ألوف بنيثير الاعتراف المعلن لرئيس الولايات المتحدة باراك أوباما، بفشل جهوده لتجديد المسيرة السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين قلقاً عميقاً. يمكن أن نتفهّم الإحباط الذي يثير في أوباما عناد بنيامين نتنياهو ومحمود عباس، وتسويفهما والحسابات السياسية بينهما. لكن ليس الحديث ها هنا عن المنافسة بين أوباما وأسلافه حول من يحرز سلاماً أكبر في الشرق الأوسط، بل في منع الحرب. إن نفض أميركا يديها يزيد خطر الاشتعال في المنطقة، وقد أخذ الهواء يمتلئ ببخار الوقود.
تأتي الإشارات التي تشهد على انفجار قريب من كل صوب: من إيران ولبنان والضفة الغربية، ومن غزة وإسرائيل التي تواجهها جميعاً. بدل التهدئة والتسكين، يشحذ القادة السيوف ويتبادلون التحرش. يشجع ضعف «الشرطي العالمي» حكام المنطقة على المخاطرة.
يجري في الجبهة الإيرانية سباق تسلح وتهديدات. فإيران تطور سلاحاً ذرياً، وإسرائيل تهدد بشن حرب وقائية وقصف المنشآت النووية، فيما يهدد الإيرانيون بأن يدمّروا تل أبيب رداً على ذلك. الاستعداد العسكري يعزز صدقيّة الردع: فقد زادت إسرائيل الميزانية الأمنية وهي تدرب سلاح الجو على هجمات بعيدة المدى، بينما تجرب إيران صواريخ أرض ـ أرض. إيران تسلح حزب الله وحماس بصواريخ تصل إلى غوش دان، أما إسرائيل فتطور نظام حماية من الصواريخ، وتعدّ الجبهة الداخلية للحرب. في شهر أيار سيجرى تدريب قُطري عام كبير، وقد استقرّ رأي المجلس الوزاري المصغر على توزيع أقنعة غاز على السكان جميعاً، في وقت تخرج فيه وحدات الإنقاذ إلى هاييتي للتدرب على علاج كارثة جماعية. إيران وقّعت اتفاق دفاع مشترك مع سوريا وعززت علاقتها بتركيا، وقاربت إسرائيل مصر.
في الشمال يستكمل الجيش الإسرائيلي وحزب الله الاستعدادات العسكرية لمواجهة أخرى، في ظل تبادل التحذير المعلن. وفي الضفة يستعد الفلسطينيون لانتفاضة ثالثة، تنحصر في عصيان مدني في مواجهة المستوطنات وجدار الفصل، وفي جهد لعزل إسرائيل والاعتراف بدولة فلسطينية. يلتقي كبار السلطة وفيهم رئيس الحكومة سلام فياض «اللجان الشعبية» التي تقود الاحتجاج على الجدار في بلعين ونعلين لقاءات مغطاة إعلامياً، وهم يرون أن هذه هي الطريق المناسبة لتحقيق «حقوقهم»، لا العمليات الانتحارية. وفي غزة فشل التفاوض في تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، وتختلّ الهدنة مع كثرة الحوادث على الحدود.
إسرائيل دُفعت إلى ضائقة استراتيجية. حذر رئيس الحكومة قبل أيام من «الدعوة إلى إبادة الدولة اليهودية»، واستحثّ العالم على «مواجهة الشرّ قبل أن يتفشى». لكنّ العالم يتنكّر لإسرائيل، ويراها دولة محتلة برصاء، تقودها حكومة يمين متطرفة. في إسرائيل، التأليف بين مخاوف الكارثة والعزلة الدولية يهيىء للشغب، فيما يحدد نتنياهو للعالم «بضعة أسابيع» لوقف الشر.
إزاء الفلسطينيين انحرف نتنياهو بقسوة إلى اليمين، بعدما استقبلت تفضلاته باستهانة في البيت الأبيض والمقاطعة، وعاد الإعلام «اليساري» إلى مضايقته هو وزوجته. تبرز حكومته جهودها لتهويد شرق القدس، بمساعدة حماسية من رئيس البلدية نير بركات وإزاء صرخة شديدة للفلسطينيين وأشياعهم. إن مواقف نتنياهو السياسية التي تدعو إلى ضمّ الكتل الاستيطانية وإلى سيطرة عسكرية على غور الأردن، لا تختلف عن مواقف إيهود أولمرت وإيهود باراك. لكن في التوقيت الحالي، تستقبل تصريحاته في مراسم الغرس هذا الأسبوع في غوش عتصيون ومعاليه أدوميم وقوله «سنبقى ها هنا إلى الأبد»، الذي يرمي إلى تقريبه من قاعدته السياسية في اليمين، تستقبل في العالم على أنها تحدّ. وبعد ثمانية أشهر سينتهي التجميد الجزئي في المستوطنات.
في وضع كهذا، ترك اللاعبين الإقليميين وحدهم أسرى رغباتهم القوية في «تصفية الحساب» مع العدو يزيد من خطر الحرب. قد يكون أوباما أعمى ولا يدرك ذلك، أو أنه ضاق ذرعاً بـ«اليهود والعرب». إلا أن هناك إمكاناً آخر وهو أن يكون يسلك سلوك هنري كسينجر قبل يوم الغفران ـ أي أنه ينتظر اشتعالاً يدعو بعده الأطراف المضربون أميركا لتخليصهم وصنع نظام في المنطقة.