لن يفارق الخوف ذاكرة الفلسطينيين في المخيمات، ولا سيما أهالي مخيم البداوي. فهؤلاء يعيشون هاجس تكرار تجربة البارد في مخيمهم، كلما قام الجيش بإقامة ساترٍ ترابي جديد أو دشمة قريبة منهم
البداوي ــ عبد الكافي الصمد
لا يكاد أهالي مخيم البداوي ينسون ما حصل في مخيّم نهر البارد، حتى تعود إليهم الذكرى مثقلة بالخوف، لحظة يرون الدشم والسواتر الترابية الإضافية التي بدأت ترتفع في محيط مخيمهم من جانب الجيش اللبناني. يخاف هؤلاء من تكرار تجربة صيف عام 2007 في البارد هنا، ولم يستطيعوا التأقلم مع إجراءات الجيش التي لا تعدّ أولى في البداوي، فقد سبق للجيش أن أقام نقاطاً ثابتة له حول البداوي خلال أحداث البارد، كما قام بسلسلة إجراءات احترازية تحسباً لإمكانية فرار عناصر من تنظيم فتح الإسلام يومها إلى أحيائه. أكثر من ذلك، اتخذ الجيش عام 2008 أيضاً إجراءات أمنية مماثلة في محيط المخيم، وتحديداً على تخوم مناطق المنكوبين والقبة وجبل محسن وباب التبانة المجاورة للمخيم بعد الأحداث التي شهدتها هذه المناطق صيف ذاك العام. لكن، رغم ذلك، لا شيء يخفف من هواجس الأهالي الخائفين دوماً من احتمال تحوّلهم إلى ضحايا أي توتر أمني جديد قد يشهده المخيم والمناطق المحيطة به عند أول انتكاسة أمنية مقبلة. ليس هذا فحسب، فتلك السواتر التي ترتفع حول مخيمهم تكاد تخنقهم بارتفاعها الذي يحجب عنهم رؤية الخارج. يفوق ارتفاعها الثلاثة أمتار. تعزلهم تماماً هي والسواتر والدشم التي وضعها الجيش سابقاً خلال وجوده التدريجي في المنطقة.
هذه السواتر هي إجراء عملي يدخل في إطار حماية نقاط ومراكز الجيش في المنطقة
تزنرهم تلك السواتر، فتمتد على نحو نصف دائري انطلاقاً من حاجز الجيش الكائن عند تقاطع زاوية المخيم الغربية ــــ المنكوبين ــــ جبل محسن، مروراً بالمنطقة الترابية الفاصلة بين المخيم وجبل محسن وتقاطع تعاونية ريفا، وصولاً إلى أطراف محلتي القبة والعيرونية على طريق طرابلس ــــ الضنية. ولئن لم تتضح إلى الآن الأسباب الحقيقية وراء هذه التعزيزات الأمنية والعسكرية التي يتخذها الجيش، إلا أن ما نقله وفد ممثلي الفصائل الفلسطينية في الشمال عن مسؤولين في الجيش اللبناني، أعاد شيئاً من الطمأنينة إلى نفوس الأهالي. فقد أوضح مصدر فلسطيني لـ«الأخبار» أن «ضباطاً كباراً في الجيش اللبناني أكّدوا لنا أن السواتر الترابية لا تستهدف المخيم بتاتاً، وليست موجهة ضده، بل هي إجراء عملي يدخل في إطار حماية نقاط الجيش ومراكزه في المنطقة، وأنه لا وجود لنيات مبيتة تجاه المخيم، وأن ما حدث في مخيم نهر البارد لن يتكرر، لأنه ليس هناك أي تحفظات أمنية للسلطات اللبنانية على مخيم البداوي». وأشار المصدر إلى أنه «لمسنا تقدير الجيش اللبناني لتعاوننا معه في تسليم أي مطلوب أو مشتبه فيه، لدرجة أننا لم نتوان عن التعاون معه في استجواب نساء من أهالي المخيم لأسباب أمنية، مع ما يمثّل ذلك لنا من حساسية اجتماعية في المخيم، إلا أن حرصنا على استقرار المخيم وأمنه، والتطمينات التي تلقيناها من قيادة الجيش، تجعلنا نتجاوز الكثير من الاعتبارات والشكليات». في موازاة ذلك، بحث وفد من قيادة الفصائل الفلسطينية مع مسؤولي فرع استخبارات الجيش اللبناني في الشمال موضوع إمكانية تخفيف الإجراءات الأمنية المتخذة عند حواجز الجيش على مداخل مخيم نهر البارد، طالبين منه إمكانية إطالة الفترة الزمنية لتصريح دخول فلسطينيين ليسوا من أهل المخيم إليه لزيارة أقاربهم أو أصدقائهم، فتم التوضيح لهم أن التصاريح تعطى لمن يرغب، وحسب المدة التي يطلبها بلا أي إشكال، بينما تشديد الإجراءات عند الحواجز جاء بعد العثور على تصاريح دخول مزورة.