مستشفى الهمشري من أكبر المؤسسات الصحية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، الذي يُفترض أن يكون مجانياً لللاجئين الفلسطينيين، بيد أن الكثير من أوبئة «الإهمال والفساد وسوء الإدارة»، فتكت في عظامه فتحولت مصدراً غير جدير بالثقة لهم، وخصوصاً بعدما عانوا ما عانوه منه
سوزان هاشم
على أحد أسرّة مستشفى الهمشري، يستلقي المريض طارق عامر ملتهماً نيكوتين سيجارة يحملها بيد، فيما يده الأخرى تُحقن بمحلول المصل والأدوية. لا يبدو عامر آبهاً لعيون الموظفين في المستشفى أو غيرهم المخولين مراقبتها والعناية بالمرضى، رغم علمه بأن التدخين في المستشفيات محظور على الجميع فكيف حال المريض فيها؟ لكن «هون كل شي مباح»، يبرر عامر مردفاً: «لا أحد يكترث في هذا المكان لصحة المريض أو العناية به. فالممرضون لا يعرّجون على غرف المرضى، إلا بعد منادتنا لهم، فنحن من يطلبهم لتغيير أكياس المصل بعد انتهاء المحلول، وذلك على عكس المتعارف عليه في المستشفيات، وبإمكاننا الخروج منها ساعة نشاء، دون أن يعترض طريقنا أحد». لا تقف معاناة عامر وغيره من المرضى من الإهمال عند هذا الحد، فبحسب ما يتابع أنه برغم مرور ثلاثة أيام على مكوثه في المستشفى الذي دخله إثر إصابته بنوبة مغص شديدة، اقتصر التعامل مع حالته على إعطائه مسكنات دون معالجة أسباب المرض، إلى أن طلب بنفسه إجراء فحوص له وأن يُعرض على طبيب مختص، بيد أن هذا الأخير أيضاً اشترط «إذا بدك اهتم فيك منيح أعطيني وما بتكون إلا مرتاح»، وخوفاً على صحته لم يكن في إمكان عامر إلا أن يستجيب لطلبه.
إلى جانب سرير عامر يتمدد المريض إنياز صنوبر، سابحاً في بحر آلامه التي لا تنتهي، وليس أقلها أمراض السكري والضغط والقلب التي يعانيها. صنوبر الذي لا يقوى على الكلام، يكتفي بالتأوه للإفصاح عن تردي حالته الصحية. يتحدث عنه ابنه واصفاً «الإهمال الشديد الحاصل من المستشفى في العناية الصحية والاهتمام بوالدي»، والمستشفى بالـ«زريبة وتشبه كل شي إلا المستشفى»، وعلى قاعدة «اخدم نفسك بنفسك، فنحن ملزمون بتأمين الدواء له على نفقتنا»، مردفاً: «يجب أن يتمتعوا بالحد الأدنى من الإنسانية أثناء تعاطيهم مع المرضى».
ليس بعيداً عن غرف المرضى، تجول القطط في أروقة المستشفى، علها تجد «وجبة لذيذة» غالباً ما تكون فضلات الزائرين. «وفي ظل هذه الفوضى، لا مانع من أن تتسلل تلك القطط إلى الغرف، بما فيها غرف العمليات! إذ «قُبض على إحداها في غرفة التوليد منذ فترة وجيزة»، كما يسر لـ«الأخبار» مصدر طبي من داخل المستشفى، مستغرباً وجودها لما تنقل من أمراض وجراثيم، وإمكانية العبث بموجودات المستشفى، مضيفاً أن «وجودها أصلاً في هذا المكان يشير إلى افتقاره إلى النظافة العامة».
إلى القطط، تنتشر الحشرات في أرجاء المستشفى، ومنها الصراصير التي تقاسمت الغرفة مع النزيلة حسنة منصور في الفترة الأخيرة، وتعلق منصور قائلة «هيدي مش مستشفى هيدا مسلخ، ما في احترام هون للمريض، والإدارة بالاسم موجودة فيها».
تتطور المستشفى وتتحسن خدماتها الصحية بإيجاد إدارة بديلة
هذه عينة من عوارض الفوضى والإهمال المستشرية في مستشفى الهمشري في صيدا، التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، والذي يعد بحسب ما تفيد إدارة المستشفى، من أكبر المؤسسات الصحية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان من حيث المساحة والبناء. إلا أنه «غاطس بالفساد الإداري»، يعلّق عضو اللجان الشعبية فؤاد عثمان مستغرباً الأساليب التي يفرضها المستشفى على المريض الفلسطيني، وخصوصاً أنه يعتبر «الأمل الوحيد في الاستشفاء، كونه مجانياً، وهو الأكبر من بين المؤسسات الصحية الفلسطينية الأخرى، وخصوصاً أن الأونروا لا تغطي إلا جزءاً ضئيلاً من التكاليف في المستشفيات الأخرى». ويعدد عثمان الأساليب «اللاأخلاقية» المتبعة من الإدارة «من شراء المريض أدويته وأثناء تلقيه العلاج فيها على نفقته الخاصة رغم توافرها فيها، ودفع «مبلغ معين» للكثير من الأطباء، خارج نطاق التغطية، علماً بأن المريض المحوّل عن طريق وكالة الأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية «يتمتع» بالتغطية الكاملة لنفقاته في المستشفى»، متهماً الإدارة «بالفساد، وخصوصاً أنها تتلقى الكثير من المساعدات من الاتحاد الأوروبي والمنظمات غير الحكومية، كما أن رواتب الموظفين فيها تدفعها المنظمة، أي من خارج ميزانية الهمشري».
يبدو أن صحة المريض هي التي تدفع ثمن جميع هذه العلل التي تنخر عظام المستشفى، إذ يكشف المصدر الطبي عينه عن «أخطاء طبية كثيرة» وهو ما حصل أخيراً مع «أحد أطفال مخيم عين الحلوة، بحيث قُطّبت يده المجروحة خطأً، ما استدعى إجراء عملية جراحية له، أعطي خلالها جرعة بنج زائدة أدت إلى دخوله في غيبوبة، وما لبث أن فارق الحياة بعد حين». ويتهم المصدر الذي لم يذكر اسمه، «جهات سياسية فلسطينية بممارسة ضغوط على ذويه حين تقدموا بدعوى قضائية ضد المستشفى، أدت إلى إسقاطها، وهو ما يتكرر دائماً في الحالات عينها». هذا وقد اضطرت المريضة نبيهة محمود وبحسب ما قالت لـ«الأخبار»، إلى إعادة إجراء عملية جراحية لرجلها، بعدما فشل الأطباء في الهمشري في إتمام العملية الأولى، فما كان منها بعد انعدام ثقتها في المستشفى إلا أن خضعت لعملية أخرى وعلى نفقتها الخاصة في أحد المستشفيات اللبنانية الخاصة. ولعلّ استهتار الأطباء بالعناية بالمرضى، يعود، بحسب المصدر الطبي عينه، إلى «قلة الرواتب التي يتقاضونها والتي لا تتعدى 600 ألف ليرة لبنانية حداً أقصى، ما يؤدي إلى غياب الحوافز المشجعة، وتالياً إلى تقاعسهم في أداء مهماتهم الإنسانية والمهنية».
إزاء هذا الواقع يقول فؤاد عثمان: «في ظل ما يعيشه شعبنا من وضع اقتصادي صعب، نحن بأمسّ الحاجة إلى تأمين علاج لائق دون أن نضطر إلى التسول على أبواب المؤسسات الخيرية والاجتماعية وغيرها في لبنان». يضيف عثمان أن تطوير المستشفى وتحسين خدماته الصحية لا يتم سوى «بإيجاد إدارة بديلة تتمتع بكف نظيف تطوّر الخدمات الصحية وتحسنها بعيداً عن الفساد الإداري والمالي المستفحل فيه، إذ إن مستشفى الهمشري هو ملك لشعبنا، ولا يجوز أن تتصرف الإدارة وكأنه ملكه الخاص».
ويستغرب عثمان أن المستشفى «لا يزال يفتقد حتى الآن إلى الكثير من المسلتزمات والمعدات والأجهزة الطبية، لا سيما أجهزة تصوير الكمبيوتر وفحص السكر، وقسم القلب المفتوح المتوافر فيه من دون تجهيزات وغيرها، والتي إن طلبتها الإدارة لتأمّنت فوراً ومجاناً عن طريق الاتحاد الأوروبي، والمنظمات غير الحكومية.


أفادت مصادر طبية من داخل الهمشري (رفضت الكشف عن اسمها) أن بعض المعدات الطبية التي تأتي إلى المستشفى على شكل مساعدات يتاجر بها «سماسرة في الإدارة، فتباع إلى مستشفيات أخرى»، ذاكراً كيف «بيعت أجهزة قسم القلب المفتوح وهي لا تزال على ظهر السفينة في البحر حتى قبل وصولها». هذا وينفي المدير الإداري في المستشفى، الدكتور رياض مرعي، علمه بالأمر، موضحاً أن «المستشفى يفتقر إلى الكثير من الأجهزة المتطورة، وتنقصه الجودة والنوعية الكافيتان في الطاقم الطبي».