لم يكن ينقص قطاع غزّة إلا السيول لتزيد المعاناة الناجمة عن الحصار الإسرائيلي. سيول اجتاحت المناطق البدوية، وخيم اللاجئين الجدد الذين شرّدهم الاحتلال خلال عدوان «الرصاص المصهور». الاحتلال ليس بريئاً من السيول أيضاً، ليس لحصاره، بل لفتح سدوده على القطاع لتصريف مياه الأمطار التي غمرت جنوب الأراضي المحتلّة
غزة ــ قيس صفدي
غمرت سيول جارفة عشرات المنازل البدوية المتواضعة في منطقتي جحر الديك والمغراقة جنوب مدينة غزة، جرّاء فتح سلطات الاحتلال الإسرائيلي سد وادي غزة بطريقة مفاجئة تزامناً مع أمطار غزيرة هطلت على القطاع. وأصيب نحو تسعة مواطنين، بينهم نساء وأطفال، ونفقت طيور وحيوانات، وشرّدت نحو 100 عائلة بدوية من «عرب الملالحة» جراء السيول والمياه المتدفقة بقوة وبارتفاع تجاوز مترين.
وقال سكان في منطقة جحر الديك، القريبة من السياج الحدودي الفاصل بين القطاع وفلسطين المحتلة عام 48، إن السيول غمرت فجأةً منازلهم ومزارعهم وحظائر الطيور والماشية، وسبّبت كارثة حقيقية وخسائر كبيرة.
ووصفت نور العيماوي ما حل بمنزلها وبعشرات المنازل المتواضعة في المنطقة بأنه «مشهد مرعب». وقالت: «دهمت المياه منازلنا وأكشاكنا بطريقة عنيفة ومفاجئة، وفقدنا السيطرة على أنفسنا وأبنائنا، وشُغل كل إنسان للنجاة بنفسه».
وتشير معلومات جهات حكومية وحقوقية فلسطينية إلى أن سلطات الاحتلال عمدت إلى فتح سد وادي غزة، من الجهة الشرقية من السياج الحدود الفاصل بين القطاع وفلسطين المحتلة عام 1948 بطريقة مفاجئة، ما أدى إلى غرق عشرات المنازل المقامة في منطقة منخفضة على جانبي الوادي.
لحظات عصيبة مرت بالعيماوي وهي متعلّقة بجذع شجرة تقاوم السيل الجارف، الذي أتى على كل شيء في المنطقة، ولم تخرج من منزلها إلّا بمهر ابنتها والملابس التي ترتديها.
وقالت العيماوي: «فقدت 60 رأساً من الغنم هي كل ما أملكه في هذه الدنيا، ولولا عناية الله وشجاعة بعض الشباب الذين هرعوا لنجدتنا لكنت في عداد الموتى».
وانهمك فايز خليل فرج الله (50 عاماً) وأبناؤه في البحث بين أنقاض منزلهم، الذي غمرته المياه، عن ممتلكاتهم وما يمكن إنقاذه. وقال إن «الأضرار كانت كبيرة نتيجة وقوع السيل في وقت المساء، وفيما كان الوادي مغلقاً من منفذه الغربي في تجاه البحر»، مشيراً إلى ما بقي من منزله الذي اجتاحته المياه، وأتت على محتوياته. ولفت إلى نفوق مئات رؤوس الغنم والجمال والأبقار والدواجن، ووقوع أضرار جسيمة في المزارع والأشجار.
وقال المسنّ خليل الملالحة (65 عاماً) إنه لم يشهد من قبل سيلاً بهذه الخطورة والقوة، ووصف ما حل به وبأقاربه وجيرانه بأنه «مصيبة كبيرة». وأضاف، وهو يرتجف من شدة البرد بعدما فقد ملابسه وممتلكاته، «جاءنا سيل الوادي على غفلة، ولم أستطع التحرك، فانتشلني منقذون ومسعفون من موت محقق».
أما عدنان الخمايسة، فيرسم المشهد بالقول: «كنت في بيتي انا وأطفالي ووالدي، وكان الجو عاصفاً والرياح تشتد حدّتها، خرجت لتفقّد الأغنام والماشية، ورأيت أن المياه بدأت تتدفق في الوادي، عرفت حينها أن الأمر خطير، بدأت بإخراج أفراد أسرتي ـــــ وبالكاد فعلت ـــــ حتى بدأت المياه الجارفة تندفع بقوة كبيرة في الوادي، وتأخذ في طريقها البيوت والماشية والإبل، حاولت بكل قوة أن أخرج من قلب السيل ودون جدوى، فبدأت أتشبّث بالأشجار وبأيّ شيء أجده في طريقي، وبقيت على هذه الحال، حتى جرفني السيل أكثر من مرة وغرقت، إلى أن أُنقذت». ويضيف «كانت ليلة مرعبة، لقد رأيت الموت ألف مرة، لم أكن أتوقع أن تكون حدة السيل وقوة اندفاعه بهذا الشكل، لقد كان مرعباً ومخيفاً».
وأوضح رئيس بلدية المغراقة يوسف أبو هويشل أن خسائر فادحة لحقت بممتلكات المواطنين والأراضي الزراعية التي غمرتها ودمرتها المياه بالكامل.
ووصف وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة «حماس»، أحمد الكرد، فتح سلطات الاحتلال سد وادي غزة بأنه «جريمة جديدة تضاف إلى سجل الجرائم الإسرائيلية ضد غزّة».
وقال الكرد، بينما كان يتفقّد الدمار على جانبي وادي غزة، إن ارتفاع السيول وصل إلى أكثر من مترين ما سبّ جرف المنازل والمزارع. وأضاف «إن الحكومة في غزة فتحت مدرسة في المنطقة لإيواء العائلات المشرّدة».
وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان إن سلطات الاحتلال أقدمت للمرة الثانية في أقل من عشر سنوات على فتح سد وادي غزة، الذي تقيمه منذ سنوات طويلة لمنع مياه الأمطار من الانسياب الطبيعي إلى القطاع، وحرمان الخزان الجوفي في القطاع مصدراً من مصادر تغذيته.
وحمّل القطاع الزراعي في شبكة المنظمات الأهلية سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن غرق عشرات المنازل وتشريد عدد كبير من الأسر الفلسطينية على جانبي وادي غزة.
أضرار الأمطار لم تقتصر على جنوب قطاع غزّة، فشوارع وسطه وشماله أيضاً غرقت بالأمطار. غير أن اللّاجئين كانوا المتضرّر الأكبر، هم الذين لا يزالون قابعين في الخيام منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي.
ولم يستطع اللاجئون منع المياه من التدفّق إلى خيامهم، ولا سيما أنها تدفقت في ساعات المساء، ما دفع الكثيرين منهم إلى مغادرة مخيمات اللجوء إلى أقارب أو مدارس خصّصت للإيواء.
وفي السياق، لقي إسرائيليان مصرعهما جراء السيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة التي هطلت في جنوب فلسطين المحتلة. وأعلنت الشرطة الإسرائيلية أنها عثرت على جثة رجل فقدت آثاره منذ يوم أول من أمس بعدما جرفت السيول سيارته. وكانت وحدات إنقاذ قد أنقذت رجلاً وامرأة من السيارة ذاتها التي علقت وسط مياه السيول في منطقة وادي عربا. لكن المرأة توفيت بعد إنقاذها بوقت قصير.
السيول أيضاً سبّبت وفيَات وجرحى في سيناء المصرية، حيث أعلنت السلطات ارتفاع عدد القتلى إلى 12، فيما أجبرت السيول المتدفقة من مرتفعات جبلية مئات الأسر على إخلاء منازلها خشية من الغرق، بسبب تواصل هطول الأمطار بكثافة على شبه الجزيرة الصحراوية.
وقال مسؤولون أمنيون إن عشرات الأسر باتت في العراء، بعدما ترك أفرادها منازلهم في قرى شمال سيناء. وأضافوا إن الشرطة حذّرت السكان من البقاء في بيوتهم بعد ازدياد منسوب مياه السيل أمام أحد الخزّانات في المنطقة.