موعد غرامي
لم يخطر لي قبل ذلك أن أواعد شاباً يختلف عني بفكره السياسي، لكن صديقاً لي أقنعني بالخروج مع شاب كانت له تجربة «قصيرة الأمد» مع حركة 14 آذار اللبنانية، بحجة إخراجي من دائرة «مواعدة شبّان يساريين أو من المخيم»! ففعلت، وخرجت مع ذاك الشاب في موعدين سيئين جداً لا يمكن أحداً أن يتصورهما.
في الموعد الأول، لم يكفّ أخونا عن إقناعي بأن جميع السُنة في لبنان يجب أن ينضموا إلى حركة 14 آذار، لأنها الوحيدة التي تضمن حقوقهم في هذا البلد المتعدد الطوائف. وأن على جميع الفلسطينيين التقدم بطلب جنسية لبنانية ليستطيعوا الحصول على حقوقهم المدنية «بدون مشاكل وأكل هوا» من جهة، وكي يدعموا موقف السُنة بالعمل على زيادة نسبتهم في البلد من جهة ثانية. يقول: «طول عمرن السنية واقفين مع الفلستينية بلبنان، وهلأ الفلستينية واقفين مع المعارضة! شو هني مفكرين إذا صار لبنان دولة للشيعة رح يظلّوا محميين بالمخيمات؟!». وقبل أن يكمل الأخ استنتاجه وتحليله «القوي كتير»، طلبت منه عدم التحدّث بالسياسة، وخاصة أن درجة الضغط والسكري والتجلّط عندي قد تخطت حدها، حتى أن المرارة عندي كادت تنفجر من شدة استيائي من حديثه!
ودّعت الشاب وقررت عدم الخروج معه خوفاً على صحتي، لكني للأسف تراجعت تحت الضغط، وخرجت معه في موعد ثان يفوق الأول سوءاً بأشواط. ففيما دعاني إلى أحد المقاهي اليسارية المعروفة في شارع الحمرا لأنه المفضل لدي، لم يكف عن انتقاد موقف اليسار اللبناني من القضية الفلسطينية. «أساساً المفروض الفلستيني يقبض معاش أقل من اللبناني حتى لو كانت شهادته أهم أو بوستو (منصبه) بالشغل أعلى. ما الفلستيني منّو عايش ببلده، هوي ضيف ولازم يفهم إنو عم ياخد شغل من طريق اللبناني!». عندما قال ذلك، نظرت إليه باحتقار وقلت «يعني إذا إجا لبناني (حمار) شغل، وما معو شهادة، على شركة، لازم يكون معاشو أكتر من الفلسطيني يللي معو شهادة؟»، فرد «طبعاً»!
طبعاً، لم يعد النقاش عادياً، فالأمر لم يعد أننا مختلفان في وجهة النظر. أصبح الموضوع نوعاً من «صف حكي» مرصوف بالحقد والكراهية. طبعاً، لم أعد أحتمل، خرجت من السيارة وصفقت بابها في وجهه الذي تمنّيت ألا أراه مجدداً.
إذا كنت فتاة تعيشين في بلد مثل لبنان، فعليكِ أن تتأكدي من أمور عدة قبل التسّرع في اختيار العلاقة العاطفية. أولاً، على الشاب أن يكون من جنسيتك نفسها. ثانياً، عليه أن يكون من طائفتك نفسها، لا بل من المذهب ذاته. ثالثاً، عليه أن يكون من حزبك السياسي، أو على الأقل قريباً أيديولوجياً من منطق حزبك. وأخيراً، إن لم تتوافر كل هذه الشروط، أنصحكِ أن تغمضي عينيكِ دوماً لتفادي الحب من أول نظرة، وأن تصمّي أُذنيكِ كي لا تذوبي من أوّل همسة، ولا تصافحي أحداً كي لا تعلقي بشخص يظهر في ما بعد أنه قميء، من أوّل لمسة.
إيمان بشير

■ ■ ■

شو بعاد

صديقتي إيمان٬
برغم كلّ ما عانيته من آلام مفصليّة في دائرة علاقتك الجديدة، وبرغم وصاياك العشر التي على الفتاة أن تتبعها للسلامة العامّة٬ إلا أنّ العلاقات يا عزيزتي قد تفاجئها في أكثر الأحيان منعطفاتٌ لا يستطيع إلاّ الخالق أن يظهر توصيفاً لها «مسجّلة». العلاقات لا تبنى على «كاتالوغ» طائفي أو أيديولوجيّ، فهي خاضعة لجغرافيا الزمان والمكان ولقضايا نتجت من تخاذلنا على مرّ السنين.
فإذا كانت «آلام أضراسك» سببها شابّ من «فصيل» لا يشبهك٬ فكيف لي أن أتحدّث عن مخاض ولادة في علاقة مع «قضيّة» يحكمها جدارٌ عازلٌ٬ أسلاكٌ شائكةٌ على الحدود وورقةٌ زرقاء كتب عليها باللّغة العبريّة.
«قضيّتي» يا إيمان٬ تسيطر عليها التكنولوجيا بأبعد أشكالها٬ «يعني شي متل الام اس ان» وبأحسن الأحوال السكايب وإن توافرت المكالمات البعيدة المدى فشبكات التنصّت العربيّة والعالميّة تشاركنا لحظاتنا الأكثر حميميّة وأبسطها٬ يعني حتّى كلمة «مشتقلك» بلهجته الفلسطينيّة الساحرة وقافه المشدّدة تصبح موزّعة كمخيّمات الشتات وإن أصابت دائماً قلبي.
«قضيّتي» دائرتها الزمنيّة 61 عاماً وأكثر٬ لا ساعتان من صداع فنجان اكسبرسو في أحد مقاهي بيروت٬ «قضيّتي» مسافة جواز سفر يُختم بنقش إحدى دول الحصار.
فيا صديقتي٬ مساحة علاقتنا هي واقعٌ ومربّعات أمنيّة أشدّ تماساً من جدار عارٍ يبنى تحت الأرض. علاقتنا هي خيارنا٬ هي تفاصيل هويّتنا مهما اختلفت٬ هي أرضنا من الأوطان المشرّدة٬ هي إيقاع أغنية «سجر البنّ» تمتدّ على مسامعنا لدقائق ويرتدّ صداها معنا لعصور.
علاقتنا هي خبز يومنا ويومنا محكوم... بالأمل.
يارا الحركة