استغلت إسرائيل عملية قتل المستوطنين في الضفة المحتلة، لتحول نفسها من جلاد إلى ضحية، فربطت بين ما سمّته «تحريض» السلطة الفلسطينية وخطاب رئيسها محمود عباس في الأمم المتحدة، وتردي الوضع الأمني في القدس والضفة، وذلك في محاولة للتعمية على اعتداءاتها المتواصلة على الفلسطينيين وعلى المسجد الأقصى، الذي كان السبب المباشر للعملية التي جرت أول من أمس، وغيرها من العمليات المرتقبة ضد العدو.
وفيما بدا أنه «بازار» للمواقف المستنكرة وتنافس حول من يكون أكثر تطرفاً ضد الفلسطينيين، تبارز أمس المسؤولون الإسرائيليون في إطلاق تصريحات عنصرية والمطالبة بإجراءات عقابية ضد الفلسطينيين، إضافة إلى توسيع الاستيطان وتعزيزه، ثم وصف «أبو مازن» بـ«السفاح الكبير». وجرى المستوى الخطابي الهجومي، طوال أمس، بالتزامن مع تجدد اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في مدن الضفة بحماية من جيش العدو، الذي أغلق الحواجز التي تربط الطرق بين القرى والبلدات الفلسطينية في الضفة.
رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وصف العملية بأنها «صعبة جداً على إسرائيل ووحشية وصادمة»، وأنها ناتجة من «التحريض الفلسطيني الوحشي والصمت المطبق لرئيس السلطة». وأضاف: «هي دليل إضافي على أن التحريض الفلسطيني يؤدي إلى عمليات إرهابية وعمليات قتل. عباس ينشر الأكاذيب حول نيات إسرائيل المزعومة في تغيير الوضع الراهن في جبل الهيكل»، في اشارة إلى الحرم القدسي الشريف.

إلى جانب الهجوم الخطابي تجدّدت اعتداءات المستوطنين بحماية الجيش

وفي مستهل لقاء نتنياهو وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، أكد أن «العملية الارهابية» لن تمر من دون رد. وقال: «لقد عززنا القوات في الميدان وسنغيّر نوع نشاطها فيها»، مهدداً بإجراءات انتقامية: «سنعثر على هؤلاء القتلة ونحاسبهم، وقبل أي شيء آخر سنقوم بأعمال حتى يفهموا أنه لا طائل من الإرهاب».
أما وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعلون، فقال إن العملية «إرهابية فتاكة»، وهي «امتداد واضح للتحريض ضد إسرائيل والإسرائيليين». وأضاف: «قوات الامن ستلاحق القتلة ولن تتوقف إلا حين تضع يدها عليهم».
وخلال زيارة تفقدية في مكان العملية، برفقة رئيس أركان الجيش غادي ايزنكوت، ورئيس «الشاباك» يورام كوهين، عاد يعلون وأكد أن «إسرائيل ستلقي القبض على القتلة»، قائلاً إن ذلك سيحدث «عاجلاً أو آجلاً، تماماً كما حدث في عمليات أخرى». وادعى أن «هذه العملية غير مرتبطة إطلاقاً بالأحداث في جبل الهيكل (الحرم)، بل هي مرتبطة تحديداً بتحريض السلطة الفلسطينية، ولا سيما رئيسها».
وأوضح يعلون أن وحدات الجيش تركز جهودها حالياً في الضفة من أجل توفير «حل» لكل أنواع الهجمات، بما يشمل رشق الحجارة والزجاجات الحارقة، وكذلك إطلاق النار.
في هذا السياق، ربط وزراء إسرائيليون بين كلمة عباس في الأمم المتحدة ومقتل المستوطنين في الضفة، فوصفت وزيرة الثقافة من حزب «الليكود»، ميري ريغيف، رئيس السلطة بـ«السفاح الكبير»، وقالت إنه «بعد 24 ساعة على الخطاب العنيف للسفاح أبو مازن، قتل زوجان إسرائيليان، وهو دافع كي تعمد إسرائيل إلى تصعيد ردّها». أيضاً، طالب وزير العلوم من «الليكود»، اوفير اوكنيس، بتوسيع البناء في المستوطنات، باعتباره الرد الأقوى على «الإرهاب الفلسطيني».
من جهة أخرى، اتهم رئيس حزب «البيت اليهودي»، الوزير نفتالي بينت، عباس، بالوقوف خلف العملية. وقال إن «الأوامر الصادرة من أبو مازن خرجت إلى حيّز التنفيذ، وهي ملطخة بالدماء، ولن تقوم دولة لشعب (فلسطيني) ينادي زعماؤه بالقتل». وتوجه إلى نتنياهو قائلاً: «يجب العمل سريعاً على إعادة الأسرى المطلق سراحهم في صفقة غلعاد شاليط إلى السجن فوراً».
كذلك، قال رئيس «المعسكر الصهيوني»، يتسحاق هرتسوغ، إن «عملية القتل في الضفة شنيعة ومؤلمة. يجب أن نمكّن القوات الأمنية من التصرف بسرعة وبإصرار من أجل إلقاء القبض على القتلة ومحاكمتهم»، فيما هاجم رئيس حزب «يوجد مستقبل»، يائير لبيد، رئيس السلطة، وقال: «لا يمكن أن تدّعي أنك تدعم جهود السلام، ومن جهة ثانية تسلم بالعمليات الإرهابية، وقتل الأبرياء أمام عيون أطفالهم».
ميدانياً، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه دفع بأربع كتائب من الجيش للانضمام إلى القوات الموجودة حالياً في الضفة، وذلك بعد تقدير وضع في هيئة الأركان العامة للبحث عن «الإرهابيين» وضمان سيطرة الجيش على المناطق التي تشهد احتجاجات فلسطينية، مع التشديد على ضرورة منع التدهور الأمني. وقال ضابط رفيع لصحيفة «جيروزاليم بوست»، إن «التركيز الأساسي للمهمة الموكلة إلى القوات على الأرض هو الاستجابة السريعة للمعلومات الاستخبارية، والقبض على الإرهابيين»، مشيراً إلى أن «الجيش يحاصر عدداً من القرى الفلسطينية في المناطق المجاورة لمكان العملية، ويأمل أن يتمكن من اعتقال منفذيها». في إطار متصل، وفي تحرك تصعيدي للمستوطنين، عمد عدد منهم إلى التجمهر قبالة منزل رئيس الحكومة الإسرائيلية في القدس المحتلة، وأعلنوا أنهم لن ينهوا اعتصامهم قبل أن تقر السلطات الإسرائيلية إنشاء مستوطنة في مكان العملية، وتسريع مشاريع البناء في المستوطنات القائمة. كذلك بادر عدد منهم إلى إنشاء نقطة استيطانية في مكان العملية، كخطوة رمزية، مدّعين أن هذه الأراضي مملوكة منذ أربعين عاماً لشركة حكومية إسرائيلية.
إلى ذلك، أصيب فلسطينيان بالرصاص الحي بعد اندلاع مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، عقب مسيرات انطلقت بعد صلاة الجمعة، في عدد من مناطق الضفة، أحدهما مصوّر صحافي يدعى أحمد طلعت.