لم تقتصر زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى واشنطن على الملف الفلسطيني، إلا أنّ أهم ما خرج عن لسانه تمحور حوله: استبعاد أي تحريك قريب للمفاوضات، إضافة إلى تقديمه مشروعاً لواشنطن لاعتبار القدس مدينة مفتوحة وعاصمة لدولتين
واشنطن ــ محمد سعيد
استقرّت بورصة المواقف المتصلة باحتمال استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على قديمها، رغم أنّ واشنطن كانت تستقبل وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، الذي قدّم لها مشروعاً لاعتبار القدس «مدينة مفتوحة وعاصمة لدولتين». وبينما لم ينل من نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون سوى تكرارها لمعزوفة أن «على الفلسطينيين العودة إلى المفاوضات من دون شروط مسبقة»، أصرّ نظير أبو الغيط في جبهة «الاعتدال العربي»، وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل على التمسك بهذه الشروط، شأنه شأن رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات.
واستبعد أبو الغيط إمكان استضافة بلاده محادثات بين الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قريباً. وقال، في لقاء مع الصحافيين المصريين في واشنطن عقب اجتماعه مع كلينتون، برفقة مدير الاستخبارات المصرية عمر سليمان، «عندما يوضع الأساس المناسب للقاء بين الأطراف لاستكشاف المواقف، لا للتفاوض، عندئذ يمكن هذا الاجتماع أن يعقد».
وجدد أبو الغيط موقف القاهرة الذي يفيد بغياب «الأرضية أو الظروف» التي تمكّن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من استئناف «مفاوضات ذات صدقية»، مشيراً إلى أنه «يتعين أولاً الاتفاق على حدود الدولة الفلسطينية في بداية المفاوضات، وأي مفاوضات تالية تكون لمجرد الاتفاق على التفاصيل».
وانتقد الوزير المصري الولايات المتحدة والمجتمع الدولي اللذين لا يطالبان إلا الفلسطينيين بحضور المفاوضات، مستبعداً أن يستجيب هؤلاء «طالما بقي الوضع على ما هو عليه».
ورداً على سؤال، أصرّ أبو الغيط على أنّ «العرب ومصر لن يقبلوا بأقل من كامل مساحة الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967»، كاشفاً عن أنه قدّم لكلينتون مقترحات بشأن مستقبل القدس المحتلة باعتبارها «مدينة مفتوحة وعاصمة لدولتين فلسطينية وإسرائيلية». وقال إنه «من أجل التوصل إلى تسوية، نعتقد أنه يمكن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أن يعيشا معاً في مدينة مفتوحة لا توجد بينهما أسوار، على أن يكون للفلسطينيين السلطة والسيادة على القدس الشرقية، ولإسرائيل السلطة والسيادة على القدس الغربية».
من جهة أخرى، نفى رئيس الدبلوماسية المصرية أن يكون لدى مصر علم بما قاله رئيس الوزراء القطري، وزير الخارجية حمد بن جاسم آل ثاني عقب اجتماعه يوم الاثنين الماضي مع كلينتون، عن أنّ قطر، بصفتها رئيسة الدورة الحالية للقمة العربية، قدمت للإدارة الأميركية «خطاب ضمانات» بشأن تسوية الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي.
وعن مضمون لقائه مع كلينتون، أوضح أبو الغيط أنه طالبها بـ«تفهم الموقف الفلسطيني، المدعوم عربياً، في ما يتعلق بضرورة توقف إسرائيل بالكامل عن نشاطها الاستيطاني في القدس». وتابع إنّ وفده شدد على أهمية «رفع الحصار الإسرائيلي الجائر على قطاع غزة والسماح بفتح المعابر التي تربطها بالقطاع ودخول السلع إلى غزة على نحو ما تقضي به أحكام القانون الدولي».
في المقابل، انتهز الفيصل فرصة استقبال نظيره الألماني غيدو فسترفيلي للتأكيد أنّ سياسة الاستيطان «لا تزال عقبة رئيسية أمام جهود السلام»، مذكراً بأنّ موقف ألمانيا والاتحاد الأوروبي لا يعترف بمشروعية سياسة الاستيطان. ودافع الفيصل عن شروط سلطة رام الله بالعودة إلى طاولة المفاوضات بعد تجميد بناء المستوطنات على اعتبار أنها «أحد الالتزامات الرئيسية للعملية السلمية وليست شروطاً».
كلام مشابه صدر عن عريقات الذي أعرب عن تشاؤمه إزاء إمكان استئناف المفاوضات مع تل أبيب قريباً، متوقعاً أن تكثّف سلطات الاحتلال عمليات الاستيطان خلال العام الجاري، بدليل أنّ الدولة العبرية أعلنت خلال السنوات الأخيرة بناء 900 وحدة استيطانية في مستوطنة جيلو، و692 وحدة في مستوطنة بسغات زئيف في القدس، وأربع عمارات سكنية في رأس العمود، و100 وحدة في مناطق القدس.
وردّ عريقات على دعوة كلينتون لإدارة أبو مازن، مشدداً على أن سلطته «لا تضع شروطاً لاستئنافه المفاوضات، لأنّ وقف الاستيطان ليس شرطاً، بل التزام مفروض على إسرائيل، شأنه شأن ضرورة استئنافها من النقطة التي انتهت إليها في كانون الأول 2008». وفي ما يتعلق بما تردد عن ضمانات أميركية ستقدم للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إذا قبلا باستئناف المفاوضات، أجاب عريقات إن «الفلسطينيين ليسوا بحاجة إلى ضمانات أو رسائل من هذا النوع».