وين ع رام الله
أمس وبعون الله و«غوغل إيرث»، جلت بفلسطين. بدت فلسطين من الأعلى أجمل من واقعها الذي تنقله وسائل الإعلام بكثير، لأنني ببساطة لم أستطع أن أميّز بين المناطق الفتحاوية والحمساوية. كانت فلسطين كياناً واحداً ذابت فيه كل ألوانها، والفضل مرة أخرى لغوغل إيرث، وليس للمبادرة المصرية. دفعني الفضول إلى التعرف على الداخل الفلسطيني أكثر، فأنا لم أسمع بغوش دان مثلاً، معادل «الداون تاون» في بيروت، إلا خلال حرب تموز 2006، فما اعتدنا على سماعه في الحروب السابقة مع إسرائيل كان أسماء المستوطنات، مثل كريات شمونة، زعريت، وكفر جلعاد. تهبط أكثر، تشعر كأنك تسقط من الفضاء مقترباً أكثر فأكثر من الصورة. تخاف خلال عملية الهبوط أن تقع على سطح منزل إسرائيلي، ربما ستحطّ في صالون عائلة إسرائيلية «آمنة». سيقال حينها إنها عملية إرهابية مدبّرة، محمود عباس سيدينها، حماس ستباركها ومصر سترفع من علوّ جدارها! أصل إلى «غوش دان» وتحديداً إلى رصيف هربيرت صموئيل. هناك، منطقة المارينا التي يتوسّطها سنسول بحري مثل سنسول ضبية في لبنان. بعد الكزدورة، تحتار إلى أين ستتجه، وخصوصاً أن فلسطين كلها مفتوحة أمامك بدون حواجز. وين بدنا نروح، وين بدنا نروح وفلسطين أمامك و«ما في شي وراك»، وين... ع رام الله.
تتجه شرقاً، ترى خطاً حدودياً متقطعاً يحيط بالضفة الغربية. ما تراه عيناك ليس الجدار الفاصل، بل الحدود المفترضة لما يسمّى السلطة الفلسطينية. تترك رام الله بعد أن تشاهد «بأمّ العين» بأن أسماء القرى العربية أصبحت عبريّة، مع العلم بأن الخبرية ليست بجديدة: منطقة قبر يعقوب أصبحت كوهاف يئكوف، وقرية أصفر أصبحت ميتساد. أترك الضفة الغربية وأتجه شمالاً، تحديداً إلى عكا وقضائها، أي من حيث أصلي وفصلي. أصل إلى عكا، ومنها أتجه غرباً إلى قريتي «دير حنا» التي أخبرني عنها والدي. أمرّ بقرية شعب، وأكمل طريقي لأجد بعض القرى العبرية: سيغيف اتسمون ويوفاليم، بإمكانك بسهولة، وكما كنت تفعل باللعبة الشهيرة أيام الطفولة، أن تحزر «أين الدخيل» بمجرد أن تشطب القرى العبرية. أتجه غرباً، فأصل إلى سخنين ومنها إلى وادي العين، فقرية عربة، ثم دير حنا، حيث تقع بالقرب من «حقل زيتون تاريخي»، كما تشير العبارة الموضوعة. أجول في قريتي متعرفاً إلى جوامعها ومدارسها، حتى محطات الوقود الموجودة فيها. نسيت أن أخبركم عندما قررت زيارة «فلسطين» على الغوغل إيرث، وجدت نفسي في شارع في ولاية تكساس، إذ يبدو أنه يختصر فلسطين بشارع في الولايات المتحدة. طبيعي، فهو لا يعترف إلا بإسرائيل.
برج البراجنة ــ قاسم س.قاسم

قليلاً من هنا...

لو أني أعطيتك أبعاد المدن بعضها عن بعض، وبعد كل منطقة عن مدينتي لاتّهموني بالتخابر مع العدو ونقل معلومات تمسّ «أمن الدولة»، علماً بأن أي شخص أنهى المرحلة الابتدائية وحضر جميع حصص الجغرافيا ويجيد استعمال «الغوغل إيرث» يمكنه أن يعرف جميع هذه المعلومات «القيّمة». والسبب في كلامي أني عتبت عليك لما وصلت «شعب» ولم تمرّ لزيارتنا في «طمرة» قريتي. لكني سأغفر لك، ففي النهاية أنا لم أزرك في برج البراجنة. ولأني بيتوتية لم أزر دير حنا، لكنّي كنت طالبة مجتهدة في ما مضى، وأعرف أن دير حنا وعرابة وسخنين بجوار طمرة، وأننا متصلون بالدم والهم. لكنّي زرت عكا كثيراً، وحالياً أسكن في حيفا، ومع ذلك يجب أن أعترف بأنك زرت فلسطين على الغوغل إيرث أكثر مما زرتها أنا. لا لكوني بيتوتية فقط، بل أيضاً لأن الأمر غير مريح دائماً، أحياناً يتملّكني شعور مضحك بأني أخيفهم، وفي كلتا الحالتين لا أسلم من التفتيش في محطات القطار ومحطات الباص المركزية، وهو أمر صار معتاداً، حتى إني أستغرب إذا تساهل أحدهم معي ومرّ مرور الكرام على حقيبتي!
ولأني بيتوتية، سأقول لك بصراحة: ذهبت وبحثت في ويكيبيديا عن «غوش دان»، ولأن البحث العربي لم يفدني إلا بما أعرفه أصلاً، بحثت بالعبرية وعرفت سبب التسمية، فدان هو سبط من أسباط بني إسرائيل الاثني عشر.
ونعود إلى الغوغل إيرث وأسماء المدن، فالآن لم يعد الأمر مقتصراً على تغيير أسماء بعض المدن التي هجرت وهدمت، وأقيمت فوقها مدن ومستوطنات جديدة وطمس تاريخها وزوّر تاريخ جديد، فاليوم يدور الحديث عن تغيير أسماء المدن كلها، بحيث تصبح القدس يروشالايم (وليس حتى أورشاليم) وتصير عكا عكو ويافا يافو، ويبقى سؤال واحد يحيّرني: ماذا سيسمّون حيفا؟ لأن اليهود القادمين من أوروبا يقولون خَيفا، أما الشرقيون فيقولون حَيفا، فأيّ اسم سيختارون؟
إلى أن يقرروا، ستظلّ فلسطين هي فلسطين، لا إسرائيل، وستظل عاصمتها القدس لا يروشالايم.
الجليل ــ أنهار حجازي