المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جورج ميتشل، يبدأ اليوم جولته في المنطقة. جولة كان من المفترض أن تكون ترويجيّة للأفكار الأميركية، غير أن التطورات خلال الأيام الماضيّة، حوّلتها إلى جولة إنقاذيّة لهذه الأفكار، وبالتالي للعمليّة التفاوضيّة. مهمّة المسؤول الأميركي لن تكون سهلة، غير أن المواقف الأخيرة الصادرة من رام الله ليست نهائية، والضغوط المتعدّدة قد تكون كفيلة بتعديلها
حسام كنفاني
ازدحمت المنطقة في الأسابيع الماضية بحركة دبلوماسيّة نشطة لإعادة إحياء عملية التسوية المجمّدة. أفكار عربيّة وأخرى أميركية، وبينهما مساعٍ أوروبية لتأدية دور ما مكمّل للجهد الدبلوماسي في الشرق الأوسط.
وفد مصري إلى واشنطن، سبقه وزير الخارجية الأردني، لحقه مستشار الأمن القومي الأميركي جيمس جونز إلى المنطقة، على أن يتبعه بدءاً من اليوم المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل.
حراك مكثّف حمل وتلقى مجموعة من الاقتراحات والأفكار لتسهيل العودة إلى طاولة المفاوضات. غير أن تناقضاً برز بين المسعيين الأميركي والعربي قد يعقّد هذه المهمة، وهو ما ظهر من الكلام الأخير لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس خلال اجتماع اللجنة المركزية لمنظمة التحرير. كلام يوحي بأن المساعي الأميركية ستصل إلى طريق مسدود. لكن هذا الإيحاء لن يكون نهائيّاً في ظل حال من الضغط المتعدد الأوجه، داخلي وخارجي، الذي قد يؤدّي إلى تبديل في الموقف المبدئي الفلسطيني الذي يعتصم به أبو مازن أخيراً.

المقترحات المصريّة

قصة الحراك التفاوضي بدأت من واشنطن، وانتقلت إلى القاهرة وشرم الشيخ، التي استضافت في الآونة الأخيرة اجتماعات ماراتونية، بلورت بعدها مقترحات حملت الصفة العربية، ونقلها وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ومدير الاستخبارات عمر سليمان إلى واشنطن.
وتؤكد مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» أن المقترحات صيغت بالتنسيق بين أبو الغيط ورئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات. الصياغة المصرية ـــــ الفلسطينية، مرفقة بغطاء عربي، نصّت على سبع نقاط تمثّل برنامجاً تفاوضيّاً، إضافة إلى شروط للعودة إلى طاولة التسوية.
البند الأول من المقترح استند إلى خطة خريطة الطريق، لجهة العودة إلى خطوط ما قبل 28 أيلول 2000، تاريخ اندلاع انتفاضة الأقصى. إذ نصّ على إعادة الاعتبار للمناطق «أ» و«ب» في الضفة الغربية، وتحويل 10 في المئة من مناطق «ج» إلى مناطق «أ» أو «ب»، ولا سيما أن هذا التحويل كان من المفترض أن يبدأ منذ عام 1996، إلا أن وصول بنيامين نتنياهو في ذلك الحين إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية أوقفه.
البند الثاني يطلب إزالة بعض الحواجز الرئيسية في الضفة الغربية، التي تفصل المدن بعضها عن بعض. وجرى التركيز في المقترح على حاجزي حوارة قرب نابلس والكونتينير قرب أريحا الذي يفصل جنوب الضفة عن وسطها.
الأميركيون يلمّحون إلى العودة لوثيقة بيلين ــ أبو مازن لتوسيع حدود القدس
إزالة الحواجر جاءت ضمن المطالبة بإبداء «حسن النيّة» تجاه رئيس السلطة الفلسطينية، وهو أيضاً ما نصّ عليه البند الثالث، الذي يشدد على ضرورة إطلاق أسرى فلسطينيين معيّنين للسلطة، لا يكونون مشمولين بصفقة الأسرى بين «حماس» وإسرائيل.
الأفكار المصرية لم تنس قطاع غزّة، الذي خصّه البند الرابع بالمطالبة بتخفيف الحصار المفروض عليه، والقيام بترتيبات لدخول مواد إعادة الإعمار إلى القطاع.
البنود السابقة لم تكن إلا ممهدات «حسن نية» للعودة إلى المفاوضات. عودة لها شروطها أيضاً. شروط تبدأ من البند الخامس من الأفكار المصرية ـــــ العربية، التي تطالب باستئناف المفاوضات من النقطة التي انتهت إليها في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت. لكن مع التزام بوقف تام للاستيطان لمدة خمسة أشهر. الجانبان العربي والفلسطيني سعيا إلى التخفيف من حدة هذا الشرط، عبر إرفاقه بالإشارة إلى أنه لا داعي لأن يكون الإعلان عن التجميد علنيّاً. يكفي أن يكون القرار داخليّاً ويبلّغ إلى الإدارة الأميركية، التي تتكفّل بمراقبته إلى جانب اللجنة الرباعيّة الدوليّة.
الأفكار العربية تطلب، سادساً، أن تبدأ المفاوضات على أساس الأراضي المحتلة في عام 1967، لكن الحدود النهائيّة تحدّد بعد الاتفاق على تبادل الأراضي في الضفة الغربية، شرط أن لا تتجاوز نسبة التبادل 2 في المئة، بما فيها القدس الشرقيّة المحتلة.
البند السابع والأخير يشترط أن تكون المفاوضات مربوطة بسقف زمني واضح وثابت، سنتان على سبيل المثال. وأن تبدأ بترسيم الحدود، على أن يستتبعه انسحاب إسرائيلي من مناطق الدولة الفلسطينية، على أن تكون المعابر الحدودية خاضعة لمراقبة قوّات دولية، من دون وجود إسرائيلي. والمراقبة هي جزء من مطالبة إسرائيلية سابقة لضبط ما يدخل إلى أراضي الدولة الفلسطينية وما يخرج منها.

الخطة الأميركية

الأميركيون استمعوا إلى ما طرحه أبو الغيط وسليمان في واشنطن، غير أن ما هو مطروح أميركيّاً مختلف عمّا حمله المسؤولون العرب، ولا سيما لجهة الاستيطان وتبادل الأراضي والقدس المحتلة.
ووفق مصادر فلسطينية مطّلعة، فإن العرض الأميركي المقدّم إلى أطراف العملية السياسية، يتألف من مجموعة نقاط، أولاها تتعلّق بالتجميد الاستيطاني. لكن العرض يتبنّى ما أعلنه نتنياهو سابقاً عن التجميد لمدة عشرة أشهر في الضفة الغربية، واستثناء القدس. والحجة الأميركية قائمة على أساس أن الوضع الحكومي الإسرائيلي لا يحتمل أكثر من ذلك.
وعلى أساس الوقف الاستيطاني الإسرائيلي، تنتقل الخطة الأميركية إلى المفاوضات على الحدود خلال فترة التجميد، على أن يتم التوصّل إلى اتفاق خلال 9 أشهر. وتتحدّث الخطة عن تبادل أراضٍ، من دون ربطها بنسب، وتتجنّب ذكر حدود الرابع من حزيران 1967.
غير أن الأبرز في العرض الأميركي هو شرحه لخطوة ما بعد الاتفاق على الحدود، إذ تشير إلى أن المناطق خارج حدود السلطة سيكون مباحاً فيها الاستيطان. أما القيود فستكون على المستوطنات داخل حدود السلطة، أي أن بعد الترسيم ستبقى هناك مستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية، من دون أن تشرح طبيعة وجود هذه المستوطنات أو آلية التعامل معها.
العرض الأميركي يستوحي من الأفكار العربية نقطة تقديم تسهيلات للسلطة (إزالة حواجز، وإطلاق أسرى) لتجميل ما هو مقدّم. كما يتحدّث عن تقديم ضمانات لأبو مازن على أن المفاوضات لن تستمر أكثر من سنتين.
عبّاس يشير إلى شرط جديد للعودة إلى التفاوض لا علاقة له بالاستيطان
غير أن الضمانات لعباس لا تقاس بالضمانات المقدّمة إلى إسرائيل، والتي ستكون مستوحاة من رسالة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون. رسالة كانت تتضمن تعهّداً أميركياً بعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين، وعدم العودة إلى حدود الرابع من حزيران، وحق تبادل الأراضي، وعلى أن القدس المحتلة ستكون عاصمة لإسرائيل.
العرض لا يتطرّق إلى وضع القدس إلا لماماً، إذ يشير إلى اعتبار القدس عاصمة للدولتين، من دون تفصيلات. فالعرض الأميركي لم يأخذ باقتراح أحمد أبو الغيط إعلان القدس مدينة مفتوحة، كما لم يتحدث عن التقسيم. غير أن المصادر الفلسطينية أشارت إلى أن ما يجري الحديث عنه هو العودة إلى وثيقة يوسي بيلين وأبو مازن، التي وضعت في عام 1995 تمهيداً لانطلاق مفاوضات الحلّ النهائي التي كان من المرتقب انطلاقها في أيار 1996. الوثيقة تتحدّث عن توسيع حدود القدس لتضم أبو ديس والعيزرية، على أن تكون هذه المناطق، إضافة إلى أجزاء قليلة من القدس الشرقيّة عاصمة للدولة الفلسطينية.
المصادر الفلسطينية تؤكّد أن العرض الأميركي بشكله الحالي مرفوض من الجانب الفلسطيني، وهو ما برز من حديث عبّاس أمام اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير يوم الأربعاء الماضي، عن التمسك بشرط التجميد التام للمفاوضات.
غير أن ضغوطاً متعدّدة الأوجه تُمارس على أبو مازن، الذي يعيش صراعاًً بين البقاء على موقفه أو العودة إلى المفاوضات، التي يستمد منها مشروعيّته السياسيّة. وعلى هذا الأساس، فإن أصواتاً من داخل منطمة التحرير، وفي مقدّمها صائب عريقات، تدفع باتجاه إيجاد مخرج ما للعودة إلى المفاوضات. وإضافة إلى الضغط الممارس أميركيّاً، والذي من المتوقّع أن يتصاعد في الأيام المقبلة، فإن الأردن يقوم بدور كبير في الدفع باتجاه العودة إلى التفاوض، على اعتبار أن بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدّي إلى انفجار الأمور في الضفة الغربية، وبالتالي تهديد الأمن القومي الأردني عبر إحياء مشروع الترانسفير الإسرائيلي، الذي تحدّث عنه صراحة أبو الغيط قبل أيام، باعتباره أحد الحلول المطروحة إسرائيلياً.
الموقف الفلسطيني إلى الآن قائم على الرفض لما هو مقدّم، غير أن التبديلات واردة في أي لحظة. بوادر التبديلات قد تكون في ما أعلنه أبو مازن أول من أمس أمام المجلس الثوري لحركة «فتح»، حين أشار إلى شرطين لاستئناف المفاوضات. الشرط الأول المعروف وهو التجميد الاستيطاني. أما الثاني وهو المستجد، فيقوم على «أن تأتي أميركا وتقول هذه هي نهاية اللعبة في ما يتعلق بتحديد الحدود وقضية اللاجئين وغيرها من القضايا النهائية حتى نتمكن من الوصول إلى حل سياسي».
موقف قد يكون مقدّمة لإنقاذ مهمة ميتشل، وما يحمله.


استنساخ النموذج السوريغير أن مثل هذا الحل غير مستساغ إسرائيليّاً، إذ إن بنيامين نتنياهو يفضّل مفاوضات علنية، ولا يحبّذ وجود طرف ثالث على الطاولة، على اعتبار أن هذا الطرف سيأخذ جانب الفلسطينيين.