عمّان ـــ حنين عطااللهعودة: بشوفك اليوم عالسبعة؟
عاصف: مشي أبو العود، بس ليش؟
عودة: بس أشوفك بحكيلك.
ها عودة شو مالك؟ بصراحة يا عاصف بدي منك تختارلي تاريخ. تاريخ؟ اه تاريخ. ولك فهّمني، شو بدك؟ بصراحة بدي أعطي وردة للينا. بالله؟ وشو دخل الوردة بالتاريخ؟ يا عاصف المرة الماضية اعطيتها وردة راحت رجعتلي اياها وقالتلي بدل ما تعطيني اياها روح حطها على قبر الشهدا اليوم ذكرى قانا. الله يصلحك يا عودة ما لقيت غير هاليوم؟ بتعرف عمها استشهد بقانا. شو بدي اعمل يا عمي صدفت. طيب خلص تكرم عينك هلا بنلاقي تاريخ مليح، يا ريت يا عاصف خصوصاً انها مش مخلاية تاريخ أسود يعتب عليها الله وكيلك، كل يوم والتاني بتحيي ذكرى اشي.
بدأوا يقلبون التواريخ، فوجدوها هي التي تقلبهم، وتقلب جراحهم وتحاول إيقاظ ذكريات مؤلمة كانوا قد أوهموا أنفسهم بنسيانها. قلبوا التواريخ فوجدوا أول ذلك الشهر ذكرى استشهاد فلان ووسطه ذكرى مجزرة ذلك المكان وآخره ذكرى مذبحة حصلت في يوم من الأيام. قلبوا الصفحات فنقلتهم من نكبة لمجزرة، من مذبحة لاغتيال من استشهاد لسقوط قادة لطحن آمال أطفال، من حصار لمنع تجوال لقصف لدمار. وجدوا الصفحات مثقلة بالألم مبللة بدموع الأرامل والثكالى والأيتام، وجدوها كما لو أنها كلها صفحة واحدة. فبرغم أن ما فيها من نصوص مختلف، إلا عنواناً ببصمة إسرائيلية كان أعلى كل صفحة وتوقيع بدماء فلسطينية كان يطرز آخرها. ولم تستثن سوى بضع صفحات نجت بعذريتها لم تتلطخ بالدماء، ولم تشوه بذكرى مأساة.
نظر كل منهما لعيون الآخر، فوجد أن فيها دموعاً توشك على السقوط. فقد مر ستون عاماً من الاحتلال وما زال التاريخ يسمح لها بأن تمدد عاماً آخر، برغم أن دماء الشهداء الذين سقطوا تكفي لأن تمحو محتلنا عن أرضنا، رغم أن الأيدي التي كبّلها بالأصفاد تكفي لأن تصفعهم، لأن تُنهيهم واحداً تلو الآخر. الجديد أننا لم نكتف بما تسببه الهمجية الإسرائيلية من آلام، بل صممنا على أن نزيد من جراحنا، وأن نفتح للدم منفذاً آخر، فاقتتلنا داخلياً وانقسمنا انقساماً غبياً، وجّهنا البندقية لأبناء الأرض بدلاً من أن توجه إلى من احتل الأرض. ففتحنا لنا في سجل الزمن صفحة عار ملطخة بدماء من سقط نتيجة الاقتتال الداخلي.
شو يا عاصف شكلو فش تاريخ؟ لا والله يا عودة، شكلو ما ضل تاريخ! كل تاريخ تاريخ أسود. اعطيها اياها اليوم أو بكرة رجعتها أو لا، حقها. قلبها مش مستعد يمسك وردة وهو عندو جروح ما بتنعد. إحنا شعب انكتب علينا ما نكون متل العالم! انكتب عليه من يوم النكبة كل يوم نكبة.