محمد البرادعي افتتح فعليّاً معركة التغيير. رجل الأحلام أو الهوجة الاجتماعية، بدأ بإنشاء آلية ناظمة للحراك المصري للبدء بتعديل الدستور، قبل خوض معركة الرئاسة. معركة لن يقف النظام فيها موقف المتفرّج

وائل عبد الفتّاح
إنها الخطوة الأولى، «الجمعية الوطنية للتغيير»، هذا ما أعلنه الدكتور محمد البرادعي باقتضاب شديد، بعد اجتماع في بيته أول من أمس مع ممثّلي التيارات السياسية وتجمعات المعارضة المصرية.
وتعدّ هذه مفاجأة سياسية لمؤيّدي البرادعي قبل منتقديه، الذين تعاملوا على أنه «رجل أحلام» لا «رجل سياسة»، وهو ما لعبت عليه الدعاية المضادة من نظام حسني مبارك.

قال البرادعي إن الجمعية «تجمّع سياسي مفتوح لكل المصريين من كل الجهات، وإنه اتُّفق على تكوين لجنة تحضيرية هدفها الأساسي وضع آلية لتنفيذ تعديلات في الدستور الحالي وضمان نزاهة الانتخابات المقبلة، ثم وضع دستور جديد لمصر».
وأضاف البرادعي، بعد الاجتماع، مهمة أخرى للجمعية، ألا وهي: «تحقيق العدالة الاجتماعية»، إلى جانب قيادة «التحوّل الديموقراطي» في مصر. وأشار إلى وعي للحظة الراهنة، مؤكداً أن «مصر تمر في مرحلة حرجة، فهناك انتخابات برلمانية في العام الحالي وأخرى رئاسية في العام الذي يليه، وهناك مطالبات ملحّة بالتغيير».
الاجتماع حضرته أكثر من ٣٠ شخصية سياسية، بينها الدكتور المنسّق العام للحملة المصرية ضد التوريث حسن نافعة، ورئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين سعد الكتاتني، ومؤسس حزب الغد أيمن نور، ورئيس حزب الجبهة الديموقراطية أسامة الغزالي حرب، والكاتبة سكينة فؤاد، ود. محمد أبو الغار، وعضوا مجلس الشعب حمدين صباحي ود.جمال زهران، إضافة إلى القياديين في حركة «كفاية» جورج إسحق وعبد الجليل مصطفى، والرئيس الشرفي لحزب الوفد المستشار مصطفى الطويل، والفقيه الدستوري يحيى الجمل، والكاتب والروائي د.علاء الأسواني، ورئيس نادي قضاة الإسكندرية السابق المستشار محمود الخضيري.
طيف واسع من الشرائح الاجتماعية والشخصيّات التي تمثّل أحزاباً سياسية وحركات احتجاج ومرشحين للرئاسة (حمدين صباحي وأيمن نور)، إلى جانب حضور جماعة «الإخوان»، التي قيل إنها تحفّظت على الظهور السياسي للبرادعي.
اللقاء الذي حصل بين «القوى الوطنية» والبرادعي هو أول طريق الاتفاق على السير إلى التغيير بـ«الطريقة السلمية»:
الهدف الأوّلي: ثلاث مواد في الدستور، وبالتحديد المادة ٧٦ الخاصة بشروط الترشيح، و٧٧ الخاصة بفترات ولاية الرئاسة، و٨٨ الخاصة بشروط الترشح إلى مجلس الشعب.
الاتفاق على أن تكون للجمعية الوطنية آلية حركة واسعة بين محافظات مصر تكون حركتها في الشارع ومن أجل تحريك جموع المواطنين للمطالبة بتغيير المواد الثلاث (تمهيداً لإعادة صياغة دستور جديد).
هناك اتفاق أيضاً، كما تسرّب من الاجتماع، على جانب قانوني للحركة، حيث تقيم عدداً من الدعاوى القضائية أمام المحاكم المصرية للمطالبة بتفعيل مواد الدستور الملزمة بتطبيق المعايير الدولية، وذلك طبقاً للاتفاقات الدولية التي وقّعت عليها مصر.
مفاجأة «الجمعية» غيّرت الاتجاه الغالب، ليصبح «تغيير الملعب السياسي» قبل البحث عن «لاعب» أو مرشح رئاسي في مواجهة مرشح النظام، سواء كان مبارك الأب أو
الابن.
التغيير مهم، وخصوصاً أن حركة مضادة من النظام قد بدأت باستعادة جولات جمال مبارك إلى القرى المصرية، حيث زار منذ يومين قرية قصر رشوان وأجرى حواراً مفتوحاً مع الفلاحين، أكد فيه أن «قضية نهضة التعليم ستكون على رأس أي برنامج سياسي لمرشحي الحزب الوطني، سواء في البرلمان أو الرئاسة».
صحف قريبة من النظام، مثل «روز اليوسف»، دافعت عن زيارات

الهدف الأوّلي تعديل ثلاث مواد في الدستور، وخاصة في شروط الترشّح إلى الرئاسة ومجلس الشعب
مبارك الابن باعتباره يمثل «الحركة الحقيقية في الواقع»، في مواجهة «المحلّقين في سموات الأحلام»، والذين «يعملون من البحر طحينة»، وهو تعبير مصري يصف الشخص الذي يكتفي بمجرد الكلام، في تلميح إلى البرادعي، من دون ذكر الاسم مباشرة.
ظهور جمال مبارك مجدداً في الواجهات السياسية يأتي بعد فترة هدوء، تزامنت مع تسريبات من كواليس الحزب الوطني الحاكم تتحدث عن ترشّح الرئيس مبارك في انتخابات ٢٠١١، مدافعاً عن ولايته السادسة. وهو تسريب يمكن تفسيره بأنه محاولة امتصاص الهجمات المضادة لمعارضي التوريث بتطمينهم إلى أن مبارك الأب هو الذي سيخوض الانتخابات لا ابنه. وفي الوقت نفسه، تكررت تسريبات عن خطوة أخرى قريبة تحقق هدف الامتصاص، وذلك بإجراء تعديل دستوري، لكنه بحسب المصادر نفسها، سيقتصر على المادة ٧٧ التي تفتح عدد فترات الرئاسة إلى ما لا نهاية، بينما تنادي المعارضة بتحديدها بمدتين فقط.