المعارضة تعتمد «تشتيت الأصوات»... والبشير «صورة المرشح المدني»جمانة فرحات
مع إعلان معظم أطياف المعارضة السودانية خوضها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإن بتحفّظ، وتوالي الترشيحات من جميع الأحزاب المشاركة، يدخل السودان مرحلة جديدة من الحراك السياسي، تمهيداً للانتخابات المزمع عقدها بعد أقل من ثلاثة أشهر.
حراك يبدو حتى الآن أنه يسير وفقاً لمخططات جميع الفرقاء للمرحلة المقبلة، سواء أكان ذلك في شمال البلاد أم في جنوبها.
وعلى صعيد الانتخابات الرئاسية، بدأ الرئيس السوداني عمر البشير الاستعداد لمنافسة لا يبدو أنها ستكون سهلة، في ظل استراتيجية «تشتيت الأصوات» التي اختارت المعارضة اتّباعها في مواجهته.
ومن الواضح أن المعارضة السودانية، وإلى جانبها الحركة الشعبية لتحرير السودان، قررت العمل على محاصرة البشير بعدد كبير من المرشحين يمثلون مختلف أطياف المعارضة. وفي مقدمة هؤلاء المرشحين، الذين بلغ عددهم حتى الآن اثني عشر مرشحاً، رئيس الكتلة البرلمانية للحركة الشعبية لتحرير السودان، ياسر عرمان، إضافةً إلى كل من سكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد، فضلاً عن مرشح المؤتمر الشعبي المعارض بقياده حسن الترابي، عبد الله دينق نيال.
وتهدف خطة المعارضة بالدرجة الأولى إلى إرضاء مؤيدي مختلف الأحزاب، بما يسمح لكل منهم باختيار مرشحه.
وتعدد الخيارات سيسهم في سحب أكبر قدر ممكن من الأصوات من أمام البشير، وعدم السماح له بحصد نسبة تفوق الـ50 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى، تمهيداً لخوض دورة ثانية ستخضعها المعارضة، في حال نجاحها في بلوغها، لاستراتيجية مواجهة ثانية تحددها نتائج الدورة الأولى ودلالاتها.
ولذلك تهدف المعارضة ـــــ التي كانت تفضّل تأجيل الانتخابات لإكمال استعداداتها ـــــ إلى محاولة معرفة حجم التأييد الشعبي لها، وخصوصاً أن الانتخابات المقررة في العام الحالي تعدّ أول انتخابات تعددية منذ 24 عاماً. وهي سنوات كافية لإحداث تحولات في الخريطة الساسية، لن تحدّد نطاقها سوى الانتخابات المقبلة.
في المقابل، بدأ الرئيس السوداني، المدرك جيداً لتوجهات المعارضة، خوض حملته الانتخابية بأسلوبه الخاص في محاولة منه للاحتفاظ بمنصبه الرئاسي، الذي يتولاه منذ عام 1989. وقد أقدم البشير على الاستقالة من منصبه كقائد عام للقوات المسلحة السودانية. وعلى الرغم من أن الاستقالة أتت انسجاماً مع متطلبات شروط الترشح، فإنّ البعض رأى في موعد صدورها قبل تقدمه بترشحه الرسمي، خطوة تهدف إلى تقديم صورة المرشح المدني بعيداً عن ماضيه العسكري، ومذكّرة التوقيف الصادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية على خلفيات الحرب الأهلية في دارفور.
كذلك عمد البشير، من موقعه كرئيس لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، إلى إلغاء ترشيح كلٍّ من شقيقه محمد حسن أحمد البشير، وابن أخته دفع الله عبد الله دفع الله، من قائمة مرشحي الحزب للبرلمان في الانتخابات المقبلة.
وأقدم البشير أيضاً على إقالة 7 من حكام الولايات في محاولة منه للحد من الخلافات التي تعصف بأعضاء الحزب الحاكم على خلفية صدور أسماء المرشحين للانتخابات، وتوحيد الجهود استعداداً ليوم الاقتراع.
ولا تبدو الحال مختلفة كثيراً في الانتخابات البرلمانية، في ظل تقديم مختلف الأحزاب السودانية مرشحين لها، وإن كان الحديث يدور عن احتمال توصل شريكي الحكم إلى تسوية تسمح لهما بتقاسم معظم المقاعد الانتخابية البرلمانية.
كذلك ستشهد انتخابات حكام الولايات في الشمال منافسة قوية، وخصوصاً بعدما قررت الحركة الشعبية مقارعة حزب البشير في العاصمة الخرطوم، من خلال اختيارها القيادي في الحركة ادوارد لينو لمنافسة الوالي الحالي عبد الرحمن خضر.
وعلى الرغم من أن الحراك الانتخابي في الشمال يبدو أكثر حيوية، فإنّ للجنوب نصيبه أيضاً. وقد أسهم إعلان رئيس الحركة الشعبية ـــــ التغيير الديموقراطي، لام أكول، الترشح في وجه زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، سلفا كير ميارديت، وإعلان المؤتمر الوطني قراره خوض انتخابات رئاسة حكومة الجنوب، في إعطاء جو تنافسي للمعركة، وإن كان مستبعداً أن تحمل انتخابات الجنوب أي مفاجآت. وتزامن إعلان الحزب الحاكم، مع إلغاء المحكمة الدستورية قرار ميارديت بمنع حزب أكول من ممارسة النشاط السياسي في الإقليم الجنوبي، ما يشير إلى أن قرار المؤتمر الذي صدر أول من أمس جاء رداً على ترشيح عرمان في الشمال.
في غضون ذلك، باتت توجّهات الحركة الشعبية أكثر وضوحاً للمرحلة المقبلة مع إعلان ميارديت تفرغه للمعركة على رئاسة حكومة الجنوب، فاتحةً بذلك أبواب المناورة على مصراعيه.
ومن هذا المنطلق يمكن قراءة ترشيح الحركة لعرمان لا ميارديت في مواجهة البشير. فالحركة تدرك جيداً أن زعيمها لا يتمتع بشعبية كبيرة في الشمال، وخصوصاً أن البعض يطلق عليه لقب «النائب الغائب» بدلاً من النائب الأول للرئيس، بسبب عدم اكتراثه بشؤون شمال السودان.
في المقابل، يعدّ عرمان من أبرز قادة الحركة في الشمال، الذين خاضوا معارك سياسية في مواجهة حزب البشير. وتعتقد الحركة أن بإمكانه جذب العديد من الأصوات بصفته مسلماً وشماليّاً.
كذلك، فإن عرمان صاحب الميول العلمانية، يوضح إلى حدٍّ بعيد رؤية الحركة لمستقبل «السودان الجديد». ففوز عرمان في الانتخابات الرئاسية، يعني عملياً سيطرة الحركة الشعبية على كامل السودان، على اعتبار أن الرئيس السوداني إذا كان من الشمال، ملزماً حكماً بتعيين رئيس حكومة الجنوب نائباً له، مع ما يعنيه هذا من احتمال إعادة خلط للأوراق حول خيارات الوحدة والانفصال. احتمال يدلّ على أن الخيار الوحيد الذي تقبله الحركة بديلاً عن الانفصال، هو سودان موحد قائم على المبادئ العلمانية وبعيداً عن سيطرة الأحزاب الإسلامية.