القاهرة | في خطوة تعكس استمرار الصراع الداخلي في قيادة «جماعة الإخوان المسلمين» في مصر، وتحديدا بين القادة القدامى المحسوبين على مكتب الإرشاد، والجدد المحسوبين على «مكتب الإخوان في الخارج»، أوقعت الجماعة المراقبين في حيرة بشأن بيان صدر عبر البريد الرسمي للجماعة، وأُرسل إلى الصحافيين، ثم عاود الموقع الرسمي لـ«الإخوان» نفي ما ورد فيه.
البيان، الذي صدر بعنوان «بيان يكتبه الإخوان»، كان كما يبدو رداً على مقالة لأستاذ العلوم السياسية خليل عناني، بعنوان «بيان لم يكتبه الإخوان»، وفي خلاصته مطالبة للجماعة بـ«مراجعة موقفها ونبذ العنف وتصحيح العلاقة بالفرقاء السياسيين»، وهو يشبه ما تبناه البيان الذي جرى نفيه.
وفق البيان، فقد أعطت «الإخوان» أعضاءها حرية تكوين أو الانضمام إلى أحزاب أخرى بخلاف «الحرية والعدالة» (المحلول)، حتى إن لم تشترك في المرجعية الفكرية والأيديولوجية للجماعة، وذلك على عكس الحظر السابق، بل إنه جرى فصل من انضموا إلى أحزاب أخرى. كذلك دعا البيان الحزب إلى «مراجعة أخطاء الجماعة منذ الوصول إلى السلطة وتصحيحها، مع الفصل التام الإداري والتنظيمي بين الجماعة والحزب، وعودة الجماعة لدورها التربوي والدعوي، مع التزامها القوانين المحلية».
أيضاً، تبرأ البيان من العنف معلنا التزام المنهج السلمي التاريخي للجماعة، وقال إن عكس ذلك هو خروج عن الجماعة، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «مواصلة الحراك بكل القدرات لإسقاط مسار 3 يوليو 2013 والانقلاب على الديموقراطية».
البيان المذكور لاقى ترحيباً من قطاع واسع من المراقبين والمهتمين بالشأن المصري، وخاصة المحسوبين على صفوف المعارضة للنظام الحالي، قبل أن تنفيه الجماعة مع تأكيد أن المواقف والبيانات الرسمية تصدر من «الموقع الرسمي والصفحة الرسمية وصفحة المتحدث الإعلامي»، وهو ما يعني أن الموقف الإخواني الحالي هو رفض البيان المرسل من البريد.
بغض النظر عن التفصيل المتعلق بطريقة العرض الرسمية، فإن محتوى البيان يعكس فعلياً جوهر الصراع بين الفرقاء داخل الجماعة، ويكشف أن اختزال الصراع بين فريقين أحدهما مؤيد للعنف والآخر يرفضه، هو «اختزال مخل»، وخاصة أن البيان تبنى وجهة نظر ثالثة، تختلف عما يطرحه الطرفان المتصارعان (فريق المحمودين عزت وحسين ومعهما إبراهيم منير، وفريق أحمد عبد الرحمن ومكتب الخارج في تركيا).
وبالتوازي مع البيان، فإن قراءة معطيات الواقع المصري تكشف أن فريق عزت وحسين، سيطر على مقدرات الجماعة وأزاح خصومه من الطرف الآخر عن قيادة الجماعة، وهو ما يكشفه تراجع العمليات ضد منتسبي الجيش والشرطة التي كانت تسميها الجماعة «العمليات النوعية»، نتيجة إحكام الفريق الأول سيطرته على قطاع واسع من التنظيم، إضافة إلى الضربات الأمنية العنيفة ضدهم، ونجاح الأجهزة في القبض على أكثر من خلية متورطة في أعمال عنف برغم النفي الرسمي للجماعة، وإن كان هذا لا ينفي اختلاق بعض القضايا.
أيضا، فإن الجماعة عقدت جلسات «توضيح رؤية» لمنتسبيها وشجبت فيها ودانت العنف، ثم جرى تغييب واضح للمتحدث الإعلامي، محمد منتصر، المحسوب على مكتب الخارج، وكان قد دعا في وقت سابق إلى «ثورة تجتز الرؤوس». وتبين أن الخطوة التالية بعد سيطرة جناح عزت وحسين هي «قصقصة» أجنحة فريق عبد الرحمن المسيطر على المنافذ الإعلامية، وخصوصاً في الخارج، وهو ما تجلى في وقف قناة «مصر الآن» نهائياً، والسيطرة على الأصوات الإعلامية للجماعة وإخضاعها للقيادة القديمة العائدة مرة أخرى.

محتوى البيان المنفيّ يعكس جوهر الصراع بين الفرقاء داخل الجماعة


أما في الأيام الماضية، فدخل طرف آخر في صراعات الجماعة، هم الطلاب، الذين تعدّهم «الإخوان» الرافد الأول والأهم لديها، وخصوصاً أنهم أصحاب البعث الثاني للجماعة في السبعينيات، بعد سماح الرئيس الراحل أنور السادات لهم بالعمل والحركة.
بغض النظر عن أن عدداً كبيراً من القادة الطالبيين الإخوانيين، المنضوين في تكتلات تنوعت مسمياتها، أُلقي القبض عليهم وحوكموا، كما أنهم فصلوا من الجامعات كلياً، واضطروا إلى السفر هرباً من الملاحقة الأمنية أو لاستكمال الدراسة، فإن الجماعة اعتمدت على التظاهرات في الحرم الجامعي طوال العامين الماضيين، وهو ما بات يرفضه قطاع واسع من طلاب «الإخوان» الآن.
رفْض الطلاب خرج للعلن للمرة الأولى في بيان طلاب جامعة المنوفية «ضد الانقلاب» الذي رأى أن من السذاجة تكرار الأشياء بالطريقة نفسها وانتظار نتائج مختلفة بعد تعداد «تضحيات الطلاب للدفاع عن الثورة والحرية»، كما هاجم البيان «دولة العسكر الشائخة التي قابلت الحراك الطالبي عبر القتل والسجن والقمع والمطاردة والفصل والاعتقال والتغييب القسري والقتل داخل الجامعة»، وهاجم كذلك إدارات الجامعات التي «فرطت في شرفها وشرف الجامعات».
فوق ذلك، هاجم البيان دون أن يسمي قادة الإخوان «القدامى» بالقول «لكُلّ زمانٍ رجال، ولكُلّ مسارٍ ميدان، ولكُلّ مرحلةٍ مُتطلبات، وإن الحمقى فقط هم من يتمسكون بوسائل تجاوزها الواقع على حساب الغاية وحساب جنودهم».
حتى الآن، لا تشير تفاعلات «الإخوان» إلى نهاية يمكن توقعها، فيما تذهب الإشارات الواردة من داخل الجماعة إلى أن كل ما خرج إلى السطح هو قمة جبل الجليد، وأن الغاطس منه أكبر بكثير.



«الإخوان» و«النور» لن يشاركا في انتخابات المحامين والأطباء

قررت «لجنة المحامين» في «جماعة الإخوان المسلمين»، وقف المشاركة في انتخابات نقابة المحامين المقبلة، أحد معاقل العمل النقابي للجماعة إضافة إلى النقابات الطبية. وخلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك كانت النقابات المهنية أهم ساحات العمل السياسي للجماعة، وكانت المحك الأبرز لقطاع واسع من قادتها. وحتى بعد عزل محمد مرسي أصرت «الإخوان» على النزول في انتخابات نقابة الأطباء، وهو قرار شهد رفضا واسعا داخلها، لكنها تلقت هزيمة كبيرة للمرة الأولى في الانتخابات النقابية، التي كانت تحسم مقاعدها بأريحية تامة، فيما تترك مقعد النقيب لشخصية توافقية ترشحها الحكومة وتقبلها الجماعة في إطار حرص الطرفين على «عدم الصدام».
أيضاً، قرر محامو حزب «النور» السلفي وقف المشاركة في الانتخابات المزمعة في تشرين الثاني المقبل، وإن كانت هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها «النور» موقفه «المؤسسي» من الانتخابات النقابية، حيث لم يعرف عن الحزب حتى الآن وجود لجان نقابية في هيكله التنظيمي.