وعقد قمة ثلاثية مع الأمير حمد بن خليفة آل ثاني عشية حفل توقيع الاتفاق رسميّاً، الذي ستستضيفه العاصمة القطرية.
أما الرئيس التشادي، فبات أكثر تجاوباً مع الضغط على «حركة العدل والمساواة» لقبول الاتفاق لأسباب عدّة، في مقدمتها اقتناعه بضرورة التوصل إلى اتفاق يوفّر الهدوء على حدوده الشرقية، وخصوصاً في ظل إصراره على إنهاء مهمة جنود حفظ السلام المكلّفين حماية المدنيين الذين هجّروا من دارفور بحلول منتصف الشهر المقبل. وعلى الرغم من التقدم المحرَز يخشى البعض من عودة سيناريو أبوجا 2006، حينما وقّعت الحكومة اتفاقاً مماثلاً مع فصيل «مني اركو ميناوي» من «حركة تحرير السودان»، وتعاملت مع «حركة العدل والمساواة»، كلاعب ثانوي وهامشي قبل أن تعود الأخيرة وتجبر الحكومة بقوة السلاح على الاعتراف بها بصفتها اللاعب الأهم.
من هنا، تبرز أهمية توسيع مروحة الاتفاق لتشمل معظم الفصائل المشاركة في مفاوضات الدوحة، وتحديداً مجموعتي طرابلس وأديس أبابا، على أمل أن تُقطع الطريق أمام تدخلات إقليمية جديدة تعيد قلب موازين القوى في الإقليم، وبما يسمح بالتوصل إلى اتفاق سلام نهائي في دارفور، يأمل البعض أن يكون الخامس عشر من آذار المقبل موعداً له.