كركي: الاستدانة من فرع تعويضات نهاية الخدمة لا يمكن أن تستمرمحمد وهبة
بلغ الوضع المالي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الخط الأحمر، فالاستدانة من أموال فرع نهاية الخدمة لتغطية العجز المتراكم في فرعي ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية ستتجاوز 700 مليار ليرة في نهاية 2009، فيما الديون المستحقة لهذين الفرعين باتت تساوي الالتزامات المستحقة عليهما، أي إن الضمان أنفق ما لم يحصّله بعد من ديونه المستحقة على الدولة والقطاع الخاص! وبالتالي لم يعد ممكناً الاستمرار بالآلية التي اتُّبعت منذ ظهور العجز في عام 2001 بعد خفض الاشتراكات بمعدّلات دراماتيكية، فقد كان الصندوق يعمد إلى الاستدانة على نحو غير شرعي من أموال فرع نهاية الخدمة، على اعتبار أن للصندوق ديوناً على الدولة والقطاع العام تكفي لتغطيتها في المستقبل. إلا أن هذه الصيغة لم تعد قابلة للحياة اليوم مع بلوغ قيمة السحوبات مستوى متقارباً مع قيمة هذه الديون، ما يعني أن الخطر على أموال صندوق نهاية الخدمة بات أكثر جدّية من أي وقت مضى، علماً بأن هذه الأموال هي للمضمونين وتمثّل تعويضات تقاعدهم.
الخطر أصبح داهماً، بحسب القيّمين على الضمان، وبات يستوجب معالجة سريعة من خلال زيادة الاشتراكات وفقاً للمادة الـ66 من قانون الضمان، وهذا ما التزمته الحكومة في بيانها الوزاري، من خلال التزام مبدأ الحفاظ على التوازن المالي للصندوق، أي إن الأمر بات منوطاً بمدى قدرة وزير العمل، بطرس حرب، على تطبيق مضمون البيان الوزاري.

المستحقات تساوي الديون!

ويؤكّد المدير العام للصندوق محمد كركي لـ«الأخبار»، أن التوقعات المالية لعام 2009 تشير إلى عجز بقيمة 710 مليارات ليرة، وهي مبنيّة على نتائج قطع الحساب والنتائج المالية للصندوق في عام 2008 التي سيناقشها مجلس الإدارة في جلسته المقبلة، وعلى بيان الواردات والنفقات لعام 2009.
وبحسب كركي، تفيد النتائج المالية في 2008 بأنّ حجم الاستدانة من فرع نهاية الخدمة لتغطية عجز فرعَي ضمان المرض والأمومة والتقديمات العائلية والتعليمية، كان طبيعياً حين بدأ يظهر العجز، إذ كان للصندوق ديون بذمّة الدولة وديون بذمّة مؤسسات القطاعين العام والخاص، إلا أن النتائج المالية لعام 2008 تفيد بأن ديون فرع التقديمات العائلية تبلغ 334.8 مليار ليرة في مقابل التزامات مستحقة للتسديد بقيمة 303.7 مليار ليرة. كذلك فإن ديون فرع ضمان المرض والأمومة بلغت 1014.8 مليار ليرة في مقابل التزامات بقيمة 833.47 مليار ليرة، «وبالتالي، لا يمكن الاستمرار بالاستدانة إلى ما لا نهاية من فرع نهاية الخدمة»، بحسب كركي، الذي يشير أيضاً إلى خطورة الوضع المالي في الصندوق، إذ لم يعد هناك «هامش للمناورة في هذا الموضوع، وباتت ضرورية معالجة هذا الملف المطروح منذ عام 2004، ولم يكن هناك داعٍ لأن يُطرح هذا الأمر بالتزامن مع طرح موضوع زيادة التعرفات الاستشفائية». ويضيف أن حجم الفوائد المترتبة على السحوبات من فرع نهاية الخدمة لتغطية العجز خلال السنوات الماضية أصبح كبيراً ومقلقاً أيضاً، إذ تبلغ قيمة الفوائد المستحقة على الفرعين 35.326 مليار ليرة.
ويشير كركي إلى أن «المعطيات المالية المتكررة خلال السنوات الماضية تؤكد استمرار الاختلال في التوازن المالي، وفي عملية اللجوء إلى فرع نهاية الخدمة لتمويل فرعي المرض والأمومة والتعويضات العائلية لضمان استمرار التقديمات».
لذلك، يقترح زيادة سقف الراتب الخاضع للاشتراك من 1.5 مليون ليرة إلى 2.5 مليون ليرة، وزيادة اشتراكات صندوق المرض والأمومة من 9% إلى 11%، واشتراكات صندوق التقديمات العائلية من 6% إلى 7%، بما يحقق التوازن المالي بين عام 2010 و عام 2013، ويضمن إقرار زيادة التعرفات للمستشفيات والأطباء.

بدء المؤامرة

والعجز ليس مستجداً في صندوق الضمان، فقد بدأ يظهر في النتائج المالية لفرعي ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية منذ عام 2001، إذ كانت الحكومة قد تكاتفت مع ممثلي أرباب العمل في مجلس إدارة الصندوق لخفض معدل الاشتراكات في هذين الفرعين بنسبة 50% من دون أي دراسة اكتوارية تثبت صحّة هذا الاتجاه وواقعيته وتداعياته، ما أدّى إلى اختلال مالي وعجز بنيوي في السنوات اللاحقة، ولا سيما أن هذا المستوى من الاشتراكات ليس كافياً لتغطية التقديمات... وفي عام 2008 وحده بلغت قيمة العجز الإجمالي 173.5 مليار ليرة، مقارنة مع 98 ملياراً في 2007، فارتفع العجز المتراكم إلى 595.3 مليار ليرة في نهاية 2008، ويتوقع أن يزداد بقيمة 80 مليار ليرة في 2009، ليصبح 675.3 مليار ليرة، تُضاف إليه 35.3 مليار ليرة هي قيمة فوائد الأموال المسحوبة من فرع نهاية الخدمة ليصبح 710.3 مليار ليرة.

عجز «المرض والأمومة»

وبحسب تقرير النتائج المالية لعام 2008، تبيّن أن صندوق ضمان المرض والأمومة سجل في نهاية 2008 عجزاً مقداره 103 مليارات ليرة، إذ بلغت النفقات 537.8 مليار ليرة مقابل إيرادات بقيمة 434.8 ملياراً، ليصبح العجز المتراكم في هذا الفرع 328.4 مليار ليرة. وقد انخفضت إيرادات الفرع بنسبة 19.72% مقارنة مع إيرادات 2007 التي بلغت 541.6 مليار ليرة، إذ إن مدفوعات الدولة للصندوق مثّلت العنصر الأساسي في هذا التغيّر، فقد سدّدت الدولة 214.3 مليار ليرة في عام 2007 في مقابل 77.8 مليار ليرة في 2008 لم تكن كافية لتغطية مستحقات على الفرع بقيمة 139.5 مليار ليرة، ما أدّى إلى عجز بقيمة 61.649 مليار ليرة.
ويأتي هذا العجز على الرغم من تراجع النفقات في 2008 بنسبة 6.94% مقارنة مع 2007، إذ بلغت 537.8 ملياراً مقارنة مع 577.9 ملياراً.
ويسجّل انخفاض حجم التقديمات المدفوعة لأجراء المؤسسات بنسبة 10.35% من 435 مليار ليرة في 2007 إلى 389.9 مليار في 2008، وانخفضت التقديمات المدفوعة للسائقين العموميين بنسبة 0.15% من 67.9 مليار ليرة في 2007 إلى 67.8 مليار في 2008. أما التقديمات المدفوعة للطلاب الجامعيين فقد ارتفعت بنسبة 6.21% في 2008 وبلغت 6.293 مليارات ليرة، مقارنة مع 5.925 مليارات ليرة في 2007. وأيضاً ارتفع حجم التقديمات المدفوعة للأطباء بنسبة 8.73% في 2008 لتصبح 5.475 مليارات ليرة مقارنة مع 5.035 مليارات في 2007، كذلك ارتفع حجم التقديمات المدفوعة للمخاتير بنسبة 16.29% في 2008 لتصبح 3.286 مليارات ليرة.
وتترتب لهذا الصندوق ديون على الدولة والقطاع العام بقيمة 1014.8 مليار ليرة في مقابل التزامات لفرع نهاية الخدمة وتقديمات غير مسددة بقيمة 833.47 مليار ليرة، فيما ارتفع حجم الفوائد على الإمدادات المالية من صندوق نهاية الخدمة من 13.357 مليار ليرة في نهاية 2006 إلى 16.171 مليار ليرة في نهاية 2007، وإلى 19.235 مليار ليرة في نهاية 2008، وقد مثّل حجم هذه الفوائد ما نسبته 18.67% من مجموع العجز في عام 2008.

... و«التقديمات العائلية»

بلغ عجز صندوق التقديمات العائلية والتعليمية في عام 2008 نحو 70.4 مليار ليرة بنتيجة ارتفاع النفقات إلى 289.1 مليار ليرة، فيما بلغت واردات هذا الصندوق 218.6 مليار ليرة.
وقد انخفضت واردات الفرع في 2008 بنسبة 5.08% إلى 218.6 مليار ليرة، مقارنة مع 230.4 مليار ليرة في 2007، فيما ازداد حجم الفوائد على الإمدادات المالية لهذا الصندوق من نهاية الخدمة بنسبة 22.50% من 13.136 مليار ليرة في 2007 إلى 16.91مليار ليرة في 2008، وقد مثّل حجم هذه الفوائد ما نسبته نسبة 22.84% من مجموع العجز في عام 2008. ويلفت التقرير إلى أن ديون هذا الفرع على القطاعين العام والخاص تبلغ 334.86 مليار ليرة، تقابلها التزامات مستحقة عليه لمصلحة نهاية الخدمة وأرصدة دائنة أخرى بقيمة 303.7 مليار ليرة.

موجودات نهاية الخدمة

تُظهر النتائج المالية لصندوق نهاية الخدمة في 31 كانون الأول 2008، أن موجودات هذا الفرع قد بلغت 5432.8 مليار ليرة، وذلك بعد إضافة الوفر المحقق في 2008 وقيمته 583.5 مليار ليرة، وفروقات إعادة تخمين عقار الباشورة بقيمة 6.784 مليارات ليرة، وذلك مقارنة مع 4842.4 مليار ليرة في نهاية 2007 موزعة كالآتي: 15 مليون ليرة قيمة القروض، 11.2 مليار ليرة قيمة العقارات، 333 مليون ليرة سلفات لمكتب الدواء، 18 مليون ليرة قيمة الأسهم في مصرف الإسكان، 595.32 مليار ليرة إمدادات مالية لفرعي ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية، و4825.9 مليار ليرة هي عبارة عن أموال جاهزة.
ولهذا الفرع ديون للتحصيل مجمل قيمتها 325.7 مليار ليرة مستحقة على القطاعين العام والخاص وتسويات نهاية الخدمة وأوراق قبض.

التعرفات تزيد العجز

ويذكر كركي في تقريره، أنه أرسل 4 كتب إلى مجلس الإدارة في 2005 و2006 و2007 و2008 تشير إلى وجود عجز بنيوي يفرض اتخاذ إجراءات سريعة لمعالجته وتأمين ديمومة فرعي التقديمات العائلية وضمان المرض والأمومة، ولا سيما أن كل التقارير والدراسات التي وضعتها إدارة الصندوق وجهات محلية ودولية متخصصة أثبتت صحة هذا الأمر.

السيناريو الذي يحقق التوازن المالي هو الذي يرفع الحد الأقصى للكسب الخاضع للاشتراك إلى 2.5 مليون ليرة ويرفع معدل الاشتراك في فرع التعويضات العائلية إلى 7% ويرفع الاشتراك في فرع ضمان المرض والأمومة إلى 11%
إلا أنه يؤكد أن التعرفات المعمول بها حالياً لم تعد تتناسب مع الزيادات التي طرأت على كلفة الخدمات الطبية، وبالتالي فقد وُضعت دراسة اكتوارية تضمنت أكثر من سيناريو مالي لتحقيق التوازن في الفرعين بعد اعتماد التعرفات الجديدة التي أقرها مجلس الوزراء، وتبيّن أن السيناريو الذي يحقق هذا الأمر هو «الذي يرفع الحد الأقصى للكسب الخاضع للاشتراك إلى 2.5 مليون ليرة ويرفع معدل الاشتراك في فرع التعويضات العائلية إلى 7% ويرفع الاشتراك في فرع ضمان المرض والأمومة إلى 11%.
ويقترح كركي، بهدف استقرار الدورة المالية للصندوق، أن تسدّد الدولة التزاماتها للصندوق، ولا سيما رصيد مستحقاتها عن عام 2009، البالغ 80 مليار ليرة، فضلاً عن التزامها تسديد المستحقات المقدرة في مشروع موازنة عام 2010، وقيمتها 300 مليار ليرة تتوزع كالآتي: مساهمات واشتراكات سنوية بقيمة 220 مليار ليرة، 80 مليار ليرة عبارة عن قسط من الديون السابقة والفوائد المترتبة عليها.
ويؤكد ضرورة معالجة أوضاع القسم الخاص بالمضمونين الاختياريين عبر زيادة معدل الاشتراك من 9% إلى 20%، ومنح الصندوق مساعدة استثنائية بقيمة 100 مليار ليرة لإعادة التوازن الى هذا القسم.


95.6 مليار ليرة

هي قيمة الفوائد المحصلة في عام 2008 من توظيف أموال فرع نهاية الخدمة في المصارف الخاصة، بانخفاض نسبته 40.8% مقارنة مع 2007 حين كانت 161.6 مليار ليرة، ويعود السبب إلى ارتفاع وتيرة توظيف أموال نهاية الخدمة في سندات الخزينة اللبنانية


122 مليار ليرة للضمان الاختياري