فيينا | تتابع وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم أزمة اللاجئين السوريين. تعاطف جماهيري ملموس مع الشعب السوري رافق الفظائع المرتكبة مع المهاجرين، إلا أن هذا التعاطف خلق للدول الأوروبية التي فتحت حدودها مشكلة كبيرة لم تكن تتوقعها. ليس كل من وصل أوروبا سوريا بل على العكس، الأقلية في هذا السيل البشري المتدفق هي سورية، فمعظم اللاجئين هم من العراق بالمرتبة الأولى، يليهم الأفغان والهنود والبنغال والمصريون والمغاربة واللبنانيون والفلسطينيون.
يقول خالد الشامي، وهو موظف في دائرة الهجرة الدولية يعمل على توثيق حركة لجوء السوريين إلى دول أوروبا: «حركة اللجوء الأخيرة تستحق الوقوف عندها نظراً لازدياد الأعداد على نحو لافت، هل يُعقل أن يهاجر السوريون دفعة واحدة وبهذه الكثافة؟ كانت مهمتنا البحث عن إجابة لهذا السؤال لذلك انطلقنا في رحلة التوثيق من تركيا متابعين رحلتنا ونحن الآن في النمسا، وجدنا أن الغالبية العظمى من المهاجرين ليست سورية، بل على العكس تماماً فإن السوريين أقلية مهاجرة، وقد اعتمدنا في ذلك على الجولات الميدانية والمشاهدات الشخصية لجميع أماكن حضور المهاجرين، ساعدنا بقاء المهاجرين على حدود بعض الدول لأيام على الوصول إلى نسبة مئوية عبر توزيعهم إلى قطاعات يتألف كل قطاع من مئة مهاجر. لم يتجاوز عدد السوريين في كل قطاع ثلاثين شخصاً، وفي حالات كثيرة أقل من تلك النسبة، يمكن أن نعطي نسبة مئوية بثقة وهي لا تتجاوز ٢٥٪ من عدد المهاجرين الكلي، بينما تصل نسبة العراقيين إلى ٥٠٪، والأفغان نحو ١٥٪، وبقية الجنسيات ١٠٪».
يتدافع بعض المهاجرين، العراقيون مثلاً، إلى أوروبا طمعاً بالجنسية، ويتضح للجميع أن أوضاعهم المادية جيدة: هم يدفعون أضعاف ما يدفع السوري في كل جزء من رحلة الهجرة، قلة هم الفقراء الهاربين من حرب «داعش» في العراق.
يقول فاضل العراقي، وهو ملازم أول ترك الجيش العراقي: «نحن أيضاً نعاني في العراق، لا يمكن قياس معاناتنا بمأساة الشعب السوري لكن هي أيضاً معاناة... نحن العسكريون ظروفنا أصعب من ظروف المدنيين لذلك نهاجر».

سرقة وتزوير

لا يدخر المهاجرون غير السوريين طريقة للحصول على أوراق ثبوتية سورية، سواء بالتزوير أو بالسرقة، ووصل سعر جواز السفر السوري المزور إلى ٤٠٠٠ دولار أميركي، طالبوه بالدرجة الأولى عراقيون، ويراوح سعر البطاقة الشخصية وإخراجات القيد وشهادات قيادة السيارات والشهادات الثانوية والجامعية بين ٥٠٠ و١٥٠٠ دولار.

نريد التوجه إلى
فنلندا لكن نقول إننا سوريون لتسهيل إجراءات مرورنا


سرق مسلحو المعارضة طابعات الجوازات والبطاقات الشخصية من مناطق كثيرة في سوريا، وكذلك سرقوا مكتب وزارة الخارجية في حلب واستولوا على الأختام الرسمية، ساهم هذا في ازدهار تجارة التزوير وبيع الثبوتيات السورية في المدن التركية.
يقول محمد السعدون، وهو مواطن عراقي مهاجر إلى فنلندا: «نحن لا نريد البقاء في ألمانيا، نريد التوجه إلى فنلندا لكن بصراحة نقول إننا سوريون لتسهيل إجراءات مرورنا عبر الدول، ولا يمكن إنكار أن بعضنا حصل على أوراق سورية بطرق مختلفة، بالتأكيد ليست شرعية».
سوريون كثر فقدوا أوراقهم في ظل الازدحام الشديد تجري سرقتهم، هناك من امتهن سرقة الأوراق السورية الرسمية لما لها من قيمة مادية، لذا تجد السوري حريصاً كل الحرص على أوراقه.
يقول سامي الأسعد، وهو مهاجر سوري كان مديراً لقسم الصيانة في الشركة المتحدة للصناعات الدوائية في دمشق: «خرجت مع أطفالي إلى لبنان بعدما ساءت الأوضاع كثيراً، وحين لم يبق أمل بالعودة خرجنا في رحلة الهجرة إلى أوروبا. حين وصلنا تركيا شاهدنا مآسي كثيرة، منها استغلال الأتراك للسوريين، واستغلال العراقيين لأزمة اللاجئين السوريين وشراء أوراق سورية والهجرة على أنهم سوريون، ولهذا الأمر سلبيات كثيرة، منها رفع تكاليف الهجرة وأخذ فرصة وحق المواطن السوري باللجوء والإقامة، بسبب العراقيين زاد التضييق على المهاجرين لأن الجميع يدعون أنهم سوريون».

إجراءات احترازية

سأل صحافي فرنسي سيدة مهاجرة من أي بلد أخبرته أنها سورية من الشام، كان السؤال الثاني عن سبب اختيارها النروج لتقديم اللجوء، أجابت بعفوية: «لأنها أفضل للعراقيين». انتبهت الحكومات الأوروبية وخاصة الألمانية، أن أعداد هائلة من المهاجرين غير السوريين قد دخلوا أراضيها أخيراً مدعين أنهم سوريون، وهذا أزعج السلطات الألمانية حيث اضطرت لإغلاق حدودها بوجه اللاجئين للمرة الأولى منذ بدء موجة اللجوء، ولا يدخل حدودها اليوم إلا من يحمل جواز سفر سوريا أو بطاقة شخصية. وهذا ما رفع قيمة جواز السفر السوري ولم يعد من أسوأ الجوازات في العالم كما صُنف أخيراً عبر مواقع متخصصة.
يقول إبراهيم العلي، وهو شاب من محافظة الرقة، سقط في البحر بسبب ضربات خفر السواحل التركي لزورقه وضاعت أوراقه كلها: «أثناء تسجيل الأسماء في جزيرة كيوس اليونانية سألوني عن اسم زوجة الرئيس بشار الأسد، وطلبوا مني أن أنشد لهم النشيد العربي السوري، إضافة إلى أسئلة كثيرة أخرى حاولوا من خلالها معرفة هويتي. يسألونك عن أمور لا يمكنك توقعها، بقدر ما هي تفاصيل بسيطة بقدر أهميتها، المشكلة الأكبر ستكون عند الحدود الألمانية النمساوية، حيث شدد الألمان إجراءاتهم كثيراً. أرسل إلي أخي صورة عن جوازي كنت قد تركتها في البيت، وآمل أن يسمحوا لي بالدخول من خلالها».
رحلة اللجوء السوري ما زالت مستمرة، ويستمر الاستثمار فيها بمختلف الوسائل غير المشروعة، وتبقى أبواب الدول الأوروبية مشرّعة لكل من جارت عليه أوضاع بلاده... على الأقل حتى تضع الحرب أوزارها.