أغلب منازل مخيمات لبنان، وخاصة مخيم برج البراجنة، مهددة بالسقوط، فالأساسات «المؤقتة» التي بُنيت عليها ضعيفة بالأصل وبعضها لا أساسات لها أصلاً. لذا، تنهار كل فترة أجزاء من أسقف تلك المنازل على رؤوس أصحابها. وكالة غوث وتشغيل اللاجئين تعلم بعدد تلك المنازل المهددة لكن «العين بصيرة واليد قصيرة»
قاسم س. قاسم
«كنا قاعدين وفجأة منسمع صوت ضربة قوية، والأرض عم تهزّ تحتنا، فكرنا شي قذيفة انفجرت أول شي». هكذا يصف خالد محمد السحمراني، وهو يقف خارج محله، لحظة سقوط سقف غرفة صالون جاره في الطابق الأول، القاطن فوقه في مخيم برج البراجنة. يشير التاجر ابن عكار الذي يعمل في المخيم منذ 30 عاماً بإصبعه نحو الطابق الأول وتحديداً باتجاه سقف منزل «جار الهنا» الذي أعيد ترميمه، والظاهر من خلال باب الشرفة المفتوح.
يكمل الرجل الخمسيني روايته «ملأ الغبار المكان، خرجنا من محالّنا لنشوف شو صار، طلع إنو سقف جارنا طبّق عليهم، يعني لو لم تكن العائلة في غرفة النوم ولطف الله لكانت كارثة».
يصمت قليلاً ليضيف «بعدما أخليت الشقة، أعادت العائلة ترميم سقف منزلها على حسابها الخاص، تصوّر أن الأونروا لم تلتفت لمشكلتهم ولم تعمل على إعادة تأهيل سقف بيتهم!». انهيار السقف فجأة دفع سكان المبنى الآخرين «للتأكد من سلامة ومتانة منازلهم وسقوفها وإعادة تدعيم بعضها وترميمه» كما يقول. هكذا، كان انهيار سقف جار السحمراني واحداً من سلسلة انهيارات لاحقة حدثت في مباني المخيم التي لطف الله بمعظمها. فأغلب بيوت المخيم بحاجة للترميم لأن أغلبها بُني من دون أساسات متينة، كما ساهمت حرب تموز وضغط قصف الصواريخ المنهمرة على مدى 33 يوماً على الضاحية الجنوبية بخلخلة تلك المنازل وتصدعها، وخصوصاً تلك الموجودة على مشارف حارة حريك. لكن حظ أهل الحي ممن سبق أن انهارت سقوف منازلهم أو جدرانهم، لم ينله أبو فراس، جارهم في المخيم. فالرجل فُقئت عينه اليمنى بعدما انهار سقف بيته على رأسه وإصابته الحجارة التي تساقطت بالجهة اليمنى من رأسه. أول ما تنظر إليه حين تدخل منزل الرجل هو السقف، يبدو لك بحالة جيدة برغم من أنك لست مهندساً. يخبرك أبو فراس أن السقف «انهار على رأسي عام 2006 فعملت الأونروا على ترميمه مرة أخرى».
مرة أخرى؟ وهل كانت هناك مرة أولى؟ يبتسم الرجل بمرارة «قدمنا طلباً للأونروا ليبنوا لنا منزلنا، وخصوصاً أنه كان مجرد أعمدة قائمة ولم نكن نملك المال الكافي لإكمال البناء». وافقت الأونروا على طلبه لإعمار منزله فبدأ العمل فيه. لكن «المهندس لم يكن يأتي للتأكد من سير العمل، والمقاول كان يقضي نهاره في لعب الورق في أحد مقاهي المخيم» كما يقول أبو فراس. يضيف «كنّا نطلّ على البيت من فترة لفترة، وحين لم يبق من المنزل سوى بناء السقف، غبنا لمدة يومين وعدنا لنرى أن المنزل قد انتهى بناؤه». هكذا، سكن الرجل في منزله مطمئناً إلى أن هناك سقفاً يحميه، لكن ليس لفترة طويلة. إذ بدأت المشاكل تظهر، وخصوصاً في فصل الشتاء، عندما كانت مياه الأمطار تتجمع على سطح منزله فتتسرب و«تنشّ» عليهم. مع مرور الوقت بدأ السقف بالانهيار تدريجياً، فتقدم أبو فراس بطلب للجنتي الهندسة والقضايا في الوكالة، لمعاينة منزله وإعادة ترميمه مجدداَ. فكان الرد يأتيه دائماً «في بيوت تعبانة أكثر من بيتك» كما قال.
مع انهيار «الشقفة» الأولى من السقف تغير ردّ الوكالة التي أرسلت مهندساً لمعاينة المنزل
لكن مع انهيار «الشقفة» الأولى من السقف تغير ردّ الوكالة التي أرسلت مهندساً لمعاينة المنزل. تتدخل أم فراس مقاطعةً زوجها لتقول «بعدما كشف المهندس على الجزء المنهار من السقف طلب منا عدم التوجه لغرفة الجلوس، فابتعدنا عن تلك المنطقة لحين إيجاد الحل المناسب للمشكلة كما قال المهندس». لكن كيف انطفأت عين أبي فراس بعد أخذ الاحتياطات؟ يتذكر الرجل تفاصيل ذلك النهار، «كنت أتفرج على التلفزيون في غرفة الجلوس في نقطة بعيدة عن المنطقة المحظورة، وبينما كنت أقوم لأرتدي ملابسي للخروج سقط جزء من السقف على الجهة اليمنى من رأسي، حينها شعرت بالدم ينزف من عيني اليمنى فعلمت بأنها فُقئت». يصمت الرجل، يخلع نظارته، تختلس النظر إلى عينه الزرقاء، يمسح طرفها، يعيد وضع نظارته ليقول «بعدها هلق قاطرتلي بعيني».
تسأله هل تكفلت الأونروا بعلاجك؟ يضحك الرجل ثم يقول «أنا دافع أكتر من الأونروا، بعتوني على المستشفى الأميركية مرة لأتحكم، دفعوا إشي بسيط، أنا دفعت أغلب التكاليف».
هكذا، بعد سقوط السقف على رأس صاحبه وفقء عينه، عادت الأونروا لتتكفل بإعادة بناء المنزل. لكن هذه المرة لم يفارق المهندس أو المقاول العمال بل إن «المهندس طلب في إحدى المرات من العمال هدم جدار بنوه لأنه لم يكن مطابقاً للمواصفات» يضيف: «كما أنني أنا نفسي لم أفارقهم وبقيت أراقبهم لأنني مش مستعد أخسر عيني الثانية أو حدا من عيلتي إذا وقع علينا السقف». عاد أبو فراس ليسكن في منزله المرمم مجدداً، وحين تسأله هل فكر برفع دعوى قضائية ضد الأونروا، وخصوصاً بالنسبة لفقدان عينه؟
لا ينكر الرجل بأنه فكر في الموضوع كثيراً، وخصوصاً أنه لم يُعوّض له عن عينه، لكنه تردد بعدما استطاع الجيران و«حكماء المخيم» أن يقنعوه بالعدول عن الفكرة، وخصوصاً «لأنني مش بحجم الأونروا هني عندهم محامين وأنا معنديش».
يصمت ثم يقول بأسى «بس مش ناسيلهم اياها بحياتي، انطفت عيني من وراهم، وايش بيتهموني قال أنا كنت حركشت بالسقف ووقع على راسي، معقول احركش بسقف ممكن يوقع وأوقف تحته».


اعتادت الأونروا في كل فترة على إعادة ترميم منازل الفلسطينيين في المخيمات. لكن «إعادة تأهيل المنازل» كانت تتوقف عند غياب التمويل اللازم للمشروع. منذ فترة قدم الهلال الأحمر الإماراتي هبة مالية لإعادة تأهيل منازل مخيم برج الشمالي. في الفترة الأخيرة وفي إحصائية أجرتها الأونروا تبين أن هناك 775 منزلاً بحاجة لإعادة ترميم أغلبها في حالة سيئة للغاية. لكن ما يمنع انطلاق عملية إعاة التأهيل في المخيم هو «انتظار جهة مانحة جاهزة للتبرع، وأول ما يجهز التمويل منبلش» كما يقول أحد موظفي الأونروا.