سحبت مؤسسة النقد العربي السعودي (المصرف المركزي للمملكة العربية السعودية) في الأشهر الستة الأخيرة ما يصل إلى 70 مليار دولار من ثروتها المودعة لدى مختلف المؤسسات المالية حول العالم، في سياق سعي المملكة إلى السيطرة على العجز المتنامي في موازنتها، وتمويل حربها في اليمن، في ظل انهيار أسعار النفط العام الماضي، حسبما جاء في مقال نُشر على موقع «بلومبرغ» في 28 من الشهر الماضي.
مقال «بلومبرغ» أشار إلى أن الاحتياطات من السندات الأجنبية، التي تحتفظ بها السلطة النقدية السعودية، قد تدنت بنحو 10% في تموز من العام الجاري، لتصل إلى 661 مليار دولار، نزولاً من مستوى قياسي من 737 مليار دولار سجلته في آب من العام الماضي. وتنقل «بلومبرغ» عن الاقتصادي المختص في منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس»، جايسون توفاي، قوله إن الأمر ليس مستغرباً البتة، نظراً إلى تعاظم عجز الموازنة و«خطر هروب الرساميل» من السعودية، وإن «الحقيقة الجديدة في السعودية هي تآكل احتياطات النقد الأجنبي، لا مراكمتها».
وفي سياق متصل، تشير مجلة «ذي إيكونوميست»، في مقال نشرته في الثالث من الشهر الجاري، إلى تكبد شريحة واسعة من «السعوديين العاديين»، من الموظفين في سوق الأسهم المحلية، خسارة كبيرة على مدى السنة الجارية، حيث «فشل فتح سوق الأسهم المحلية أمام المستثمرين الأجانب، في حزيران الماضي، في الحد من تدهوره»؛ إذ انخفض مؤشر «تداول» المرجعي بأكثر من 30%، بحسب موقع «بلومبرغ».
ويتوقع صندوق النقد الدولي، في تقرير تناولته جريدة «الفاينانشال تايمز» في مقال نُشر الشهر الماضي، أن يصل عجز الموازنة السعودية في العام الجاري إلى 20% من ناتجها المحلي، بتجاوزه 400 مليار ريـال سعودي، في ظل تراجع نمو الناتج المحلي إلى 2.8% العام الجاري، و2.4% العام المقبل (مقارنة بـ3.5% في العام الماضي)، متوقعاً أن يحوم معدل النمو، على المدى المتوسط، حول 3% فقط.

رفعت المملكة حصة موازنتها العسكرية من الناتج المحلي
إلى 10%

وبحسب التقرير، إن تراجع مؤشرات الاقتصاد السعودي نابع أساساً من انخفاض أسعار النفط، ومن التباطؤ في تنفيذ أجندة «الإصلاحات» المحلية، وأخيراً وليس آخراً، «تصاعد التوترات الإقليمية»، في إشارة إلى الحروب التي تخوضها السعودية، مباشرة أو بالواسطة. ويحذر الصندوق من أن الانخفاض الحاد في إيرادات النفط، بالتوازي مع استمرار زيادة النفقات، سيؤدي إلى «عجز كبير جداً في الموازنة في العام الجاري وعلى المدى المتوسط، وبالتالي إلى تآكل الاحتياطات المالية التي بُنيت على مدى العقد الماضي».
وفي هذا الوقت، وبحسب موقع «سي إن إن» المختص بالشؤون المالية، رُفعت الموازنة العسكرية للمملكة بنحو 17% في العام الماضي، لتبلغ حصتها من الناتج المحلي حوالي 10%؛ كذلك زاد الملك سلمان، عند اعتلائه العرش في كانون الثاني من العام الجاري، من العطاءات «السخية» للعاملين في القطاع العام والمتقاعدين والطلاب وغيرهم من الفئات، ما أسهم بتفاقم عجز الموازنة. وعلى هذه الخلفية، يشدد صندوق النقد الدولي على ما يراه حاجة لتغييرات تدريجية، لكن كبيرة، وعلى مدى سنوات عدة، في السياسة المالية السعودية، تتضمن إلغاء الدعم لسعر مبيع المشتقات النفطية في السوق المحلي، وتقليص رواتب العاملين في القطاع العام، وزيادة كفاءة الاستثمارات فيه، وتوسيع الإيرادات غير النفطية (تقليص الاعتماد على قطاع النفط، حيث تشكل الإيرادات النفطية نحو 80% من مجمل إيرادات الموازنة)، عبر إجراءات تشمل فرض ضرائب جديدة، أولها الضريبة على القيمة المضافة، وضريبة على العقارات.
ويشير التقرير إلى المستوى العالي للبطالة في السعودية (40% بطالة الشباب)، مع نمو نشط للقوى العاملة (5% سنوياً). ويرى الصندوق، في تقريره، أن من شأن عدم تطبيق «الإصلاحات» أن يحوّل صافي الثروة المالية للمملكة (أي الودائع الحكومية، بعد تنزيل الدين العام)، إلى السلبية في عام 2018.
من جهته، يرى الاقتصادي في مصرف HSBC، سايمون وليامز، أنّ «من غير الواقعي، نظراً إلى حدة انخفاض الواردات (الناتج من انهيار أسعار النفط)، التقدير أن يكون لإجراءات خفض النفقات أثر ملحوظ في (تقليص) العجز في المدى القصير»، في حديث لموقع «بلومبرغ».
وينقل الموقع نفسه، في مقال نُشر في 28 من الشهر الماضي، تحذير محللين ماليين من أن استخدام السعودية المتزايد لاحتياطاتها النقدية في الخارج، بغرض تقليص عجز موازنتها، من شأنه أن يهدد تصنيفها الائتماني. وفي سياق بحثها عن سبل لتمويل إنفاقها المتزايد (في مجال الرشوة الاجتماعية الواسعة النطاق محلياً، وتمويل الحروب إقليمياً)، وبعدما كان محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، فهد المبارك، قد أعلن في تموز الماضي عن إصدار السلطة النقدية السعودية ما قيمته 4 مليارات دولار من سندات الدين للسوق المحلية (للمرة الأولى منذ عام 2007)، تحدثت صحيفة الـ«فاينانشال تايمز»، في عددها الصادر في 5 آب الماضي، عن خطط سعودية لإصدار سندات دين بقيمة 27 مليار دولار، بحلول نهاية العام الجاري، ما يمثل «المؤشر الأكثر قتامة على حجم الضغط الذي تسببه أسعار النفط المنخفضة على مالية أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم».
وتوقع مصرفيون أن يمتد برنامج الاستدانة هذا إلى عام 2016، بحسب الصحيفة نفسها، التي تبدي استغراباً لإعطاء المملكة الأولوية للمحافظة على مستوى إنفاقها الحالي (بل زيادته)، على الرغم من الضغط المتزايد على موازنتها. وتقول السعودية إن إصرارها على عدم خفض إنتاجها (وإنتاج الدول الأعضاء في منظمة «أوبك») من البترول، وامتناعها بالتالي عن محاولة دعم أسعار النفط، نابع من رغبتها في الدفاع عن حصتها في الأسواق العالمية، ولا سيما في مواجهة منافسيها الجدد، منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.
وتشير الصحيفة إلى أن برنامج إصدار سندات الدين المذكور سيغطي فقط جزءاً من عجز الموازنة، مستعيدة تصريحاً لوزير النفط في المملكة، علي النعيمي، في كانون الأول من العام الماضي، قال فيه إن عجز الموازنة سيكون أمراً واقعاً، «ولكن ليس لدينا ديون. نستطيع الذهاب إلى البنوك؛ إنها مليئة. نستطيع أن نقترض المال، وأن نحتفظ باحتياطاتنا (النقدية)، أو نستعمل جزءاً منها».