تغير مفهوم الزواج بالنسبة إلى الشباب في المخيمات الفلسطينية. بعدما كان الزواج المبكر و«العيشة الهنيّة وراحة البال» من أولوياتهم، أصبح الشباب يفتشون عمن ترضى «بالخبزة والزيتون»
قاسم س. قاسم
«مرتو للدربي حبلى، وربيع رح يخطب قريباً، وأحمد عم يعمرلو أبوه شقة فوق، وسعيد بيته جاهز بس خوفان يقسّط الفرش»، يقول أحمد حليمة لصديقه العائد من الغربة حديثاً حسين عثمان. هكذا، قدم أحمد جردة حساب لصديقه الآتي في زيارة من الإمارات إلى مخيم برج البراجنة بعد غياب خمس سنوات. لم تنتهِ الجردة عند هذا الحد. يطلب حسين من أحمد أن يقدم كشفاً عن الأوضاع العاطفية لبنات المخيم، «مين خطب ومين تزوج ومين بعدها ناطرة نصيبها». الاسم الذي ينتظره حسين لم يمر، لا بد إذاً من السؤال عن حبيبته القديمة. يجيبه أحمد مبتسماً «الله يطعمك الحجة والناس راجعة، تجوزت وصار عندها بنت صغيرة». يصدم الجواب حسين، ولتمويه صدمته يقول لصديقه: «العالم كلها تجوزت، صرنا بالثلاثينات يا زلمي، لازم نشد همتنا، ختيرنا». هكذا، تغيّرت عادات مجتمع محافظ مثل المخيمات الفلسطينية وتقاليده، ففي السابق كانت تقاليد أبناء المخيم تفضي إلى الزواج المبكر من إحدى القريبات أو أبناء الضيعة الواحدة في فلسطين. لكن، هذه العادات تغيّرت، وخصوصاً بعدما زادت «تعقيدات الحياة والبنات صار ما يعجبهم العجب»، كما يقول حسين. يخالف أحمد وجهة نظر صديقه «لجيل اليوم» من البنات، لأن أغلب الذين تزوجوا «ما عندهم شي، بلالك هالحجج المهترية». حجج مهرية؟ تستفز العبارة حسين فيشرع بالتبرير مدافعاً: «يا أخي ما بدي بهدل بنات العالم معانا، عنّا إخوة بنات ومنعرف». يعلق أحمد: «مين قال رح تتبهدل، ما ضروري تعيّشها بقصر». يسكت حسين للحظات ثم يقفل النقاش بالعبارة الشهيرة: «هي القصة كلها قسمة ونصيب»، مضيفاً: «أنا جاي شوف أهلي مش عم دوّر على عروس».
هكذا، يعيش أغلب شباب المخيم في صراع بين نقيضين، الزواج المبكر و«الاتكال على الله»، أو انتظار «لما يجي الصبي منصلي ع النبي». مع تغير مفهوم الزواج لشباب المخيم، بعدما كان الزواج المتأخر، أي عندما يبلغ الشاب الثلاثين من عمره، مستهجناً، لم يعد الأمر كذلك اليوم، وخصوصاً بعدما زادت متطلبات الحياة. فبالنسبة إلى البعض «بنات المخيم صاروا يفوتوا جامعات»، ما غيّر وجهة نظر بعضهن إلى ضرورة إكمال تعليمهن الجامعي «وبعدين بيتجوزوا»، كما يقول حسين. لكن حجج شبان المخيم لا تصمد حين تعرضها على بناته، تقول حنين، التي رفضت البوح باسم عائلتها، إنها لا تمانع أن «أتزوج وأنا عم بتعلم؛ في حدا ما بيحب تكون مرتو دارسة؟». تقول أيضاً إنها «إنسان قنوع، وأنا مش أحسن من أمي، هياها عاشت مستورة، ووالدي ما كان معمرلها قصر!». لكنها لا تنكر أنها تفضل التروي قبل اتخاذ «خطوة جريئة من هذا النوع»، وخصوصاً أنني «لم ألتقِ بنصفي الآخر بعد». يجلس ممدوح شعفاطي، ابن 17 عاماً، في أحد مقاهي الإنترنت في المخيم. تسأله إذا كان ينوي الزواج. يبتسم المراهق ويشير إلى محبس الخطبة في خنصره: «خطبت من شهر، والبيت جاهز فوق بيت أهلي، بس بدنا نشد همتنا لنجيب الفرش» يقول. أما كيف قرر الخطوبة بهذا العمر، يجيب: «بحبها لخطيبتي والبيت موجود وبناه الوالد، ليش ما بتجوز»؟ هكذا، قرر ممدوح الزواج من خطيبته، لكن بعد إكمال «فرش البيت» الذي «سأشتريه بدون مساعدة أحد هذه المرة».


ارتفاع نسبة العنوسة

أظهرت دراسة أعدّها صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة إقليم العالم العربي عام 2009 عن الوضع الديموغرافي والاجتماعي والاقتصادي لشباب المخيمات الفلسطينية في لبنان وكبار السن فيها، أن «95.5% من الإناث في الفئة العمرية (15/19 سنة) لم يسبق لهن الزواج، مما يشير إلى عدم انتشار ظاهرة الزواج المبكر». وأظهرت الدراسة أن «متوسط العمر عند الزواج الأول بين الإناث وصل إلى 24 سنة، فيما بلغ بين الذكور نحو 30 عاماً». وتبين أن «نسبة العنوسة ترتفع عند الإناث (40 سنة فما فوق) لتتجاوز خمسة أضعاف النسبة بين الذكور».