إسطنبول | بعد يوم واحد من لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ٢٣ أيلول الماضي، فاجأ الرئيس رجب طيب اردوغان الجميع عندما قال إنّ «الحل في سوريا قد يكون بالأسد او من دونه». وعاد اردوغان الى لهجته السابقة في سوريا بعد زيارة مفاجئة للأمير القطري تميم بن حمد إلى انقرة والاتصال الهاتفي الذي أجراه اردوغان مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز.
وجاء التدخل الروسي في سوريا ليضع اردوغان امام تحديات صعبة ومعقدة وخاصة بعد المعلومات التي بدأت تتحدث عن نية موسكو الواضحة القضاء على كافة انواع الارهابيين «المعتدلين» منهم وغير المعتدلين المنتشرين على طول الحدود السورية مع تركيا.
وكانت انقرة قد هددت خلال السنوات الثلاث الماضية بضرب اي طائرة سورية تقترب مسافة ٥ كم من الحدود، وهو ما فعلته مرتين. ودون ان تجرؤ انقرة على تكرار هذا التهديد عملياً عندما اخترقت الطائرات الروسية مجالها الجوي مرتين، ما دفع اردوغان للاستنجاد بالحلف الأطلسي الذي أوصى موسكو بعدم تكرار هذا الاختراق والتهرب من استهداف مواقع المعارضة المعتدلة والمدنيين.
وجاء الرد سريعاً على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف عندما قال مستهزءاً: «أين هم المعتدلون والجيش الحر حتى لا نضربهم».
وتضع كل هذه المعطيات اردوغان امام وضع صعب اولاً في علاقته مع موسكو، وثانياً مع الجماعات الارهابية المحسوبة على بلاده، وثالثاً مع حلفائها العرب والاميركيين والاوروبيين، وخاصة أنّ المعلومات تتوقع لهؤلاء الحلفاء ان يتخلّوا عن تركيا وقت الضيق، او أن يدفعوها إلى المزيد من التورط والمغامرة لتكون كبش الفداء لاي توتر جديد بين موسكو وواشنطن وحليفاتها الاوروبية.
في الوقت الذي يعرف فيه الجميع ان الهم الأكبر بالنسبة إلى اردوغان هو طموحاته وحساباته العقائدية، اي التزامه الدفاع عن الجماعات الارهابية في سوريا ومهما كان تسميتها، طالما هي تقاتل عدوه اللدود الرئيس بشار الاسد بمقولات دينية، مظلتها الاساسية الاخوان المسلمون. ويعرف الجميع ان اردوغان لا ولن يتخلى عنهم بسهولة طالما أنه يعتقد ان هذه الجماعات ستكون ورقته الرابحة في مرحلة المساومة من اجل اي حل للازمة السورية لاحقاً، كما ان ورقة التركمان وفصائلهم المسلحة، وقوامها نحو ٦-٧ آلاف مسلح، هي ايضاً ورقة مهمة بيد اردوغان خلال مساوماته على الدور التركي في سوريا او المنطقة عموماً، قبل وخلال وبعد الحل النهائي للازمة السورية التي وضعت انقرة من اجلها العديد من السناريوهات واهمها الخيارات العسكرية في مواجهة كل الاحتمالات مع روسيا.
فإمّا ان تستمر انقرة في تقديم كافة انواع الدعم اللوجستي والعسكري او تستعد لاستقبال الالاف من هؤلاء المسلحين بكافة جنسياتهم ليتحولوا الى ورقة ضغط وتهديد بيد اردوغان ضد أوروبا (التي أرسل اليها مئات الالاف من اللاجئين السوريين عبر بحر ايجه) والدول العربية في حال تهرّب هذه الدول من مساعدة انقرة في تحديها او حربها مع موسكو. كذلك سيتحول المقاتلون الشيشانيون وذوو الاصول القوقازية والاسيوية الى ورقة مهمة ستحسم مستقبل التحدي بين روسيا وتركيا، وخاصة اذا فكر اردوغان في الاستفادة من هؤلاء للضغط على موسكو وابعادها عن الشريط الحدودي.
فالجميع يعرف ان هؤلاء من أصول تركية، وهم جاؤوا تركيا ودخلوا منها الى سوريا بدعم تركي رسمي، بحسب تصريحات سابقة لنائب الرئيس الاميركي جو بايدن والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
ويبقى الموقف الروسي هو الاكثر تأثيراً في اي قرار مستقبلي لأردوغان لمواجهة كل الاحتمالات الروسية، لأن تركيا عضو في الحلف الأطلسي، ولا تستطيع ان تتحرك وحدها في اي توتر خطير قد يؤدي لحرب كبرى وربما كونية. ويراهن اردوغان على نتائج مكالمته الهاتفية المهمة مع الرئيس باراك اوباما ٢٥ تموز الماضي، حيث سمح للطائرات الأميركية باستخدام قاعدة انجرليك الأميركية وثلاث قواعد تركية، وهو يعرف ان هذه الطائرات ستتحالف مع «وحدات الحماية» الكردية السورية «الارهابية، حالها حال حزب العمال الكردستاني». ويضع مثل هذا الخلاف في الرأيين الاميركي والتركي في ما يتعلق بأكراد سوريا، الرئيس اردوغان في مأزق آخر قد يمنعه من الحصول على المزيد من الدعم الاميركي له في حربه النفسية والسياسية والعسكرية المُحتملة مع روسيا، وخاصة ان اوباما رفض استقبال اردوغان طيلة الأشهر الماضية على الرغم من العديد من الطلبات الرسمية. ودفع ذلك اردوغان لالغاء زيارته الى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الامم المتحدة، بعدما قال اوباما انه لن يستطيع اللقاء به بسبب التزاماته الكثيرة. وكان ذلك كافياً لكسر معنويات اردوغان، الذي ان استمر وضعه على هذا المنوال، فإمّا ان ينسى كل حلفائه من الجماعات المسلحة ومعهم قطر والسعودية أو يدخل في مغامرات خطيرة ليستغلها من أجل إلغاء انتخابات الاول من تشرين الثاني، وخاصة بعدما أظهرت كل الاستطلاعات أن «العدالة والتنمية» لن يفوز بالأغلبية الكافية لتأليف الحكومة وحده.
على ان تبقى احتمالات الحرب مع حزب العمال الحساب الاكثر خطورة بالنسبة إلى الدولة التركية، التي إن لم يتراجع اردوغان عن سياساته الحالية فسوف تجد نفسها امام تحديات خطيرة جدا ليس فقط على الصعيد الامني والعسكري والسياسي، بل الاقتصادي ايضاً.
إذ ان ٦٥٪ من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه تركيا هو من روسيا التي ان اغلقت انابيبها فالشلل سيصيب كل مرافق الدولة.
روسيا خاضت في تاريخها أكثر من ١٥ معركة خلال الـ٤٠٠ا سنة الماضية ضد الاتراك، ويبدو انها لم تكن كافية بالنسبة إلى الاتراك حتى ينسوا عداءهم القومي للروس، وخاصة هم يعتقدون الان انهم اكثر قوة من اي وقت مضى بفضل الجمهوريات الاسلامية ذات الأصل التركي في اسيا الوسطى والقوقاز، يضاف اليهم نحو ٢٠ مليون مسلم يعيشون دخل حدود روسيا الفدرالية.