الرباط | بدت إدارة عملاق صناعة الأثاث السويدية «إيكيا» متفاجئة بالقرار المغربي بحقها، وكذلك المتابعون، ولم تتضح الرؤية إلا بعد تسريب خبر للصحافة يؤكد أن رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، دعا الأمناء العامين للأحزاب الممثلة في البرلمان، بالإضافة إلى فيدرالية اليسار، لحضور اجتماع طارئ يخص قضية الصحراء من دون إعطاء تفاصيل.
بعدما فرّقتهم سبل السياسة، عقب انتخابات جماعية وجهوية شهدت منافسة حادة، جمع ملف الصحراء الغربية الأحزاب، من المعارضة والغالبية، في مكتب رئيس الحكومة، بأمر مباشر من الملك محمد السادس، عقب ورود أنباء مؤكدة عن أن السويد تتجه إلى الاعتراف بـ«الجمهورية الصحراوية» التي سبق أن أعلنت عنها جبهة البوليساريو الانفصالية من طرف واحد مدعومة من الجزائر.
في المغرب، يعتبر ملف الصحراء مصيرياً، وتحاول الدولة أن تجعله باستمرار أولوية الأولويات، وهي ترصد لمناطق الصحراء ميزانيات ضخمة لإرضاء الصحراويين ولتأهيل مناطقهم ضماناً لولائهم، حتى إن تدبيره سياسياً بقي، على امتداد عقود، حكراً على دائرة ضيقة مرتبطة مباشرة بالقصر الملكي، إذ لا علاقة للحكومات المتعاقبة به إلا من باب دعم الاستراتيجيات التي تعدّ النواة الصلبة للحكم في المملكة.
الاجتماع الطارئ، الذي دعيت له الأحزاب، حضره مستشار الملك في الشؤون الخارجية، الطيب الفاسي الفهري، وخلاله جرى الكشف عن تفاصيل اعتزام السويد، بعد وصول الاشتراكيين إلى الحكم، الاعتراف بـ«الدولة الصحراوية»، ومن ثم خلص إلى القيام بزيارة قيادات الأحزاب المجتمعة السويد للتواصل مع مختلف الفاعليات في هذا البلد لشرح الرؤية المغربية للنزاع، ولمحاصرة دعوات الجهات المدافعة عن «البوليساريو»، والتي تلقى تعاطفاً كبيراً بفضل سنوات من إنتاج خطاب المظلومية باسم «الشعب الصحراوي».
في المقابل، ينتقد كثيرون إحاطة تفاصيل الملف بكثير من السرية، إذ لا تُخبر السلطة في المغرب الأحزاب والمجتمع المدني بكل المستجدات وكواليس المفاوضات، في الوقت الذي تطلب منهم «التجييش» لصالح القضية، مثلما حدث أخيراً، إذ لم يكن أحد على اطلاع على المستجدات حتى قيلت في الاجتماع مع رئيس الحكومة، ثم تقرر إجراء زيارات للسويد بطلب من السلطة.
وخرجت وزيرة الخارجية السويدية، مارغوت فالستروم، في مقابلة إذاعية مع «الإذاعة السويدية الرسمية»، لتنفي نفياً قاطعاً أن تكون الحكومة اتخذت قرار الاعتراف بجبهة «البوليساريو» كدولة، بل إن الأمر على طاولة النقاش فقط. وقالت: «حكومتي تقوم بمراجعة موقفها بخصوص قضية الصحراء ولا تريد الاستعجال في اتخاذ القرار الذي قد يقوض العلاقات المغربية السويدية».
لكن المغرب لا يعتقد بأن اعتراف السويد بالجمهورية الصحراوية سيقف عند حدود ستوكهولم، بل سيفتح الباب ويشجع عدداً من الدول الإسكندنافية التي لا يخفي العديد من الأحزاب فيها تعاطفه مع الجبهة الانفصالية، وهو أمر بالنسبة إلى المغرب بالغ الخطورة. فالرباط تدرك أن هذه الدول تحظى باحترام واسع، وأنها لا تقارن بأي حال بدول في أفريقيا أو في أميركا اللاتينية، لذلك تحركت الآلة الدبلوماسية الرسمية والمدنية لتطويق أي تفاعلات سلبية للقرار في حال إقراره.
ويسجل العديد من الملاحظين أن الدبلوماسية المغربية في كثير من المرات تتعامل برد الفعل مع المستجدات، وما يدل على ذلك هو أن قيادات حزبية عدة، دقت قبل سنوات جرس الإنذار بخصوص التحولات التي تحدث في السويد، بحيث نبه عبد الهادي خيرات، عضو المكتب السياسي السابق في «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» من أن السويد تتجه إلى الاعتراف بـ«البوليساريو»، وأن المغرب تأخر كثيراً في الرد وأنه يمكن أن يستيقظ في أي لحظة على خبر مزعج.

المغرب يتجه إلى مقاطعة الشركات السويدية عملاً بمبدأ المعاملة بالمثل، بعد حملات المقاطعة لشركاته

التحذير نفسه أطلقه القيادي في حزب «الحركة الشعبية»، لحسن حداد، قبل أن يصبح وزيراً للسياحة في الحكومة الحالية، حيث كتب في مقال سنة 2011 أن جبهة «البوليساريو» استطاعت إقناع العديد من الأحزاب السويدية بوجهة نظرها لإقامة دولة للصحراويين، وأن الدولة المغربية والأحزاب وفاعليات المجتمع المدني مطالبة بالتحرك «قبل أن تقع الفاس في الرأس».

حرب السياسة في أرض الاقتصاد

كثير من المتتبعين استغربوا قرار «عرقلة» استثمار مجموعة «إيكيا» في المغرب. ففي بلد يجتهد لاستقطاب الرساميل الخارجية، تعتبر «محاصرة» مشروع استثماري ضرباً لصورته على المستوى الدولي وفي ما يتعلق بمناخ الأعمال. لكن كان حادث المنع الجزء الذي يظهر من جبل الجليد فقط، بحيث كانت تدور، خلف الكواليس، حرب اقتصادية وسياسية ودبلوماسية شرسة، اتضحت معالمها بعد جلسة الحكومة التي عقدت يوم الخميس الماضي، الذي كشف عن أن هناك «تطورات خطيرة تعرفها كل من السياسة والموقف السويدي السلبي إزاء قضية الصحراء المغربية»، قبل أن يصف مواقف السويد بـ«العدائية»، «ليس فقط بسبب محاولات السعي نحو الاعتراف بالجمهورية الانفصالية المزعومة، بل لأنه اتخذ أبعاداً اقتصادية تستهدف عيش المغاربة وقوتهم بفعل قرارات متواصلة في السويد من أجل مقاطعة المنتوجات المغربية ذات المنشأ في الأقاليم الصحراوية الجنوبية ومقاطعة الشركات المغربية ومقاطعة الشركات الأجنبية التي تتعامل مع بلادنا، وتنشط في الأقاليم الصحراوية».
الحكومة قالت إن هذا الوضع الذي انطلق منذ سنوات يفرض اتخاذ موقف صريح وحازم، وخاصة أن ما صدر عن السويد لم يعد يقتصر على التراب السويدي، بل امتد إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تم شن حملات من أجل التصويت ضد الاتفاقيات التي يبرمها الاتحاد الأوروبي مع المغرب، وتجنيد وتعبئة الدول الأخرى للقيام بنفس الأمر، وصولاً إلى دعم منظمات غير حكومية أجنبية أو مغربية من أجل الانخراط في هذه السياسات.
وذكر مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، في مؤتمر صحافي، أن «المملكة وهي تقيم كل ذلك تفكر في اتخاذ إجراءات مماثلة وبطريقة جدية تجاه السويد، وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل، وخاصة أن الأمر يمس عيش المغاربة واقتصادهم وشركاتهم ومؤسساتهم الاقتصادية، في ظل ما يكشفه الميزان التجاري بين كل من السويد والمغرب والمختل بشكل كبير لفائدة السويد، حيث تفوق الصادرات السويدية إلى المغرب حوالى سبع مرات الصادرات المغربية إليها».
وذكر المتحدث ذاته أن المغرب سيتجه إلى مقاطعة الشركات السويدية عملاً بمبدأ المعاملة بالمثل، بعد حملات المقاطعة للشركات المغربية، وأيضاً بعد الإقدام على تقديم الشركات السويدية إلى القضاء في حالة عدم التزامها بهذه السياسة السويدية، قبل أن يعبر عن أمله بأن تراجع السويد سياستها ومواقفها وتعيد النظر في سياستها الاقتصادية المتعلقة به، قبل أن يطلق تهديداً صريحاً: «وإلا سنذهب إلى أبعد مدى في توجهنا للرد بالمثل».