strong>السلطة تستنجد بالإدارة الأميركيّة... وإسرائيل تبني 600 وحدة استيطانيّة جديدةلم يعرف المقدسيون أي يوم بانتظارهم، فالحياة بين أسوار مدينتهم المحتلة تحولت منذ زمن إلى مواجهة دائمة، تنفجر في أي لحظة. وكان يوم أمس شاهداً، بعدما دارت مواجهات بين الاحتلال ومتظاهرين فلسطينيين، رفضوا دخول المتطرفين اليهود إلى الأقصى

فراس خطيب
بدأت القدس يوماً تقليدياً في صبيحة أمس: البرد قارس، والأمطار تتسلل بين أزقتها. كان حضور الشرطة والوحدات الإسرائيلية مكثّفاً، وانتشارها واسعاً في أرجاء البلدة القديمة وعلى أبواب المسجد الأقصى، في أعقاب نيّة جماعات يهودية، ادعت شرطة الاحتلال أن أفرادها «سيّاح»، دخول باحات المسجد الأقصى. أمر لم يقبله الفلسطينيون، الذين اعتكف بعضهم داخل المسجد منذ صلاة الفجر لعلمهم بالأمر، وقد تصدوا للجماعات القادمة بحماية الشرطة، ما أدّى إلى اندلاع مواجهات بين الجانبين.
صورة تكرّرت كثيراً في الشهور القليلة الماضية. امتدت هذه المواجهات من الأقصى إلى أروقة البلدة القديمة. شرطة الاحتلال استخدمت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق المحتجين. وقد وصل عدد المصابين إلى نحو عشرين، منهم ستة على الأقل بالرصاص المطاطي، بحسب معطيات نشرها مركز القدس. كما أصيبت سيّدة مقدسية بكسر في ساقها إثر إغلاق شرطة الاحتلال أحد الأبواب عليها.
كذلك اعتقلت الشرطة الإسرائيلية خمسة شبّان في شارع الواد، وآخرين أيضاً عند باب العمود، فيما لم تسلم بيوت محاذية للمسجد من قبضة شرطة الاحتلال، التي اعتلت سطوحها لـ«السيطرة» على الأوضاع.
وبعد ساعات من المواجهات، عاد الهدوء المشوب بالحذر إلى أزقة البلدة القديمة. فالمدينة المقدسة، التي أنهكتها المخطّطات الاحتلالية المتصاعدة، شهدت وتشهد في هذه الآونة توتراً دائماً، تصاعدت حدّته أخيراً في أعقاب تضييق الخناق على أهلها العالقين في أفقها الضيّق. وما شهده المسجد الأقصى أمس، من اقتحام ومواجهاتٍ، ما هو إلا تفصيل طبيعي في يوميات المدينة.
الشرطة الإسرائيلية حدّت من دخول الفلسطينيين إلى الأقصى أمس، واشترطت الدخول لمن تتجاوز أعمارهم الخمسين عاماً. وقال محافظ القدس المحتلة، عدنان الحسيني، إن «مجموعات السيّاح التي دخلت باحات الحرم الشريف تضم مستوطنين»، مضيفاً «لا أعتقد أنّ من يدخل هم سياح، لأن السياح عندما يرون توتراً لا يدخلون. هؤلاء مستوطنون مبرمجون للدخول حتى يخلقوا واقعاً».
من جهته، دعا مفتي القدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى، الشيخ محمد حسين، منظمة المؤتمر الإسلامي إلى «عقد اجتماع عاجل لبحث الأوضاع في مدينة القدس». وقال «إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ترعى الجماعات المتطرفة التي تعيث فساداً في الأراضي الفلسطينية، وهي تتحمل المسؤولية عن عواقب اقتحامها لباحات المسجد الأقصى، الذي يتزامن مع دعوات جماعات يهودية متطرفة لاقتحام المسجد الأقصى المبارك لإقامة شعائر وطقوس تلمودية في باحاته».
وذكرت وكالة «يونايتد برس انترناشونال» أن وفداً من الوقف الإسلامي في الأقصى توجّه أمس إلى الأردن لإجراء محادثات مع مسؤولين أردنيين بشأن الوضع في القدس عموماً، وفي الحرم القدسي خصوصاً.
رسمياً، رأى كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أن «الرسالة واضحة. هم (الإسرائيليون) يحاولون تخريب كل الجهود المبذولة لإحياء عملية السلام. ونحن نطالب الإدارة الأميركية بتدخل فوري لوقف مثل هذه السياسات الإسرائيلية (التوسع الاستيطاني) واقتحام المسجد الأقصى».
بدوره، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة إن «ما تقوم به إسرائيل الآن في المسجد الأقصى يُعدّ جزءاً من حروب تخوضها للهروب من الاستحقاقات»، مشدداً على أن «القدس الشريف والأقصى خطّان أحمران لا يمكن تجاوزهما». وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية «تقوم بهذه الاستفزازات في الوقت الذي تنتظر فيه الردود على الأسئلة الأميركية لاستئناف المفاوضات، عشية اجتماع لجنة المتابعة العربية المقرر انعقادها بعد غد في القاهرة، لتحديد الموقف العربي من عملية السلام».
وكانت صحيفة «هآرتس» قد كشفت يوم الجمعة الماضي أن «السلطات الإسرائيلية وافقت على مشروع بناء 600 مسكن في حي استيطاني في القدس الشرقية». وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون إن قرار إسرائيل هذا «يضرّ بعملية السلام». وأضافت، في بيان لها، إن «الاتحاد الأوروبي يدعو إسرائيل إلى الامتناع عن أعمال استفزازية».
وتزامناً مع هذا الإعلان، شهدت الخليل غضباً فلسطينياً بعدما رشق عشرات الشبان جنوداً إسرائيليين بالحجارة، فردّوا بدورهم بإطلاق الغاز المسيّل للدموع على النشطاء الفلسطينيين الذين كانوا أقل عدداً من الذين اعتادوا التجمع في وقت سابق من هذا الأسبوع.