على وقع الحرب الجديدة مع تنظيم «القاعدة» في اليمن، تتواصل المعارك بين الجيشين اليمني والسعودي ضد الحوثيّين في شمال صعدة، وسط حديث عن مفاوضات تجري في السر لوقف الحرب. مفاوضات بدأت تظهر بوادرها مع خفض السلطات اليمنية لبنك أهدافها، والانتقال من الحديث عن الإصرار على سحق المتمردين إلى التأكيد أن الحسم العسكري «غير وارد».وبين إمكان التوصل إلى حل قريب واستبعاده، تتوزّع وجهات النظر بين من يرى أن الأزمة باتت تستعصي على الحل، ومن يرى أن هامش مناورة صنعاء بعد التطورات الأخيرة التي يشهدها اليمن باتت محدودة، ما يحتّم عليها التوصل إلى تسوية مع الحوثيين.
وما بين وجهتي النظر، يبقى أن المشكلة الأساسية لدى الحوثيين أنهم يمثّلون خطراً يتهدّد نظام علي عبد الله صالح لا وحدة البلاد، ما يفسر التشدد الذي كان يبديه الرئيس اليمني في معالجة جذور الأزمة مع المتمردين.
وقد تحوّل صالح بفعل الحروب الست، وعجز ألوية النخبة التي استخدمها عن إنهاء التمرد خلال الجولات المتكررة، إلى رهينة بيد الحوثيين، الذين تثير قدرتهم على خوض حربين على جبهيتن في آن واحد علامات استفهام كثيرة. علامات استفهام تبدأ بحجم التسلح الذي يمتلكونه ولا تنتهي بمصادره، إلّا أن إصرار صالح على الاستمرار في الحرب مهما بلغ حجم الخسائر يبدو أنه ذهب أدراج الرياح، بعدما أيقن أنّ من المستحيل الاستمرار في الحرب السادسة التي تسانده فيها السعودية مباشرةً، على الأقل مرحلياً، بعد الظهور العلني لعناصر تنظيم «القاعدة» على أراضيه.
ظهور فتح باب الضغوط الأجنبية، وتحديداً الأميركية، على مصراعيه، وبدّل في أجندة الأولويات بالنسبة إلى النظام اليمني، وإن على مضض.
وفي ظل هذه المعطيات، كان من البديهي أن تنشط الوساطات لحل الأزمة، بعضها محلي، فيما يكتسي بعضها الآخر طابعاً إقليمياً.
وفي الإطار، كشف مصدر يمني مطلع عن مفاوضات سرية تجري بين السلطات اليمنية وقادة المتمردين لإنهاء الاقتتال في صعدة، والخروج من الحرب بماء الوجه، وسط حديث عن استدعاء قائد العمليات في صعدة، علي محسن الأحمر، إلى صنعاء بهدف ترتيب وقف إطلاق النار في صعدة.
وسبق الإعلان عن تقدّم المفاوضات المحلية، محاولات للوساطة سورية وقطرية الطابع. وتصاعد الحديث خلال اليومين الماضيين عن دور سوري مباشر في المبادرة التي أعلنها الحوثي تجاه السعودية، على الرغم من أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، تحدث قبل فترة وجيزة عن إفشال بعض الأطراف لوساطة كانت تقودها دمشق بين صنعاء من جهة، وطهران والحوثيين من جهة ثانية. كما تزامنت عملية إعادة تحريك الوساطات مع زيارة مفاجئة قام بها وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، أحمد آل محمود، إلى صنعاء قبل أيام. زيارة أتت بعد فترة من التوتر أعقبت اندلاع الحرب السادسة، وذلك بعدما رأى الرئيس اليمني أن الاتفاقية التي وقعتها اليمن مع المتمردين بوساطة قطرية في الدوحة، انتهى مفعولها، لأنها جعلت من المتمردين نداً للحكومة. قبل أن يعود وزير الخارجية، أبو بكر القربي، ويؤكد من قطر، أن الحل مع الحوثيين ينطلق من اتفاق الدوحة. إعلان يتماشى مع الرغبة الأميركية المستجدة في التوصل إلى حل للأزمة، وخصوصاً في ظل رفضها منذ البدء التدخل السعودي.
رفض جاء لعدم وجود رغبة في إعطاء الطابع الإقليمي للحرب من جهة، وهو ما تبيّن من خلال إصرار واشنطن على عدم الاعتراف بوجود علاقة بين الحوثيين وإيران، وعدم اقتناعها بمحاولة الرئيس اليمني ـــــ على عكس قناعاته ـــــ الربط بين المشكلة الحوثية والحراك الجنوبي و«القاعدة»، وأخيراً، لإدراكها أن مشكلة الحوثيين، إضافةً إلى الحراك، لن يأتي حلّهما إلّا بواسطة سياسية عاجلاً أو آجلاً.