علي حيدركشفت صحيفة «هآرتس»، أمس، عن جانب من الأسرار التي دفعت رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى اتخاذ قرار بتأجيل التصويت في مجلس حقوق الإنسان على تبني تقرير لجنة غولدستون، مطلع تشرين الأول من العام الماضي. وأكدت أن تراجع أبو مازن عن المضيّ في التقرير أتى بعد «اجتماع قاس» مع رئيس جهاز «الشاباك»، يوفال ديسكين، هدده خلاله بـ«تحويل الضفة إلى غزة ثانية». وفي خطوة تعكس الابتزاز الإسرائيلي للأمور الحياتية للشعب الفلسطيني، ذكرت الصحيفة أن رئيس «الشاباك»، الخاضع مباشرة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، «هدد بإلغاء تسهيلات حركة الفلسطينيين في الضفة وإعادة الحواجز التي أزالها الجيش الإسرائيلي خلال النصف الأول من العام الماضي»، إضافة إلى إمكان أن تؤجل إسرائيل التصديق على تشغيل الشركة الخلوية «الوطنية موبايل» التي وقّعت عقداً مع السلطة الفلسطينية، وهو ما سيفرض على السلطة دفع تعويضات للشركة تقدر بعشرات ملايين الدولارات.
وعن وصول ديسكين إلى مقر الرئاسة في المقاطعة في رام الله، نقلت «هآرتس» عن مصدر فلسطيني مقرب من عباس قوله إن رئيس «الشاباك» حضر برفقة دبلوماسي أجنبي دُعي إلى زيارة المقاطعة في اليوم نفسه، وإن إسرائيل وجهت تهديدات مشابهة لقيادة السلطة عبر ضابط رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي. ورفض «الشاباك» التعقيب على تقرير «هآرتس» بالقول إنه «ليس من عادته التعليق على ما يرد في وسائل الإعلام عن جدول أعمال رئيس الشاباك أو اجتماعاته».
يُشار إلى إنه في حينه أُرجئ التصويت على تقرير غولدستون بطلب من رئيس السلطة الفلسطينية، الأمر الذي أثار غضباً شديداً وواسعاً بين الفلسطينيين، ما دفع عباس إلى التراجع بعد أسبوعين والمطالبة مجدداً بالتصويت على التقرير في مجلس حقوق الإنسان.
وكان تقرير غولدستون قد اتهم تل أبيب بتنفيذ جرائم حرب بحق الفلسطينيين في غزة وأثار قلقاً واسعاً في إسرائيل من احتمال بحثه في مجلس الأمن الدولي في حال عدم إجراء الدولة العبرية تحقيق مستقل في الاتهامات التي وجهت لها بانتهاك قوانين الحرب والقانون الدولي خلال عدوانها على قطاع غزة.
وكان الوفد برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون قد أوصى بأن يطالب مجلس الأمن إسرائيل بأن تبلّغه خلال ستة أشهر، أي حتى آذار المقبل، بالتحقيق في الخروق التي عُثر عليها وبتقديم المسؤولين عن ذلك إلى المحاكمة، وفي حال عدم حصول ذلك سيُنقَل الملف إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية.
وكما هي العادة في محطات مشابهة، تحاول الولايات المتحدة الحؤول دون صدور قرار مناهض لإسرائيل خلال التصويت المتوقع بعد شهرين، ولهذه الغاية زار تل أبيب قبل نحو عشرة أيام وفد أميركي رفيع المستوى، برئاسة مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان مايكل بوزنر، لإقناع الحكومة الإسرائيلية بإجراء تحقيق ذاتي ونشر تقرير عن الأحداث التي جرت خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
في هذا الإطار، اجتمع الوفد الأميركي بعدد من المسؤولين الإسرائيليين، بينهم الوزير دان مريدور، الذي يؤيد إجراء مثل هذا التحقيق وبرئيس الأركان غابي أشكنازي الذي يعارض بحزم التحقيق في سلوك الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى النائب العسكري العام، اللواء أفيحاي مندلبليت الذي عقد في الفترة الأخيرة محادثات في واشنطن حول المسألة نفسها. وأكد بوزنر، خلال لقاءاته، أن مهمته «ترمي إلى مساعدة إسرائيل في إزالة تقرير غولدستون من جدول الأعمال، وأن السبيل للوصول إلى ذلك تكمن في إجراء تحقيق جذري في خمسة أحداث مركزية تتعلق بقتل مدنيين فلسطينيين تظهر في تقرير غولدستون، ونشر تقرير مفصل عن هذا التحقيق». في المقابل، أعلنت الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة أنها ستسلم تقريرها عن توصيات تقرير غولدستون، الأسبوع المقبل.