تحدّيات إعادة التمويل: تساؤلات عن مخلّفات «رعب دبي»حسن شقراني
يشهد لبنان منذ نهاية عام 2008 تدفقات مالية استثنائية، وقد احتار القيّمون على النظام النقدي والمالي في كيفيّة التعاطي مع فائض السيولة التي نتجت منها. ومن المعروف أنّ الحكومة تعتمد اعتماداً كبيراً على النظام المصرفي لتمويل احتياجاتها، ولذلك هذا الأمر كان جيداً للماليّة العامّة. وعندما يتضح بأنّ السوق الخارجيّة فاتحة أبوابها للبنان، فإنّ المسألة تصبح «نجاحاً باهراً»، على حدّ تعبير وزيرة المال ريّا الحسن.
فقد عقدت الحسن مؤتمراً صحافياً أمس للحديث عن إصدار سندات «Eurobonds» (سندات الدين بالعملات الأجنبية) الأخير، الذي نفّذته وزارة المال، وبلغت قيمته 500 مليون دولار، وأصرّت على اعتبار نتائجه بمثابة إنجاز على أصعدة عدّة.
فالإصدار، بشقّيه البالغ كلّ منهما 250 مليون دولار، شهد «إقبالاً كبيراً»، إذ وصلت قيمة الطلبات إلى «خمسة أضعاف القيمة المحدّدة» للشطر المستحقّ عام 2015، وإلى «سبعة أضعاف القيمة» المحدّدة للقسم المستحقّ عام 2024.
كذلك تميّز هذا الإصدار بكثافة المشاركة الخارجية، فالطلبات من الخارج على إصدار 2024 بلغت 43% من قيمته، فيما وصلت نسبة الطلبات على الإصدار الثاني إلى 11%.
وقالت الحسن إن أسعار الفوائد تمثّل إنجازاً أيضاً، إذ «تمكّنّا من الحصول على فائدة 5.8% لشطر 5 سنوات و7% لشطر 15 سنة».
هذه «الإنجازات»، بحسب الوزيرة الحسن، تحقّقت في ضوء التطوّرات الماليّة العالميّة ومراحل التحوّل في أسواق الائتمان... ولكن في ما يتعلّق تحديداً بالمراحل المقبلة، هناك العديد من الملاحظات التي يجب إيرادها وخصوصاً في مسألة الفائدة وإقبال المستثمرين، في ظلّ إشارة الحسن إلى نيات لإعادة تمويل (إعادة جدولة) بعض الديون المستحقّة في عام 2010. ففي العام المقبل، يستحقّ على الحكومة 1.765 مليار دولار من سندات (Eurobonds)، وهو ثاني أكبر استحقاق حتّى عام 2020، (حتّى الآن) ما يطرح ضغوطاً على الحكومة. غير أنّ الوزيرة الحسن تطمئن بالقول إنّ «الوضع يبشّر بإمكان إجراء عمليات استبدال بهدف تخفيف أعباء الدين».ولكن، هل الأوضاع ستكون ورديّة إلى هذا الحدّ في العام المقبل؟

السوق في 2010

من المعروف أنّ بلدان العالم سارعت إلى خفض الفوائد بهدف تحريك عجلات اقتصاداتها في خضمّ الركود لمحاربته أو استباق تداعياته. ولكن بعدما بدأت الاقتصادات تبتعد عن الخط الأحمر تدريجاً، فقد يبدأ العد العكسي لرفع الفوائد تخوّفاً للحدّ من الضغوط التضخّميّة المحتملة، وإذا حصل ذلك فسيشكّل عقدة إعادة تمويل، فالكلفة ستعاود ارتفاعها، وكذلك الجاذبية ستتراجع.
«مسألة الفوائد (عالمياً) مهمّة جداً، وليس أكيداً أنّها سترتفع في العام المقبل لأنّ ذلك متعلّق بالسوق»، وفقاً للحديث الذي أدلى به إلى «الأخبار» الأمين العام لجمعيّة المصارف، مكرم صادر، الذي يذهب إلى أكثر من ذلك بالقول: «يُرجّح أن تبقى الفوائد منخفضة في عام 2010 لأنّ الدول تريد أن تبقى عجلة الاقتصاد تسير بزخم» من خلال تحفيز الإقراض والنشاطات الاقتصاديّة المختلفة بين الاستهلاك والادّخار.
1.7 مليار دولار استحقاقات «Eurobonds» العام المقبل وهي الثانية حجما حتّى 2020
في مقابل هذه التوقّعات، هناك إشارات على أكثر من صعيد تتعلّق بسوق السندات عالمياً وخطورتها بعدما علقت دبي بفخ عدم القدرة على التسديد وطلبت إعادة هيكلة ديون شركة «دبي العالميّة» البالغة في الإجمال 59 مليار دولار.
ويبدو أنّ الأوضاع في أسواق السندات متّجهة صوب مزيد من الحذر، وخصوصاً في البلدان المتوسّطة الدخل ذات المديونيّة المرتفعة خوفاً من تكرّر «نموذج دبي»، على الرغم من أنّ هذا النموذج سيُدعم في أيّ حال من جانب الإمارة الأم الغنيّة نفطياً، أبو ظبي، إذا وصلت الأمور إلى حدود خطيرة. ومن بين الأمثلة على إشارات «موجة» عدم القدرة على السداد، بدأ الحديث منذ الآن عن «أزمة» اليونان التي يبلغ معدّل دينها إلى ناتجها المحلّي 113%. ويلفت المراقبون إلى إمكان لجوء هذا البلد المتوسّطي الجار إلى منطقة اليورو للحصول على التمويل اللازم.
أمّا في لبنان فيفوق معدّل الدين العام، المعترف به رسمياً، نسبة 150% من الناتج، وإذا تبيّن أنّ الأمور صعبة في سوق السندات في العام المقبل وتعذّرت عمليّة إعادة التمويل فستُضطرّ البلاد للجوء إلى تمويل غير اعتيادي. وبما أنّه ليس هناك جهات داعمة مباشرة مثل «أبو ظبي» أو «منطقة اليورو»، ربّما تحتاج الحكومة إلى مؤتمر باريس جديد.
وحتّى إن كان الحديث عن مصاعب إعادة جدولة المستحقّات في العام المقبل يبقى افتراضياً، غير أنّه يبقى أساسياً، وخصوصاً أنّ المحلّلين يشدّدون على أنّ البلدان الغنيّة ملتزمة بإنقاذ «زميلاتها» في حال تعذّرها عن السداد، وفقاً لما تنقله صحيفة «New York Times»، غير أنّه ليس هناك ذكر للبلدان الفقيرة.

تميّز... أجنبي؟

وانتقالاً إلى «تميّز» آخر تحدّثت عنه الحسن... ماذا عن طبيعة الإقبال من قبل «الجهات الأجنبية»؟
يجب الإيضاح أنّ الإقبال من الخارج ليس إقبالاً أجنبياً بالمعنى الكامل، حيث يمكن أن يكون إقبالاً محلياً إنّما عبر قنوات خارجيّة، أو إقبال اللبنانيّين المغتربين وشركاتهم...
يقول صادر إنّ «الإقبال على السندات من خارج السوق المحليّة يُعدّ مؤشّراً جيّداً في ظلّ مشكلة ديون دبي». ويضيف أنّ «المنطقة كلّها تأثّرت من جرّاء هذه الخطوة».
ولكنّ هناك تضارباً في هذا السياق. فعادة عندما تحدث صدمة ماليّة في الشرق الأوسط، «يُصدم المستثمرون ويبتعدون عن المنطقة كلّها»، على حدّ تعبير صادر. واللافت في الإصدار اللبناني الأخير هو «استمرار إقبال المستثمرين الخارجيين»، الأمر الذي يؤكّد «التفاؤل في الأدوات الماليّة اللبنانيّة المتعلّقة بالدين العام»، يختم صادر حديثه.
والنقطة الأخيرة تعيد الكرة إلى ملعب التساؤلات عن مصادر التمويل ومدى استدامتها. استدامة تحتاج إليها وزارة المال ومعها الحكومة المثقلة بطموحات كثيرة. ومن هذا المنطلق برز طموح ريا الحسن، قالت: «إذا كان ثمة ضرورة لإصدارات أخرى، فإن السبل متاحة لدينا... الفوائد في السابق كانت مرتفعة، أمّا الآن فالوضع تغيّر»... ولكن، هل يستمرّ التغيّر؟ إذا كان الجواب «لا»، فسنعيش مغامرة جديدة في سوق السندات، وربّما تستضيفنا العاصمة الفرنسيّة من جديد.


17.62 مليار دولار

هي قيمة سندات «Eurobonds» المستحقّة بين عامي 2010 و2021، حتّى الآن. والقيمة الأعلى المستحقة في عام واحد حتّى الآن تبلغ 4.059 مليارات دولار في 2017. ويتضمّن هذا المبلغ الدفعة الأخيرة لسندات معقودة مع ماليزيا في إطار مؤتمر «باريس – 3»


ثقة زائدة