خاص بالموقع - فيلّات من ثلاث طبقات مطليّة بألوان زاهية تحجب رؤية البحر المتوسط عن منزل عائلة حطاب الذي هبط مستوى دعائمه، ويتقشر الطلاء الرمادي من على جدرانه. تقول الجارة، آستر سابا «حيناً يتقلّص. لكن لماذا يجب أن نرحل؟ هنا ربّينا أبناءنا ونشأنا، إذا أجلينا جميعاً فقل لي من سيبقى؟».عائلتا آستر وحطاب من بين نحو 500 عائلة عربية تسعى جاهدة للاحتفاظ بموطئ قدم لها في حي العجمي، وهو الجزء الذي يغلب على سكانه العرب من يافا التي تتحول بسرعة إلى بديل يحمل ملامح فنية للحداثة التي تتسم بها مدينة تل أبيب الإسرائيلية المجاورة.
تدعو ابنة آستر «يجب أن تساعدنا الحكومة للعثور على طريقة لشراء منازلنا أو سداد إيجار. بدلاً من هذا، يحاولون إخراجنا من هنا. إلى أين سنذهب؟». وتؤكد «من الواضح أن الهدف هو إخراج العرب». وتتابع «لو كانت الحكومة تريدنا هنا لكانت بنت بعض المساكن التي نستطيع تحمل تكلفتها المالية. بدلاً من هذا أنشأوا متنزهاً. ماذا سنفعل بمتنزّه؟ نحتاج إلى منازل».
يهوديت إيلاني (49 عاماً،) وهي يهودية إسرائيلية وواحدة من سكان المنطقة وناشطة تحاول مساعدة الأسر على الاحتفاظ بمنازلها، تصف الحال «هؤلاء الناس يعيشون في أكواخ تطل على منظر شاطئي يساوي مليارات الدولارات».
وملكية معظم العقارات محل نزاع. وحي العجمي، الذي كان ذات يوم منطقة عشوائية من المقرر هدمها، في طريقه لارتقاء اجتماعي سريع، والمطورون العقاريون لن ينتظروا.
وتمضي إيلاني قائلةً «هناك فرص عمل في العجمي لقربه من تل أبيب. لا يستطيعون الانتقال الى مناطق مجاورة ليس فيها مساجد ولا كنائس ولا مدارس تدرّس اللغة العربية». وتتساءل «ولماذا ينبغي أن يرحلوا لأن ثرياً ما يستطيع دفع ثمن الأرض التي عاشوا عليها دائما؟».
قبل خمسة أعوام، كان السكان يستيقظون من وقت لآخر على أصوات الفوضى ليلاً بالمنطقة العشوائية، وهو الموضوع الذي طُرح في فيلم حمل عنوان «عجمي» ويمثل الدولة العبرية في مسابقة الأوسكار عام 2010.
اليوم، يقول السكان إن طواقم البناء التي تتوافد في الصباح الباكر وليس طلقات الرصاص هي التي تفسد الهدوء هنا.
كانت يافا ميناءً ومركزاً ثقافياً رئيسياً للعالم العربي قبل أن يُنشئ مستوطنون يهود تل أبيب عام 1909. وبعد حرب عام 1948 طردت الدولة العبرية معظم سكان يافا من العرب الذين فرّ بعضهم.
وفيما كان حيّ العجمي ذات يوم مكاناً مؤذياً للنظر، اليوم يُغري طابع الحي من يهربون من الأسعار الباهظة والعمارات السكنية الشاهقة في تل أبيب. فقبل ستة أعوام كان سعر المنزل هنا يتراوح ما بين 50 و60 ألف دولار. اليوم يصل سعر المنزل الذي لا تتجاوز مساحته 140 متراً مربعاً إلى نحو 1.2 مليون دولار.
المشكلة الشائكة هي مصير سكان حي العجمي العرب الذين يتجاوز عددهم 20 ألف نسمة، ويعيش 80 في المئة منهم تحت خط الفقر. ويعتاش حوالى ربعهم في عقارات تديرها الدولة تحت مسمى «ملكية الغائبين» وتريد الحكومة الإسرائيلية بيعها الآن.
وتدّعي الدولة العبرية أن هذه المنازل هجرها ملاكها العرب خلال حرب 1948 التي انتهت بسيطرة الدولة على هذه المنازل لتكون إسكاناً عاماً للأسر اليهودية والعربية. ويشهد لاجئون انتهى المطاف بكثير منهم في مخيمات بقطاع غزة على أن أسرهم طُردت من يافا.
ويقول معظم سكان حيّ العجمي العرب إنهم يعيشون في منازل كانت أسرهم تمتلكها ذات يوم، ويجب معاملتهم باعتبارهم الورثة الشرعيين. ويشيرون إلى أن شركة «عميدار» التي تعاقدت معها دائرة أراضي إسرائيل لإدارة العقارات تسعى إلى تحقيق مكسب سريع من خلال بيع منازلهم.
لكن حقهم في المنازل بعد جيلين من حرب عام 1948 قد انتهى وباتوا مستأجرين محميين. وتقول إيلاني «لو كنت من الجيل الثالث لأصبحت محتلاً في يوم مولدك».
لطيفة حطاب، وهي إحدى حالات أسر الجيل الثالث، تحاول إثبات حقوقها القانونية والتاريخية في المنازل التي تعيش فيها. وقد عرضت «عميدار» على عائلتها التي أقامت ثماني دعاوى قضائية مختلفة تسوية معقدة.
وتشرح لطيفة «قالوا إن لنا حقوقاً في 60 في المئة من هذا العقار لأن والدة زوجي من الجيل الثاني، لكن الأربعين في المئة باقية لهم». وتضيف «يريدون منا أن نشتريها. لكن، تخيل ما هي القيمة التي يقولون إن نسبة الأربعين في المئة تساويها؟ مليونا شيكل (54 ألف دولار) أو أكثر. كيف لي أن آتي بهذا المبلغ؟».
وعلى الرغم من أنها تشغل عقارات تساوي ملايين الدولارات، فإن العائلات المنخفضة الدخل مثل عائلة حطاب لا تستطيع البيع أو الحصول على قروض كبيرة لأن ملكيتها محل نزاع.
ويكشف سكان العجمي من العرب أنهم يتلقون تشجيعاً على الانتقال الى مدن داخل الدولة العبرية مثل اللد أو الرملة حيث هناك أعداد أكبر من السكان العرب والمساكن الرخيصة. ويعرب عمر سكسك، وهو ممثل للعرب بالبلدية، عن اعتقاده بأن المسألة وراءها أكثر من مجرد قوى السوق، ويمضي موضحاً أن ارتفاع أسعار المساكن يرافقه جهد سياسي استراتيجي لإخراج العرب من حيفا.
ويشارك سكسك زميله في مجلس البلدية أبو شحادة الرأي، الذي قال إن الأغلبية الساحقة من الأثرياء وممن يشغلون مناصب إدارية هنا هم يهود.
وتردّ وزارة الإسكان الاسرائيلية على أنه يجب توجيه أي أسئلة تتصل بالمسائل المرتبطة بـ«قانون ملكية الغائبين لدائرة أراضي إسرائيل». فيما لم تُعط دائرة أراضي إسرائيل ولا «عميدار» المتعاقدة معها إجابات على طلبات متكررة لإجراء مقابلات إما عبر الهاتف وإما كتابة.

(رويترز)