تل أبيب تلعق جراحها وأنقرة تحتفي بـ«الاعتذار»
علي حيدر
حاول الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، أمس، التقليل من أهمية الأزمة مع تركيا التي سببتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، مشيراً إلى أنه «خطأ فرد واحد وليس خطأ دولة»، في انتقاد ضمني لأداء نائب وزير الخارجية داني أيالون. ودعا بيريز، خلال زيارة لمؤتمر التطوير الزراعي في تل أبيب، إلى عدم ارتكاب مثل هذه الأخطاء في المستقبل، واصفاً سلوك أيالون بأنه «لم يكن دبلوماسياً».
وكانت الأزمة قد وصلت إلى ذروتها أمس بعد التهديد التركي بسحب السفير من تل أبيب، ما دفع مسؤولي الدولة العبرية إلى تبديل مواقفهم، وخصوصاً أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان كانا قد دعما صيغة الاعتذار الأولى لأيالون، التي لم تُعجب الطرف التركي.
وبعد التهديد التركي الذي أطلقه الرئيس عبد الله غول، بدأت إسرائيل تشعر بخطورة ما يجري، وتسارعت الاتصالات بين المسؤولين بهدف احتواء الأزمة ومنع تفاقمها. واتصل بيريز بأيالون، طالباً منه الاعتذار، إضافة إلى اتصاله بنتنياهو وليبرمان، الذي توجه إلى نائبه بالقول: «قرر ما تعتقده صحيحاً». ثم بادر أيالون إلى الاتصال بالمدير العام لوزارة الخارجية التركية ناميك طان، الذي صاغ وإياه نص رسالة الاعتذار.
وكما هو متوقع، أحدث أداء وزارة الخارجية في الأزمة مع تركيا عاصفة في الوسط السياسي الإسرائيلي، وانطلقت دعوات لاستقالة أيالون من منصبه. غير أن موقع «يديعوت أحرونوت» أشار إلى أنه لا أحد في الحكومة أو الكنيست مستعد لتحمّل المسؤولية في الدعوة العلنية إلى هذا الأمر، لذلك يلتزم الجميع الصمت في هذه المرحلة. ورأت مصادر مختصة في العلاقات الإسرائيلية ـــــ التركية أن «نتنياهو لا يعرف أين تقع تركيا على الخريطة، لكنه يعرف أين يقع الائتلاف» الحكومي.
وأدانت وسائل الإعلام الإسرائيلية أداء حكومة نتنياهو، وعدّتها مسؤولة عن الفشل الدبلوماسي في احتواء الأزمة مع تركيا، والصيغة التي انتهت إليها، مشددة على واقع الإذلال الذي لحق بإسرائيل، رغم أنها حاولت، في الوقت نفسه، تفهم دوافع أيالون وإذلاله للسفير التركي.
وشددت صحيفة «معاريف» على واقعة «الاستسلام الإسرائيلي لتركيا». وشددت على أن «سياسة وزير الخارجية (أفيغدور) ليبرمان بعدم الانبطاح أمام الآخرين، قادت إسرائيل إلى وضع تضطر فيه إلى تقديم اعتذار رسمي ودبلوماسي لتركيا».
وتحدثت «معاريف» عن أن الأزمة الدبلوماسية بين الجانبين قد انتهت، لكنها نهاية مؤقتة «إلى أن تندلع أزمة ثانية»، مشددة على رضوخ تل أبيب، التي قامت بالتحديد بكل ما طلبه الأتراك.
من جهتها، رأت صحيفة «هآرتس» أن ليبرمان «قادم من الخارج ويمثّل أجندة قومية، لكنه كالشخص الأخرق في وزارة الخارجية، إذ أصبح رجلاً موسوماً بالقيود والاعتذار والندم».
في موازاة انتقاد ليبرمان ونائبه داني أيالون، أعربت «هآرتس» عن تفهمها لتصرفاتهما. ورأت أن «عدداً من السياسيين والإعلاميين في إسرائيل، هاجموا الرجلين وكانوا أكثر وقاحة في انتقادهما»، مشيرة إلى أنّ «من الواجب أن نتذكر أن هناك شخصاً يسعى إلى استعادة كرامة الشعب اليهودي، لكنه يتعرض للصراخ في وجهه، من مؤسسة ضعيفة وخائفة، خشية إغضاب غير اليهود».
أما صحيفة «يديعوت أحرونوت» فتجاوزت الصيغة التي انتهت إليها الأزمة الأخيرة مع تركيا، وهاجمت النظام التركي، معربة عن أملها أن تدفع أنقرة ثمن ما اقترفته.
وكتبت الصحيفة تحت عنوان «الوقت لتسديد الحساب»، أنه «ليس من حق الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا أن يحوّل إسرائيل إلى وسيلة يغازل من خلالها العالم العربي، وليس من حقه مهاجمة إسرائيل، وأن يندد بها ويوزع التصريحات اللاسامية»، مشيرة إلى «أن الوقت قد حان ليدفع الأتراك الثمن، إذا واصلوا التحريض على إسرائيل، إذ يمكن إسرائيل أن تجبي من تركيا ثمناً كبيراً باعتبار أنها تشتري من أنقرة ما قيمته مليارا دولار سنوياً، وهم يشترون من إسرائيل بمليار واحد».
ورأت الصحيفة أنه إذا قاطع المال اليهودي في العالم تركيا، «فسيكون للمسألة طعم آخر، وحالياً ليس لدى يهود العالم ما يدعوهم إلى مواصلة دعم تركيا، الدولة التي يتدهور اقتصادها». ودعت الصحيفة إلى «هجرة اليهود من تركيا ومغادرة هذه البلاد، وخصوصاً أن اليهود الأتراك هم النخبة التجارية، وعدد غير قليل منهم بدأ بالفعل يحزم حقائبه. كذلك إن سياحاً إسرائيليين كثراً لن يروا تركيا في المستقبل، إذ لن ينسوا أنها خانتهم».
إلى ذلك، أكدت مصادر إسرائيلية أن الزيارة المقررة الأحد المقبل لوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، إلى تركيا ستحصل رغم الأزمة الأخيرة. وأشارت إلى أن لقاءات باراك في أنقرة ستتضمن وزيري الدفاع والخارجية التركيين، وكذلك رئيس أركان الجيش التركي. وسيرافق باراك وفد أمني رفيع المستوى يضم المدير العام الجديد للوزارة، أودي شيني، الذي يُتوقع أن يتسلم مهماته اليوم.
وأفادت صحيفة «هآرتس» بأنّ شيني أنهى أول من أمس زيارة عمل إلى تركيا في إطار منصبه الحالي رئيساً لقسم «المساعدات الأمنية» في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وهو القسم المسؤول عن صفقات بيع الأسلحة. ومن بين المواضيع التي بحثها شيني صفقة الطائرات المسيّرة من طراز «هيرون» التي ستشتريها أنقرة من تل أبيب. والصفقة التي تبلغ قيمتها 190 مليون دولار كانت قد أُبرمت عام 2005، إلا أنها لم تنفّذ حتى الآن نظراً لخلافات قال الجيش التركي إن منشأها خلل فني في تصنيع الطائرات أُنذرت إسرائيل بإصلاحه تحت طائلة مطالبتها بدفع تعويضات على التأخير. ونقلت وكالة أنباء الأناضول أمس عن مسؤولين أتراك قولهم إن أنقرة ستتسلم أربعاً من أصل عشر طائرات في آذار المقبل، مشيرة إلى وجود وفد تركي في إسرائيل لإجراء الاختبارات النهائية والتدقيق الفني فيها.