اختارت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر، أحد وجوه التهدئة لقيادة دفّتها، في مرحلة لا يزال النظام فيها يلعب لعبة الكرّ والفرّ مع «الإخوان»
القاهرة ــ الأخبار
«الله أكبر ولله الحمد»، بهذا الهتاف أصبح محمد بديع المرشد الثامن في تاريخ جماعة «الإخوان المسلمين»، التي حسمت مستقبل خلافة مرشدها بعد جدل مثير سياسياً. وكأن الجماعة تقول «الكلام إليك يا جارة». فالمرشد السابق مهدي عاكف، لم يجدد ترشّحه واكتفى بولاية واحدة رغم الضغوط والخلافات، التي قيل إنها ستُعرّض الجماعة للانقسامات الحادة.
وفي الحقيقة، كان اختيار محمد بديع، الذي ينتمي إلى التيار المحافظ، تعبيراً عن اتجاه إخواني يجنح نحو تجنب الاصطدام المباشر مع نظام الحكم، الذي عرفوه خلال عهد عاكف.
وللوهلة الأولى، يبدو محمد بديع هادئاً، عليه سمة الوقار، خلافاً لسلفه العصبي والحادّ المزاج. ذلك أن بديع أدلى بتصريحاته فور توليه المنصب الجديد، منتقياً تعابير سلمية تعكس شخصيته المسالمة نسبياً، من دون أن يفرّط في إبداء التفاؤل بمستقبل الإخوان مع الحكومة في ظله.
ومحمد بديع عبد المجيد سامي، هو من مواليد المحلة الكبرى، في تاريخ، 7/8/1943. متزوج بـ«إخوانية» مثله، ولديهما من الأولاد ثلاثة هم: عمَّار (مهندس كومبيوتر)، وبلال (طبيب أشعة)، وضحى (صيدلانية)، والأحفاد 4 هم: رؤى وحبيب وإياد وتميم.
والمرشد الجديد حاصل على بكالوريوس طب بيطري، من جامعة القاهرة سنة 1965. وكان يعمل أستاذاً متفرغاً في قسم الباثولوجيا في كلية الطب البيطري ـــــ جامعة بني سويف، فيما شغل منصب مسؤول مكتب إداري المحلة في الجماعة، في عام 1977، ثم مسؤول مكتب إداري بني سويف عام 1990، إلى أن وصل إلى تسلم عضوية مكتب إرشاد عالمي ومشرف جهاز التربية، في عام 2007. وهو الآن عضو مكتب الإرشاد المحلي والعالمي منذ 1996.
الأقباط شركاء في هذا الوطن والمواطنة أساس المشاركة الكاملة
لكن هذه الخلفية الأكاديمية والاجتماعية تخفي في طياتها رجلاً طالما عرف طريقه إلى السجون، إذ يوضح ملفّه الأمني أنه كان طرفاً في القضية الأولى العسكرية، سنة 1965 مع المفكر الإسلامي سيد قطب، الذي أعدمته السلطات. وحُكم على بديع بـ15 عاماً، قَضى منها 9 سنوات، وخرج في عام 1974. وعاد إلى عمله في جامعة أسيوط، ثم نُقل إلى جامعة الزقازيق، وسافر بعدها إلى اليمن، حيث عمل مسؤولاً للتربية في الرابطة، التي تنتمي إلى الإخوان، بين عامي 1982ـــــ1986، ليعود من هناك إلى جامعة بني سويف.
أمّا القضية الثانية، فهي السجن لمدة 75 يوماً في قضية جمعية الدعوة الإسلامية في بني سويف عام 1998؛ كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة جمعية الدعوة في بني سويف بعد اعتقال القيادي حسن جودة.
والقضية الثالثة، هي قضية النقابيين سنة 1999؛ حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن خمس سنوات، قضى منها 3 سنوات وثلاثة أرباع سنة، وخرج بثلاثة أرباع المدة سنة 2003، فيما كانت القضية الرابعة، أثناء الانتخابات المحلية في نيسان من عام 2008، لمدة شهر.
والسؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه السيرة الطويلة: هل تُفلح سياسة شعرة معاوية التي تبناها بديع بإقناع النظام المصري بتخفيف حدة قبضته بالتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين؟ أم أن حسابات ملف التوريث واحتمالات صعود جمال نجل الرئيس حسني مبارك إلى السلطة، خلفاً لوالده، ستفرض نظاماً جديداً يخشاه المراقبون، ولا سيما مع اقتراب سنة الحسم عندما تنتهي فترة الولاية الخامسة لمبارك الأب.
التصريحات الأولى للمرشد الجديد تسير في اتجاه تعزيز مرحلة التهدئة، ودفع صورة «الاعتدال» إلى واجهة الجماعة التي تمر بمنعطف خطير في تاريخها.
اللافت أن بديع رفض تقبيل يده أولاً من المرشد السابق مهدي عاكف، أو من بقية مكتب الإرشاد. وهي عادة تسمى في أعراف الجماعة بـ«اليد الاسترشادية». ويُقبّل فيها أعضاء مكتب الإرشاد يد المرشد في نوع من الطاعة السياسية.
إلّا أن المرشد الجديد، فضّل تقبيل الكتف. وأكد في تصريحات بعد المبايعة أن «الإخوان المسلمين جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين»، وأنها «لا تحتكر الإسلام في تنظيمها»، مشيراً إلى أن الجماعة «مستمرة على النهج الإصلاحي المتدرج» و«أسلوب سلمي ونضال دستوري». وأوضح أن «الإخوان ليست لديهم خصومة ولا يمثلون أي خصومة لنظم الحكم». بيد أنه أرسل في الكلمة نفسها عدة رسائل أكد فيها أنهم في الجماعة «يرون الأقباط شركاء في هذا الوطن»، وأن المواطنة «أساس المشاركة الكاملة والمساواة في الحقوق والواجبات» من دون أن ينسى طبعاً، إدانة العنف الطائفي بكل أشكاله.