المصالح الانتخابيّة تتحكّم في آلية «اجتثاث» أنصار النظام السابق بغداد ــ زيد الزبيدي
شهدت السنوات الماضية من حكم حزب «الدعوة الإسلامية» وشركائه في العراق، إراقة للدم لم يشهدها تاريخ بلاد النهرين، ما جعل البعض يشعر بنوع من الحنين إلى الزمن الماضي، الذي أكسبه سوء تصرف السياسيين الإسلاميين رصيداً وتعاطفاً لم يحلم بهما من قبل. واقع اختصره النائب صالح المطلك بالقول إنّ البعثيّين يمكن أن يحصلوا على 40 مقعداً في البرلمان المقبل، لو سُمح لهم بالترشّح للانتخابات، ما عدّه البعض ترويجاً لحزب «البعث»، بينما كان المقصود من ذلك أن حكم «الدعوة» وحلفائه هو الذي روّج ويروّج للبعث عملياً.
ويرى مراقبون أنّ العراقيين يميّزون بوضوح بين «البعثيين» وقيادتهم، أو قيادة الحكم آنذاك، بل إنّ الحكام الحاليّين يميّزون لفظياً، بين البعثيين و«الصدّاميين». شعار اعتمده رئيس الوزراء نوري المالكي، عندما أطلق «مبادرة المصالحة الوطنية». غير أنّ «تهمة البعث» بقيت ملاصقة للعضو البسيط، أو حتى المؤيّد، ما لم ينتمِ إلى أحد أحزاب السلطة، ويحصل على «التزكية» منها. هكذا يرى كثيرون أنّ أحد أهداف الحملة الشعواء ضد «البعث» هو إجبار المواطنين على الانتماء إليها.
ويشير محللون إلى أنّ قرار إقصاء كتل سياسية كبيرة عن المشاركة في الانتخابات هو نتيجة لمخاوف الأحزاب الدينية الحاكمة من تنامي التيار الليبرالي، وتوقّعها أن يكتسح البرلمان المقبل بعد الفشل الذريع الذي مُني به مشروعها الطائفي. فشل دفع بالمالكي إلى تحميل تبعاته لـ«تحالف البعث والقاعدة»، وهو ما يعكس أيضاً سوء تقدير في تصريحاته بأن تنظيم «القاعدة» يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأن «البعث انتهى إلى غير رجعة»، وأن «الحرب بدأت ضد الفساد».
ويلاحظ البعض أنّ أحاديث المالكي عن «انتهاء البعث»، ومن ثم خطر عودته، هي بمثابة دعاية غير عادية لذلك الحزب، الذي يفتقد التنظيم في الشارع العراقي.
ولعلّ أكثر ما يثير استغراب المراقبين أنّ قرار اجتثاث الكتل «التي تروّج لحزب البعث العربي الاشتراكي»، شمل حزبين كرديين معارضين لسياسات الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان، هما حزب «العدالة الكردستاني»، الذي يرأسه أرشد الزيباري، وكتلة «تجمع كل العراق» برئاسة جوهر الهركي، وهذان الكيانان شاركا في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، من دون أي اعتراض، وفاز دلدار زيباري عن حزب «العدالة» بمنصب نائب محافظ نينوى.
وعلى ما يبدو، فإنّ قرار «الاجتثاث» الصادر عن «هيئة المساءلة والعدالة»، التي لم يصدّق البرلمان على أعضائها، إنّما صدر عن سابقتها «هيئة اجتثاث البعث»، وهي هيئة مشكوك في قانونيتها بعد استبدال «اجتثاث البعث» بـ«المساءلة والعدالة»، إذ أعلن ذلك القرار نائب رئيس هيئة «اجتثاث البعث»، «علي الفيصل». ولا يوجد في هذه الهيئة شخص اسمه «علي الفيصل»، الذي اتضح أنه نفسه علي فيصل اللامي، الذي أُلقي القبض عليه في أيلول 2008 في مطار بغداد، عند عودته من لبنان، بجواز سفر مزوّر، واعتُقل

ترك المطلك «البعث» في 1977 بعد دفاعه عن الشيعة وعن «الدعوة الإسلامية»

لمدة عام ونصف عام بتهمة تسريب معلومات عن الذين يجري تداول أسمائهم في هيئة الاجتثاث إلى المجموعات المسلحة لغرض تصفيتهم. وبعد إطلاق سراحه، عُيّن مديراً لهيئة «اجتثاث البعث»، ولاحقاً «هيئة المساءلة والعدالة». كما أنّ اللامي مرشّح للانتخابات المقبلة عن ائتلاف المالكي، «دولة القانون»، ما يجعله غير مؤهل لإصدار أحكام على المنافسين.
وربط بعض المشمولين بقرار «الاجتثاث»، ومنهم صالح المطلك، بين قرار حرمانه حق الترشح، وزيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي إلى بغداد، وخاصةً أن ذلك اليوم صادف عطلة رسمية لمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي. غير أنّ آخرين لا يميلون إلى هذا الربط، لأنه سبق للمالكي أن توعّد منذ أشهر بـ «منع وصول البعثيين» إلى البرلمان، ما يعني أن القائمة معدّة قبل مدة غير قصيرة.
وما يؤكد ذلك، شمول رئيس «التجمع الجمهوري» سعد عاصم الجنابي وكتلته بقرار «الاجتثاث»، رغم أن الجنابي ليس مرشحاً، وأنّ كتلته يرأسها هاشم الحبوبي، أي إنّ القائمة الموجودة لدى الهيئة، لم تستند إلى سجلّات مفوضية الانتخابات، بل إلى معلومات سابقة، وهي معدّة سلفاً.
وممّا أثار الاستغراب أيضاً، شمول «تجمُّع الوحدة الوطنية العراقية» الذي يرأسه نهرو عبد الكريم الكسنزاني بقرار الاجتثاث، رغم مشاركته في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، علماً أنّ اثنين من أشقاء نهرو حُكما بالسجن المؤبد في عهد صدام حسين، وشملهما العفو الأخير قبل الغزو. ويجمع كثيرون على أنّ انضمام نهرو إلى تكتل وزير الداخلية جواد البولاني، منافس المالكي على رئاسة الحكومة المقبلة، هو السبب في الإقصاء.
والمفارقة الكبرى في قضية إقصاء المطلق، أنه ترك «البعث» عام 1977، بسبب دفاعه عن الشيعة، وخصوصاً عن حزب «الدعوة»، وبعد رفضه لحملة الاعتقالات التي أعقبت حوادث «خان النص».