اتفقت الرئاسات العراقية الثلاث، الجمهورية والحكومة والبرلمان، في اجتماع عقدته مساء أول من أمس في بغداد، على إحالة المشمولين بقررات «هيئة المساءلة والعدالة» على القضاء ليقول كلمته في مسألة استبعادهم من المشاركة في انتخابات السابع من آذار المقبل. قرار يأتي كترجمة سريعة لنتائج زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن إلى بغداد، ويُنتظَر أن يكون خطوة تمهيدية لـ«الإعفاء» عن عدد من الممنوعين من الترشّح بحجّة الترويج لفكر حزب البعث، وخصوصاً من صفوف السياسيين من العرب السُّنة.ولم تطل مكابرة رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي أصرّ على أنّ قضية الاجتثاث «داخلية وسيادية»، قبل أن يجتمع مع الرئيس جلال الطالباني ورئيس البرلمان إياد السامرائي، ويصدر بياناً نقل عن الطالباني قوله: «توصلنا إلى نتائج مشتركة، في ما يتعلق بموضوع الذين شملهم الاجتثاث: كل من لا يوافق على هذا القرار يستطيع أن يراجع المحكمة التمييزية التي انتخبها البرلمان». وأعلن أنه سيجري الإسراع في تأليف «هيئة المساءلة والعدالة» الجديدة، مشدداً على أن «القانون هو السائد، والدستور هو المرجع»، علماً بأنّ الهيئة الحالية لـ«المساءلة والعدالة» غير قانونية، بما أنّ ولايتها منتهية منذ أشهر.
ورداً على أسئلة الصحافيين، أكد الطالباني أن «البلاد بخير وليست هناك حالة حرجة»، مشيراً إلى أنّ المصالحة الوطنية هي «ديدن الحكومة ورئاسة البرلمان ورئاسة الوزراء». وأضاف: «لا نستطيع أن نفرض التوافق على القانون وعلى المحكمة وعلى الدستور. التوافق مبدأ سياسي في التعاملات السياسية، وهذه قضية قضائية قانونية لا نستطيع، لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء ولا رئيس البرلمان، أن نتدخل في شؤون القضاء من أجل التوافق».
الإدارة الأميركية ستستأنف حكم البراءة الصادر بحق «بلاك ووتر»
بدوره، أصرّ السامرائي على ضرورة تأليف «هيئة المساءلة والعدالة»، مشيراً إلى أنّ الهيئة التمييزية المؤلفة من 7 قضاة تمييز، «تصبّ في هذا الهدف». أما المالكي، فأشار إلى أنّ «هذا الموضوع قضية قانونية لا تحتاج إلى المزيد من هذا الجدل الذي شوّش على العملية القانونية التي جرت. الآن أصبح أمامنا مجموعة من الأسماء أصبحت مشمولة بحكم الهيئة، ولم تكن من قائمة واحدة ولم تكن فيها أبعاد طائفية سُنية أو شيعية أو كردية، بل جميع القوائم شُملت بهذا القرار». وأكد أنه يقتضي على من يُرشَّح إلى الانتخابات أن يقول: «أنا غير مشمول. أنا غير بعثي. أنا غير مروِّج لحزب البعث. أنا لا أؤمن بحزب البعث وعودته للعملية السياسية». وتابع: «بإمكان الذين يريدون أن يراجعوا القرار الصادر أن يذهبوا إلى الهيئة التمييزية، وهي التي تقول كلمتها النهائية».
وفي خطاب أذيع تلفزيونياً أمس، لفت المالكي إلى أنّ «من غير الإنصاف شمول كل الذين انتموا إلى حزب البعث المنحل بالاجتثاث، وهناك من يستحقون الحماية تقديراً لمواقفهم». وفي كلام مشابه للذي صدر عن الطالباني يوم الخميس الماضي، ذكّر رئيس الحكومة بأنّ «عطاءات ونتائج الكثير من الذين اضطروا إلى الانضمام إلى هذا الحزب، أثبتت صدق الكثير من هؤلاء بعودتهم وبرفضهم وبراءتهم من الحزب».
وكان بايدن قد حاول جاهداً التنصّل من صحة التقارير التي جزمت بأنّ زيارته المستعجلة إلى عاصمة الرشيد تهدف إلى إيجاد حلّ سريع لأزمة اجتثاث العرب السُّنة. وقال إنّ حضوره «ليس بهدف التدخل»، واصفاً الخلاف بأنه «شأن داخلي عراقي». لكنه جدد اهتمام إدارته بإجراء انتخابات «شفافة وعادلة وتضم الجميع، وهو أمر من شأنه تعزيز صدقية الانتخابات لدى المجتمع الدولي»، في إشارة إلى رغبة إدارة الرئيس باراك أوباما بعدم تهميش العرب السُّنة في الانتخابات العامة الأخيرة التي تجري في بلاد الرافدين قبل انسحاب قوات الاحتلال منه.
وكان نائب الرئيس الأميركي يتنقّل في بغداد على وقع تظاهرات المئات من التيار الصدري «ضدّ زيارة بايدن التي يُراد من ورائها إشراك البعثيين في العملية السياسية» على وقع هتافات «كلا كلا أميركا. كلا كلا بعثية».
أما المعنيون بقرارات الاجتثاث، ورئيس الجبهة العراقية للحوار الوطني صالح المطلك تحديداً، فجزم بأنّه لا يعوّل على زيارة بايدن لحل هذه القضية.
وفي الشق الآخر لزيارة نائب الرئيس الأميركي، رأى المالكي، بعد اجتماعه بضيفه، مسؤول ملف العراق في إدارة باراك أوباما، أن العلاقات بين العراق والولايات المتحدة «شهدت تحسناً كبيراً وتجاوزت التعاون العسكري، ولدينا رغبة أكيدة في تطويرها في جميع المجالات وفي إطار تنفيذ اتفاقية الإطار الاستراتيجي».
أما بايدن، فتطرق إلى موقف واشنطن من الحكم القضائي الذي برّأ عناصر شركة المرتزقة الأميركية «بلاك ووتر» من جريمة قتل 17 عراقياً في «ساحة النسور». وأبلغ نائب الرئيس الأميركي، المالكي، أن بلاده «ستستأنف حكم البراءة الصادر»، معرباً عن «أسفه الشخصي» لهذه «الحادثة».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز)