تحديّات أخرى يخوضها المقدسيون: الآلاف من سكان المدينة تُسحب «إقامتهم» في الوطن المسلوب أصلاً. علاوةً على هدم البيوت وجدار الفصل و... قائمة من الانتهاكات لا تنتهي، كلها تصبّ في خانة تفريغ المدينة من أهلها، الذين يعاملون أسوأ من المهاجرين، ولا سيما حين تسحب إقامتهم، فيصحبون مواطنون بلا هوية
القدس المحتلة ــ فراس خطيب
حدث أول من أمس: قوّة معزّزة من الشرطة، ترافق مجموعة المستوطنين. يدخل هؤلاء للاستيلاء على جزءٍ من أحد المنازل في حيّ الشيخ جرّاح في القدس الشرقية المحتلة وتندلع المواجهات بينهم وبين أهل المكان الأصليين. «معركة أخيرة على البيت»، حين يشعر المقدسي، المتنقل بين أزقّة مدينته المحاصرة، بأنّ الاحتلال وصل إلى غرفة نومه.
تتعالى الصرخات، إنّها الخليط بين الأمل وفقدانه، بين الإيمان باستعادة المنزل في الصدور العارية، والحزن على فقدانه. العنفوان يعلو، والشبان الفلسطينيون يقاومون بكل ما امتلكوا من بقاء، يضربون ويُضربون، يشعرون بأنّه «لا شيء نخسره سوى أجسادنا»، لكنَّ النهاية حزينة، ظالمة، لأنَّ الحقيقة لم تنتصر في القدس، ولا في فلسطين منذ زمنٍ. ينتهي المشهد بـ«اعتقال المشاغبين»، وينتهي التقرير، وينتقل المقدّم إلى قضية أخرى: هكذا هي القدس المحتلة، تحتل عناوين النشرات الإخبارية والتقارير «السرّية» (أخيراً)، لكنَّ واقعها، كما قال أحد المسؤولين لـ«الأخبار»، يستدعي اهتماماً يتجاوز الشاشات، قبل أن تصبح المدينة كلها على الهامش، كما يعيش سكانها على هامشها.

صراع ثلاثيّ الأبعاد

إنّ صراع أهل المدينة المقدسة، من ضمن صراعات أخرى، هو ثلاثيّ الأبعاد: هدم البيوت، وسحب الهويات وجدار يفصل عشرات الآلاف منهم عن الحياة. صارت آلات الهدم جزءاً من حياة المدينة المحاصرة، أما ما يتعلق بسحب الهويات، فقد تصاعدت هذه السياسة أخيراً تصاعداً جليّاً للعيان. ونشرت صحيفة «هآرتس» أمس معطيات كشف عنها «مركز الدفاع عن الفرد» عن أن السلطات الإسرائيلية سحبت الهوية خلال عام 2008 الماضي من 4577 مقدسياً. وأشارت إلى أنه منذ احتلال المدينة في عام 1967 وحتى عام 2007، سحبت السلطات الإسرائيلية الهوية من 8558 فلسطينياً من القدس الشرقية.
إنّ هذه المعطيات التي أثارتها الصحيفة العبرية ليست مفاجئة. هي واقع مقدسي بامتياز. ولعل تحليل ما ورد هناك يقلب الآية ويحوّلها من مأساوية إلى شديدة المأساة. المسؤول في مركز القدس للدراسات، خليل التفكجي، قال لـ«الإخبار» إنّ «هذا الرقم يعني رقم العائلات، لا الأفراد فقط». ويرى أن هذه السياسة الإسرائيلية موجودة منذ أعوام، لكنّها اتخذت شكلاً أكثر تصعيدياً مع مرور الوقت. وهو يرى أنّ «مخطط القدس 2020»، يقضي «بوضوح بتقليص نسبة العرب (البالغة اليوم 35 في المئة)»، مبيّناً أن هناك «حكومة يمينية (بقيادة بنيامين نتنياهو) وبلدية يمينية (بقيادة نير بركات) تتبع سياسة هدم البيوت وسحب الهويات»، محذراً من أن جدار الفصل «أبعد 125 ألف فلسطيني، وهؤلاء أيضاً تخطط إسرائيل لسحب هوياتهم».
ويبدو التفكجي متشائماً من الأوضاع التي آلت إليها القدس، ويشير إلى أن إسرائيل «لا تكترث لتقارير الاتحاد الأوروبي ولا لتقارير المنظمات الحقوقية، وتعلن على الملأ أن القدس لليهود وفقط لليهود».

سحب الهوية

صعّدت الدولة العبرية في الآونة الأخيرة سحب الهويات من المقدسيّين بعد تدقيق بادر إليه وزير الداخلية السابق مائير شيطريت ومدير دائرة تسجيل السكان يعقوب غانوت خلال شهري آذار ونيسان من العام الماضي. ووفقاً لادعاء وزارة الداخلية، فإنه خلال هذا التدقيق تبين أن هناك آلاف المواطنين الفلسطينيين من القدس الشرقية الذين يعيشون منذ سنوات خارج البلاد. ورأى المسؤولون في الداخلية الإسرائيلية أن هذا يمثّل سبباً كافياً لسحب هوياتهم منهم.
إنَّ سحب الهويات (الإقامات) يعني أن تعيش من دون الحقوق الأساسية. يمنع هؤلاء من التنقل عند الحواجز، ولا يتلقى من لا يملك الإقامة (الهوية) الخدمات اللازمة مثل التأمين الصحي وغيره.
ويرى المسؤول السابق لملف القدس في السلطة، حاتم عبد القادر، في حديث لـ«الأخبار» أنهم «يريدون إحداث خلل في الميزان الديموغرافي. لكن نحن نواجههم. 90 في المئة ممن سحبت هوياتهم لا يزالون في القدس وسيبقون في القدس». وأضاف أنَّ النضال يسير وفق مسارين: «تقديم الخدمات التي انتزعتها إسرائيل من جهة، ومواجهة إسرائيل قانونياً أيضاً».
ودعا رئيس «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، عضو الكنيست، محمد بركة، المجتمع الدولي إلى قول كلمته أمام جريمة التطهير العرقي التي تنفذها سلطة الاحتلال في القدس المحتلة. وقال: «إن تعامل المجتمع الدولي هو امتحان آخر لقدرة الأسرة الدولية على تطبيق الشرعية الدولية، وإن كانت تجربة عشرات السنين تبرر خيبة الأمل الفلسطينية منها».

وطن بلا مواطنة

القدس دائماً في العناوين. لكنَّ ما يحدث اليوم هو تصعيد خطير ويؤثر على واقع المدينة ومستقبلها. فلا يمضي يوم من دون قضية تخيّم إسقاطاتها السلبية على المقدسيين، الذين لا يملكون أصلاً مواطنة. أهل القدس كلهم يمتلكون «إقامة» لا «مواطنة»، وحتى هذه الإقامة تتعرض للاستهداف. ولعل المدينة الخاصة في العالم، تمتلك خصوصية أخرى: أصحاب الوطن يعيشون في وطنهم بلا مواطنة... ولا حتى إقامة.


السكّان الأصليون مهاجرون أجانب

تخوض المؤسسة الإسرائيلية «حرباً ديموغرافية» وفق قوانين فصّلتها للهيمنة المستقبلية. وتتعاطى مع السكان الأصليين كأنهم «مهاجرون» وكأن القدس لم تُحتل في عام 1967، وكأن سكّانها الأصليين «هاجروا إليها» مثل عمّال أجانب. وقال المحامي يوتام بن هيلل، من منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «مركز الدفاع عن الفرد»، إن مكانة الـ250 ألف فلسطيني في القدس الشرقية شبيه بمكانة المهاجرين غير اليهود إلى إسرائيل «ويتعاملون معهم كأنهم مهاجرون إلى إسرائيل رغم أن إسرائيل هي التي دخلت عليهم في عام 1967». وأضاف بن هيلل أن مكانة المقيم، خلافاً لمكانة المواطن، بالإمكان سحبها بسهولة نسبياً ويكفي أن يغادر المقيم الدولة لمدة سبع سنين أو أن يحصل على مكانة قانونية أو يحصل على جنسية أجنبية أو إقامة دائمة في دولة أخرى لتُسحَب إقامته فوراً.
وشدد بن هيلل على أنه في أعقاب سحب الهويات من الفلسطينيين في القدس، تصبح عملية عودتهم إلى المدينة المحتلة، حتى لو كان ذلك بهدف زيارة العائلة، مستحيلة، رغم أن قسماً من هؤلاء الفلسطينيين لا يملكون أي مكانة قانونية في دولة أخرى وتصبح مكانتهم كفاقدين للجنسية والمواطنة في أي دولة في العالم.
(الأخبار)


يرى خليل التفكجي (الصورة) أنَّ مخطط القدس لعام 2020 يقضي على نحو واضح بتقليص نسبة العرب في المدينة إلى ما دون 35%




حاتم عبد القادر (الصورة) يؤكّد أن 90 في المئة ممن سُحبت هوياتهم لا يزالون في القدس وسيبقون هناك




محمد بركة (الصورة) يدعو المجتمع الدولي إلى قول كلمته أمام جريمة التطهير العرقي التي تنفذها سلطة الاحتلال في القدس





ترحيب فلسطيني بالاقتراح الأوروبي

رحّب الناطق باسم حركة «فتح»، فايز أبو عيطة، بأي قرار يصدر عن الاتحاد الأوروبي يعتبر القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. ورأى أن «صدور مثل هذا القرار سيصحح جزءاً مهماً من مسار الظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا الفلسطيني»، مؤكداً أن «القرار سيعيد الثقة بالمجتمع الدولي وبصدقيته ونزاهته».
بدوره، رأى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد قريع، أن أي تطرّق إلى موضوع القدس يجب أن يتسم بالوضوح في تأكيده أن «القدس ستكون عاصمة للدولة الفلسطينية، لأن القدس تمثّل مفتاح السلام أو استدامة الصراع». كذلك دعت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حنان عشراوي، إلى ضرورة حشد الدعم والتأييد الدوليين للاقتراح. وأكدت أن «إصرار الاتحاد على هذا الاقتراح ما هو إلا نتيجة منطقية للانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة».
(الأخبار)