إعداد: جمانة فرحاتعوامل عديدة داخلية وخارجية أسهمت في جعل الأراضي اليمنيّة تربة خصبة لتنظيم «القاعدة»، الذي حوّلها أخيراً إلى منطلق لعملياته الإقليمية والدولية. تطورات لم يكن من المتوقع أن تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي أمامها، بعدما أثبت اليمن على مرّ السنوات الأخيرة عجزه عن مواجهة هذا التهديد، الذي تحوّل إلى خطر على الأمن القومي الأميركي
مثّل تبني تنظيم «القاعدة» في اليمن محاولة تفجير الطائرة الأميركية فوق ديترويت يوم عيد الميلاد، وتزايد الإشارات إلى ارتباطه بهجمات على الولايات المتحدة، فرصة لتسليط الضوء على تحوّل هذا البلد إلى قاعدة ارتكاز مركزية لتنظيم «القاعدة»، مستغلاً مشاكل هذه الدولة وموقعها الاستراتيجي في الجزيرة العربية؛ إطلالتها على البحر الأحمر، وقربها من شبه الجزيرة العربية.
وبدأ «القاعدة» ينظر إلى اليمن على أنه خيار استراتيجي بديل لعناصره بعد جملة من التطورات، كانت آخرها الحملة التي شنتها السلطات الباكستانية على منطقة القبائل في وزيرستان لملاحقة أعضاء التنظيم. ومع تضييق الخناق عليهم، بدأ العديد من عناصر «القاعدة»، الذين تنقلوا منذ غزو أفغانستان في عام 2001 بين أفغانستان والعراق قبل إعادة تمركزهم على الحدود الأفغانية الباكستانية، البحث عن بلد جديد يتخذونه مقراً لهم.
في هذه الأثناء، ظهرت إشارات إلى التنسيق المتزايد بين قيادات «القاعدة» في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان من جهة، واليمن من جهة ثانية، وفقاً لما أكده منسق لجنة رقابة المقاطعات الخاصة بـ«القاعدة» و«طالبان» في الأمم المتحدة، ريتشارد باريت.
إشارات سرعان ما تحولت إلى وقائع عجز اليمن، بتعقيداته ومشاكله، عن احتوائها والتعامل معها، ما جعله يمثّل تحدياً جديداً للإدارة الأميركية في حربها على الإرهاب. وما يعقّد المشهد في اليمن مجاورته للصومال، الذي يشهد بدوره حرباً أهلية يستغلها «القاعدة» للانتشار في البلاد، الأمر الذي يهدد بنجاح التنظيم العالمي في السيطرة على أبرز دول القرن الأفريقي، وخصوصاً بعد الحديث عن تعاون بين المتشددين في الصومال واليمن، ومعلومات تؤكد وجود عدد من الصوماليين في معسكرات التدريب التابعة لـ«القاعدة» في اليمن.
عوامل دينية لوجستية جعلت من اليمن خياراً استراتيجياً لـ«القاعدة»
وإذا كان الظهور الحالي للتنظيم عبر تبنّي عملية ديترويت هو الأكثر جذباً للأنظار، إلا أن لليمن قصة طويلة مع التنظيمات الإسلامية مهّدت لنشأة «القاعدة» على أرضه. قصة تعود بداياتها إلى ثمانينيات القرن الماضي؛ فعلى غرار معظم الدول العربية، انتقل العديد من أبناء اليمن، إلى جانب زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن صاحب الأصول اليمنية الحضرمية، إلى أفغانستان للمشاركة في قتال الاحتلال السوفياتي. ومع انتهاء الحرب، رحبت الحكومة اليمنية بعودة مواطنيها وعمدت إلى احتضان العديد منهم داخل مؤسساتها. وسمحت السلطات أيضاً لـ«الأفغان العرب» بالمكوث في اليمن في إطار اتفاق ضمني قضى باستقبالهم في مقابل تعهدهم التزام «سلوك حسن» على أراضيه. ومثّلت المناطق الجنوبية، التي ينتمي معظم «المجاهدين اليمنيين» إليها، مركزاً أساسياً لاستقرار العائدين من أفغانستان.
وسرعان ما استغل النظام علاقته بهؤلاء المجاهدين للاستفادة من خبرتهم للقتال إلى جانبه في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في عام 1994. وقاتل المجاهدون بشراسة في المعارك، على اعتبار أن الحزب الاشتراكي كان في نظرهم خصماً أيديولوجيّاً بالدرجة الأولى، لطالما أرّقت سيطرته على جنوب البلاد زعيمهم بن لادن. وبعد هزيمة الجنوبيين، كافأت الدولة ـــــ سواء برغبة منها أو بالضغوط ـــــ المجاهدين باستيعابهم في مؤسساتها الأمنية، بهدف «درء خطرهم».
إلا أن صفقة السلطات مع المجاهدين لم تصمد كثيراً، وتعرّضت للخرق مرات عديدة، بدأت في عام 1992 تحت راية «تنظيم الجهاد الإسلامي»، الذي تورط عناصره المتحصنين في الجبال بارتكاب أعمال عنف تركزت في مدينة عدن، واستهدفت المواقع السياحية والأجانب، بمن فيهم قوات المارينز الأميركية المتمركزة في فندق عدن. بعد ذلك، ظهر ما يعرف باسم «جيش عدن أبيَن الإسلامي» في منتصف عام 1997 بزعامة زين العابدين أبي محسن المحضار، الملقب بأبي الحسن. وسرعان ما أعلن التنظيم تأييده لأسامة بن لادن وتنظيم «القاعدة»، عقب الضربة العسكرية الأميركية التي تعرض لها معسكر الأخير في أفغانستان. ومن أبرز عمليات التنظيم اختطاف مجموعة من السياح الغربيين في عام 1998، تخللتها اشتباكات مع القوات الأمنية أدّت إلى اعتقال المحضار وإعدامه. وبموت المحضار، انتقلت زعامة التنظيم إلى أبو علي الحارثي، الذي كان من ضمن اليمنيين الذين حاربوا في أفغانستان. وتمكن الحارثي من تسجيل أولى العمليات «النوعية» لتنظيم «القاعدة» في اليمن، إذ يوصف بأنه من العقول المدبرة للهجوم على المدمرة الأميركية «كول» في عدن أواخر عام 2000، قبل أن يتمكن التنظيم في عام 2002 من استهداف ناقلة النفط الفرنسية «ليمبورج» في مدينة المكلا في حضرموت.
وما بين العملتين، وقعت أحداث الحادي عشر من أيلول في 2001. وتحت وطأة الضغوط الأميركية، اضطرت الحكومة اليمنية إلى تبني نهج أكثر تشدداً تجاه جميع المجاهدين، فاعتقلت البعض ورحّلت البعض الآخر. إلا أنها فشلت في اعتقال الحارثي، فما كان من الولايات المتحدة إلا أن اغتالته بواسطة صاروخ أطلقته طائرة من دون طيار خلال تنقله مع ستة من أفراد «القاعدة» في محافظة مأرب أواخر عام 2002.
وبعد تيقّن صنعاء من تلقي «القاعدة» ضربة موجعة بمقتل الحارثي واعتقال خليفته محمد الأحدل في اواخر عام 2003، بدأت بالإفراج عن عناصر التنظيم على وقع ضغوط محلية. وألفت لجنة تضم عدداً من رجال الدين اليمنيين للتحاور مع المعتقلين، بهدف «تصحيح أفكارهم المغلوطة عن الإسلام، وتنقيتها من الغلو والتطرف والنزوع للعنف والإرهاب»، ثم أفرجت عن معظمهم على مراحل، ليتبين لاحقاً فشل التجربة.
وتزامن إطلاق المعتقلين مع تحولات إقليمية جذرية. تحوّلات جسدتها الحرب التي كانت الولايات المتحدة قد بدأتها في أفغانستان والعراق. وآثر العديد من المفرج عنهم، إلى جانب مجموعات أخرى من اليمنيين، التوجه من جديد لمحاربة الغزو الأميركي في أفغانستان والعراق، وهو ما يبرر الرقم المرتفع لليمنيين في معتقل غوانتانامو، ومن ضمنهم ناصر الوحيشي، الذي يتولى عملية إعادة تعزيز «القاعدة» في اليمن.
فالوحيشي، الذي اعتُقل أواخر عام 2003 أثناء محاولته الانتقال من أفغانستان إلى العراق عبر إيران وتسليمه إلى السلطات اليمنية، ما هو إلا السكرتير السابق لبن لادن. وجرت مبايعته من داخل السجن أميراً للتنظيم قبل فراره في شباط 2006. لكن لم يُعلَن توليه القيادة رسمياً إلا في حزيران 2007.
والوحيشي، الملقب بأبو نصير، أدى ـــــ بصلاته القديمة مع بن لادن ـــــ دوراً مركزياً في إعادة تنشيط خلايا «القاعدة». وشنّ في عام 2007 حملة جديدة من الهجمات العنفية على المؤسسات الحكومية والنفطية، فضلاً عن استهداف الأجانب والسياح، مستفيداً من المشاكل التي كانت قد بدأت تتفاقم في اليمن من خلال الحرب التي تجددت مع الحوثيين في الشمال.
وتجدر الإشارة إلى أن فرار الوحيشي من السجن ترافق مع تعمّد بن لادن وأيمن الظواهري تكرار التطرق إلى اليمن ودوره في المعركة مع «الصليبيين»، على الرغم ممّا أُشيع عن أن الظواهري لم يكن موافقاً في البداية على تولي الوحيشي إدارة الفرع اليمني.
إلا أن الاعتراض تلاشى، على ما يبدو، بعدما تمكن الوحيشي من جذب أعضاء «القاعدة» في السعودية للفرار باتجاه اليمن، مفسحاً في المجال أمام الاندماج بين الفرعين السعودي واليمني الذي أُعلن في الشهر الأول من عام 2009، تحت اسم «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية».
اندماج مهّدت له القطيعة التي أحدثها الوحيشي مع الجيل الأول من المقاتلين اليمنيين، الذين اتهمهم بعقد صفقة مع الحكومة اليمنية، إضافة إلى الحملة التي كانت تشنها السعودية على عناصر «القاعدة» على أراضيها. وسبق الاندماج أيضاً فرار المعتقل السعودي السابق في غوانتانامو سعيد علي الشهري، باتجاه اليمن. وسرعان ما تحول الشهري، بفعل خبرته القتالية، إلى القائد الميداني للتنظيم، ما جعل البعض يربط بينه وبين تصاعد عمليات التنظيم منذ منتصف عام 2008.
وأسهمت البيئة اليمنية في تهيئة البلاد لتجذب عناصر «القاعدة»، وخصوصاً في المرحلة الأخيرة بعد عودة المقاتلين اليمنيين من العراق بسبب استقرار الأوضاع في بلاد الرافدين إلى حدٍّ بعيد، ومحاولة العناصر الموجودة في منطقة القبائل في وزيرستان الانتقال إلى اليمن هرباً من الحملة التي تشنها السلطات الباكستانية.
ولليمن بعدٌ معنوي بالنسبة إلى «القاعدة»، بوصفه موطن زعيمه بن لادن، الذي تنحدر أسرته من قرية الرباط في حضرموت وتعود في أصلها إلى قبيلة كندة. كذلك فإن بن لادن تزوج أمل الصداح اليمنية الأصل في عام 2000، ما سمح له بحصد المزيد من التعاطف لدى القبائل الجنوبية المعروفة بتدينها، وبأعرافها التي تمنح الحماية لكل من يلجأ إليها.
ويؤدي العامل الديني بُعداً إضافياً في انتقاء «القاعدة» لليمن ملاذاً له، على اعتبار أن مقاتلي اليمن هم الأفضل. تفضيل يُرجعه منظّرو التنظيم إلى حديث يُنسب إلى النبي محمد يقول فيه «يخرج من اليمن اثنا عشر ألف مقاتل ينصرون الله ورسوله، وهم من أفضلنا».
ولعل الكتاب الذي نشره أحد منظري التنظيم، المدعو عمر عبد الحكيم في عام 1999 بعنوان «مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم»، يلخص نظرة «القاعدة» لليمن.
السلطات اليمنية استعانت بعناصر التنظيم في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب
وتحدث عبد الحكيم، الملقب بأبو مصعب السوري، عن وجود ثمانية عوامل تجعل من اليمن ذا أهمية لا يمكن الاستغناء عنها، في مقدمتها العامل الديموغرافي، و«طبيعة البلاد الجبلية الحصينة»، فضلاً عن «الحدود المفتوحة»، والجبال والصحاري الشمالية التي «توفّر الطرق إلى كل بقاع الجزيرة (العربية) في نجد والحجاز ومسقط وبلاد الخليج»، والسواحل البحرية المطلة على الجزر والبحار في البحر الأحمر وخليج عمان وبحر العرب وتحكّمها بمضيق باب المندب.
وادراكاً منه لأهمية القبائل اليمنية، شدد عبد الكريم على أهمية استغلال «الشعور بالظلم والغبن» المنتشر بين أفراد القبائل في «تحريك الناس للجهاد».
هذه العوامل عمد الوحيشي إلى تطبيقها إلى أبعد الحدود. فلعب على وتر خلافات القبائل الجنوبية، التي تتبع المذهب السُّني، مع أركان السلطة الذين يتبعون المذهب الزيدي لاستمالة القبائل إلى جانبه. ودعاها في تسجيل صوتي، بُثَّ على الإنترنت في شباط العام الماضي، إلى مواجهة القوات الحكومية، متحدثاً عن حملة عسكرية يجري الإعداد لها في المناطق القبلية بدعم من السعودية والغرب لضرب «القبائل بحجج واهية كاذبة مقصدها الحقيقي كسر هيبة القبائل، ونزع سلاحها والسيطرة على أرضها».
كذلك أبدى التنظيم تفهمه للمطالب الانفصالية لأبناء الجنوب، لاستدرار تعاطفهم، واستغل المشاكل الاقتصادية التي يعانيها اليمن وارتفاع نسبة البطالة بين الشبان لاستقطابهم إلى صفوفه.
وتمكن الوحيشي عبر هذه الاستراتيجية من توفير انتشار عناصره في المناطق الجنوبية بعيداً عن تضييق السلطات، وأنشأ عدداً من معسكرات التدريب في حضرموت وأبين وشبوة وأرحب والجوف ومأرب، تتولى إعداد المقاتلين لتنفيذ مهمات في الداخل والخارج. أما في شمال اليمن، وعلى وقع الحروب الست التي شهدتها البلاد بين السلطة والحوثيين، فمثّلت الحدود اليمنية السعودية هدفاً للتنظيم لإرسال متسلليه باتجاه السعودية، التي تقع ضمن دائرة استهدافاته.
تسلل كانت صحاري محافظات حضرموت والجوف، التي يعجز حرس الحدود اليمني والسعودي عن ضبطها، لكونها مترامية الاطراف، منطلقاً له، مستفيداً من خبرة القبائل في هذه الصحاري.
في ظل هذه الوقائع، نجح التنظيم خلال العامين الماضيين في تنفيذ عدد من العمليات المتنوعة. فشهدت الأشهر الأولى من عام 2008، استهدافاً للمصالح الغربية، بما في ذلك السفارة الأميركية والإيطالية. ليبدأ منذ شهر أيار وحتى شهر آب بالتركيز على استهداف المصالح الحكومية، وأبرزها الهجوم على مركز أمني في منطقة سيئون حضرموت، يتولى تدريب قوات مكافحة الإرهاب. واختتم التنظيم هجماته لعام 2008 باستهداف مدوٍّ للسفارة الأميركية في أيلول كان أغلب ضحاياه من اليمنيين.
أما في عام 2009، فسلطت محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي لمكافحة الإرهاب، الأمير محمد بن نايف، في آب الماضي ومحاولة تفجير طائرة ديترويت، الأضواء على الأهداف الإقليمية والعالمية للتنظيم، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام تحول اليمن إلى الجبهة التالية في الحرب على الإرهاب.


اغتيالات واعتقالات

استطاعت السلطات اليمنية بين الحين والآخر تحقيق اختراقات في مواجهة تنظيم «القاعدة» في اليمن. وتمكنت خلال الأسبوعين الماضيين، عبر توجيهها عدداً من الضربات الجوية، من قتل عدد من عناصره، بينهم المسؤول عن معسكر التنظيم في منطقة المعجلة في أبين، محمد صالح محمد علي الكازمي، ومسؤول التنظيم في المنطقة، محمد أحمد صالح الكلوي، اللذان كشفت السلطات اليمنية أنهما كانا وراء التهديدات ضد السفارة الأميركية، إضافة إلى كل من هاني الشعلان المعتقل السابق في غوانتانامو. كذلك اعتقلت ثمانية أشخاص يشتبه بارتباطهم بالتنظيم، كان آخرهم الثلاثة الذين أُعلن اعتقالهم أول من أمس في أحد المنازل بالقرب من العاصمة اليمنية صنعاء. وسبق لها أن ألقت القبض على المسؤول المالي للتنظيم حسن حسين بن علوان.
ولا يزال البحث جارياً عن عدد من القياديين الفارين، وفي مقدمتهم قاسم الريمي، الذي ظهر أخيراً في شريط مصور يتوعد بالانتقام لضحايا الغارات، ومحمد أحمد الحنق، وحزام المجلي، والإمام أنور العوقلي، الذي اشتبه في أنه قتل في إحدى الغارات.


«مذكّرة شكر جهادي حار لتشيني»مسؤولية وصفها غينسبرغ بأنها «شبه صفقة» ساعد تشيني خلالها في إطلاق عدد من معتقلي غوانتنامو، وتحديداً السعوديين منهم لتحقيق هدفين؛ الأول مرتبط بمراعاة مصالح شركته «هاليبرتون» في السعودية، فيما الثاني كان يراد منه السماح للسطات في الرياض ببدء التجارب على برنامجها لإعادة تأهيل المتشددين الذين كانت السلطات الأميركية تعتقلهم في غوانتنامو.
ورأى السفير الأميركي، في مقال نشر على موقع «هوفنغتون بوست» الإلكتروني في الرابع من الشهر الحالي، «إنها حقيقة معروفة جيداً في واشنطن أن نائب الرئيس ديك تشيني دبر بفخر جميع الأمور في غوانتنامو، مجيزاً التعذيب ومحدداً هوية المفرج عنهم». وأضاف «فليكن مفهوماً بوضوح أن عودة تنظيم القاعدة للظهور في اليمن يمكن، في جزء كبير منه، إرجاعه إلى ديك تشيني نفسه».
وأوضح غينسبرغ أنه في عام 2007، أذن نائب الرئيس شخصياً بإطلاق سراح أحد عشر سعودياً من غوانتنامو، من الذين قطعوا برنامج التأهيل الذي أخضعتهم له السعودية للانضمام إلى تنظيم «القاعدة» في اليمن. وذكّر بما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في شباط 2009 نقلاً عن مسؤولي مكافحة الإرهاب الأميركيين، تأكيدهم أن أحد الذين سمح تشيني بالإفراج عنهم هو السعودي سعيد الشهري، الذي أصبح نائباً لزعيم تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، والذي يعتقد أنه وراء الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأميركية في أيلول من عام 2008.
ووفقاً لغينسبرغ فإن 14 في المئة من معتقلي غوانتنامو الذين أفرج عنهم عن طريق تشيني، وعددهم 74 من أصل 530 معتقلاً، اكتُشف أو اشتُبه بإعادة انخراطهم مرة أخرى في أنشطة الإرهاب. واعتبر أن تشيني، الذي «أذن بالإفراج عن إرهابيين متصلبين لأصدقائه السعوديين»، يملك وقاحة ليتّهم الديموقراطيين بالتساهل مع الإرهاب. وأوضح غينسبرغ أنه في «أحسن الأحوال، سماح تشيني في عام 2007 بنقل معتقلين من غوانتنامو إلى السعودية مثّل قفزة متملقة من الإيمان الأعمى بالتأكيدات السعودية أن هؤلاء المعتقلين هم جرذان تجارب ممتازون لبرنامج إعادة تأهيل لم تثبت فعاليته، وبأنهم لن يمثّلوا مجدداً تهديداً لهم أو لنا». وأضاف «مع ذلك، فإن نسبة معدل الانتكاسة (للمفرج عنهم) كانت مفزعة، ورتبت عواقب وخيمة على الأمن الأميركي». ولذلك يدعو غينسبرغ تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» إلى تقديم «مذكرة شكر جهادي حار لتشيني للعبه مثل هذا الدور المباشر في إعادة الخطر وتجدده وتزايده على الولايات المتحدة في الوطن وعلى دبلوماسيينا في اليمن». وخلص إلى القول إن قرار تشيني والنتائج التي ترتبت عليه تبقى هامشية في تاريخ تحليلاته غير المنطقية، والتي غالباً ما تكون خاطئة.


واشنطن وصنعاء: تعاون... وتوتّر

مع تصاعد وتيرة العمليات في أفغانستان وباكستان، واستقرار الأوضاع إلى حد ما في العراق، ارتفعت الأصوات التي تحذر من إمكانية تحول اليمن إلى ملجأ جديد لـ«القاعدة»، وخصوصاً بعد رصد إشارات إلى وجود قدر كبير من التنسيق بين عناصر التنظيم في اليمن وأقرانهم في أفغانستان وباكستان.
وترافقت هذه التحذيرات مع إدراك الولايات المتحدة أن اليمن في ظل المشاكل الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها، يمثّل جزءاً من المشكلة في حربها على الإرهاب، لا جزءاً من الحل.
ولذلك ركزت الولايات المتحدة على مسألة تعزيز التعاون الاستخباري والأمني، إضافة إلى تقديم مساعدات اقتصادية، كان يتحكم بحجمها مدى التعاون الذي تبديه صنعاء مع مطالب واشنطن.
تعاون وثيق بدأ بعد استهداف المدمرة كول في اليمن عام 2000 واستمر حتى عام 2003. قبل أن يمر بمرحلة من الجمود والفتور عززته عملية فرار سجناء «القاعدة» من سجن الأمن السياسي في عام 2006. الأمر الذي دفع وزارة الخارجية الأميركية إلى اعتبار أن الحكومة اليمنية ملتزمة بتنفيذ «برنامج استسلام ذي متطلبات متساهلة للإرهابيين»، منتقدة إطلاق اليمن سراح جميع المعتقلين العائدين من غوانتنامو ضمن برنامج رقابي ضعيف. وانعكس الامتعاض الأميركي حجباً للمساعدات التي تقدمها واشنطن سنوياً لصنعاء في عام 2007. واستمر هذا التوتر إلى حد كبير في عام 2008، وخصوصاً بعد الظهور العلني لعدد من المطلوبين من تنظيم «القاعدة»، من دون أن تقدم السلطات على إلقاء القبض عليهم، وبينهم قاسم الريمي وجابر البناء الذي ينتمي إلى «خلية لاكوانا» التي تضم مجموعة في الأميركيين اليمنيين، الذين اعترفوا بتلقي تدريبات عسكرية في معسكرات «القاعدة» في أفغانستان. وانعكس التوتر على الزيارة التي قام بها مدير الـ«أف بي آي» في حينه، روبرت مولر، إلى اليمن لمناقشة عدد من القضايا الأمنية مع الرئيس علي عبد الله صالح، وبينها قضية جمال البداوي المتهم بالمشاركة في التخطيط لمهاجمة المدمرة كول.
إلا أن هذا التوتر لم يمنع وكالة الاستخبارات المركزية «سي اي ايه» في العام نفسه من إرسال نخبة من عملائها في مكافحة الإرهاب، وعدد من أفراد الكوماندوس المتخصصين بالعمليات السرية، إلى اليمن لتدريب قوات الأمن على أساليب مكافحة الإرهاب.
ويعتبر المسؤولون الأميركيون واليمنيون أن النقطة المحورية في العلاقة بين البلدين جاءت في أواخر صيف 2009 بعد زيارات سرية إلى اليمن لكل من مستشار الرئيس أوباما لمكافحة الإرهاب، جون برينان، وقائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، الجنرال ديفيد بترايوس.
هذه الزيارات ترافقت مع ضغوط من دول الجوار، وتحديداً السعودية، ما ساهم في الحصول على موافقة صالح على توسيع نطاق المساعدات، التي من المتوقع أن تتضاعف في العام الحالي بعدما تبين أن مشاكل اليمن الأمنية تحولت إلى مشكلة إقليمية ودولية بتحوّل البلاد إلى «ساحة معركة جهادية وقاعدة إقليمية محتملة لعمليات تنظيم القاعدة».